مقالات مختارة

ريف حلب الجنوبي: معارك بلا نهاية! دمشق – عبد الله سليمان علي

 

تعيد المعارك الدائرة في ريف حلب الجنوبي إلى الذاكرة معارك الاستنزاف القاسية التي شهدها سهل الغاب، العام الماضي، واستمرت لأشهرعدة، كانت السيطرة على بعض القرى الصغيرة تنتقل خلالها من طرف لآخر خلال ساعات قليلة.

ولكن إذا كان سهل الغاب يُعد معبراً أساسياً للوصول إلى المنطقة الساحلية، حيث معقل الكتلة السكانية الموالية للدولة السورية والتي لا بد من ضربها لإسقاط النظام وفق القائمين على «جيش الفتح في إدلب»، فماذا عن ريف حلب الجنوبي، ولماذا تتصاعد حدة المعارك فيه بهذا الشكل الدموي العنيف؟

وعلى الرغم من شراسة المعارك التي تدور في ريف حلب الجنوبي لدرجة أنها تحولت إلى حرب استنزاف لكلا الطرفين، والخسائر البشرية الكبيرة التي منيت بها بعض القوات الرديفة للجيش السوري في معارك سابقة تؤكد ذلك، فإن هذه المعركة ليس لها أي أفق إستراتيجي مؤثر على موازين القوى في الساحة السورية. لذلك كان من الطبيعي أن يضعها المتحدث باسم «جبهة النصرة» أبو عمار الشامي في سياق تكتيكي، الغاية منه توسيع إطار حماية معقل «جبهة النصرة» في محافظة إدلب، التي تعد بمثابة «عاصمة» لها، وكذلك تأمين خط إمداد بديل لطريق كاستيلو الذي يتعرض في الآونة الأخيرة لرصد حثيث من قبل الطائرات الحربية. وجاء كلام الشامي في تغريدات له (حذفها بعد ذلك)، طالب خلالها بفتح معارك إستراتيجية، خصوصاً في الساحل وحماه.

كما أن بعض الدول الداعمة والفاعلة في الميدان السوري تعتقد أن قوة إيران الأساسية موجودة في ريف حلب الجنوبي، بذريعة العمل على فك الحصار عن بلدتي الفوعة وكفريا، لذلك فإن استهداف النفوذ الإيراني في سوريا يتطلب توجيه ضربات قاصمة له في هذه المنطقة، ومنعه من تحقيق أي تقدم باتجاه البلدتين المحاصرتين. وهو ما يفسر ضراوة المعارك التي تشهدها جبهات القتال، وعدم وجود مشكلة لدى الفصائل المسلحة في تأمين السلاح والذخائر اللازمة لإطلاق معارك جديدة خلال فترات قصيرة جداً.

وتقود «جبهة النصرة» حالياً غرفة عمليات «جيش الفتح في حلب» بالكامل، بعد أن تضاءل تأثير «أحرار الشام» بسبب اتفاق الفصائل على إعادة توزيع الأعمال القتالية، على خلفية خلافات بين بعض الفصائل، وعدم رضا عن أداء بعضها الآخر. وقد جرى خلالها تكليف «أحرار الشام» بتولي قيادة العمل العسكري في قطاعات أخرى، مع استمرارها بتقديم التغطية النارية، باستخدام ما تمتلكه من أسلحة ثقيلة في المنطقة.

وشنّت «جبهة النصرة»، مع فصائل «جيش الفتح» و»التركستانيين» و «القوقاز»، هجوماً جديداً على محور خلصة ـ زيتان، أمس الأول، وذلك بعد أربعة أيام فقط من فشل آخر هجوم لها على نفس المحور، حيث تكبدت حينها خسائر بشرية كبيرة، من بينها قيادات عسكرية من الصف الأول. وحسب معلومات حصلت عليها «السفير» فإن «جبهة النصرة» استعجلت شن هذا الهجوم بسبب اعتقادها، بناء على معطيات لديها، أن الجيش السوري كان على وشك الهجوم لاستعادة النقاط التي خسرها في وقت سابق.

وتأتي هذه الهجمات المتتالية في سياق استكمال عملية عسكرية مقسمة إلى مراحل عدة، انتهت الأولى بالسيطرة على خان طومان ومن ثم السيطرة على معراتة وحميرة والقراصي وبعض النقاط في محيط خان طومان، وتتمثل المرحلة الثانية بالسيطرة على قريتي خلصة وزيتان، اللتين مازالتا تشهدان معارك عنيفة، وصولاً إلى المرحلة الثالثة التي من المتوقع أن تتشعب إلى فرعين، الأول يتجه نحو فتح خط إمداد جديد باتجاه أحياء حلب الشرقية، عبر التقدم إلى قرية الحويز ومنها إلى الوضيحي ثم معمل الأسمنت فطريق الشيخ سعيد، والثاني نحو بلدة الحاضر من أجل إسقاط كامل الريف الجنوبي الذي احتاج الجيش السوري وحلفائه إلى أسابيع من القتال لاستعادته أواخر العام الماضي.

وحسب الوضع الجغرافي للمنطقة، فإن مجرد السيطرة على قرية خلصة تجعل قرية زيتان بحكم الساقطة نارياً لأنها تصبح محاصرة من ثلاث جهات، لذلك كانت هجمات «جبهة النصرة» تركز على قرية خلصة لضرب عصفورين بحجر واحد، وهو ما تكرر في الهجوم الأخير، أمس الأول.

ويبدو أن الجيش السوري استفاد من هذا التكتيك المعاد من قبل «جبهة النصرة»، فلجأ إلى إفشاله من خلال اصطناع خاصرة رخوة لقواته على جبهة زيتان ما أتاح لعناصر «جبهة النصرة» التسلل بسهولة إلى داخل زيتان، لتتحول وجهة الهجوم إلى هذه البلدة، التي تم فيها اختراق دفاعات «العدو»، وغلب على الظن أنها باتت ساقطة و «محررة»، حسب ما روى لـ «السفير» مصدر ميداني مواكب لعمليات «جبهة النصرة» في المنطقة.

وقد سارع ما يسمى «مراسل حلب»، تحت تأثير هذه التطورات، إلى الإعلان عن «تحرير زيتان» كذلك فعل أبو عمار الشامي. وعلى الأرض أدت اندفاعة «النصرة» إلى قرية زيتان إلى تخفيف الضغط عن قرية خلصة التي تتمتع بموقع أهم، وبالتالي عندما تجمعت أعداد كبيرة من مقاتلي «النصرة» وحلفائها في زيتان، كانت مدفعية الجيش وطائراته تمطر القرية بقصف كثيف، أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، فيما حوصر جزء آخر منهم في الطرف الشرقي من القرية.

لكن «جبهة النصرة»، برغم خسائرها، وبخلاف المرة الماضية التي أنهت فيها الهجوم بعد سقوط قادتها قتلى، لم تفعل ذلك هذه المرة، بل قامت بالانسحاب من زيتان أو سحب ما أمكنها سحبه، ليعود الجيش السوري إليها بعد أن قطف ثمار خطته. ثم جددت «جبهة النصرة» الهجوم باتجاه قرية خلصة، حيث نفّذت عملية انتحارية على التلة الشمالية الغربية منها، والتي تعتبر مركز قرية زيتان، نفذها السوري أبو سياف الحمصي (وهو مبتور القدم) لتتجدد الاشتباكات بعدها بين الطرفين طوال ساعات صباح امس، لكن من دون أن تتمكن من تحقيق أي تقدم، وسط توقعات بأن تعود الاشتباكات إلى المنطقة في أي وقت.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى