المهم إبعاد العماد عون !
غالب قنديل
تتناقل وسائل الإعلام العربية والمحلية مزيدا من المعلومات عن حركة الاتصالات التي نشطت مؤخرا في الداخل والخارج حول الاستحقاق الرئاسي اللبناني وقد ظهرت في بعض التقارير معلومات وتسريبات يقدم مفبركوها انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية كانقلاب دستوري يغطي الانتقال إلى ما يسمونه بنظام المثالثة بدلا من المناصفة ويبدو تصميم قوى 14 آذار على هذه اللعبة رغم كل ما صدر عن الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله نتيجة العجز عن تقديم مبررات سياسية مقنعة لمن يراد تأليبهم وتحريضهم على الجنرال الذي يتضح لكل من يدقق ان خصومه في الداخل والخارج يحاربون احتمال انتخابه باستماتة ظاهرة ولدوافع وأسباب تتعلق بثوابته الوطنية وبنهجه الإصلاحي.
أولا مشروع العماد عون الرئاسي يقوم على تطبيق اتفاق الطائف لا على تعديله وما يطرحه من انتقادات حول الأداء الدستوري والسياسي للسلطة اللبنانية خلال ربع القرن الماضي يتمحور على ضرورة التقيد بنص الاتفاق وبروحه على صعيد قانون الانتخاب وتحقيق الشراكة الوطنية التي ضمنها اتفاق الطائف كإطار ناظم للمؤسسات الدستورية وكذلك على مستوى العمل في السلطتين التشريعية والإجرائية وخصوصا تحويل مجلس الوزراء إلى مؤسسة دستورية ينتظم أداؤها بقانون دستوري منعا لدوام أعراف مناقضة للميثاق وما يطرحه العماد عون من مناقشة أفكار حول صلاحيات رئاسة الجمهورية لا يعدو كونه اقتراحا تمليه التجربة ودروسها والقرار بشأنه يجب ان يمر عبر الطرق الدستورية وهذا بالأصل حق ديمقراطي ودستوري لأي مواطن فكيف الحال ورئيس كتلة نيابية كبرى وزعيم تيار شعبي واسع.
كذبة المثالثة التي صنعت في مطابخ المستقبل وقوى 14 آذار غايتها تشويه صورة الجنرال وتياره السياسي الذي جاءت الأحداث لتؤكد صحة خياراته الوطنية في نظر القوة الشعبية المتحلقة حول مبادئه ومشروعه وهي توسعت وازدادت قوة وتجذرا في الفترة الأخيرة بعدما ظهر الوجه الحقيقي لنداء جعجع ” فليحكم الأخوان.”.
ثانيا المحتوى الإصلاحي الأبعد لتوجهات العماد ميشال عون لا يقوم على الدعوة إلى قسمة طائفية جديدة تخلف معادلات الطائف فهو في ثقافته وفكره السياسي يتنبى تجاوز الطائفية السياسية والتدرج في مسار التغيير نحو دولة مدنية لاطائفية وتلك هي المباديء التي يبشر بها منذ تعاطيه العمل العام وبروزه كزعامة شعبية وهذا بالضبط ما يشكل تناقضا حادا مع القوى الراغبة في تأبيد صيغة الطائف ومنع التقدم إلى الأمام في إصلاح النظام اللبناني .
تتعمد الآلة السياسية الإعلامية التابعة للمستقبل ولقوى 14 آذار محاولة الغمز من متانة التحالف بين العماد عون وحزب الله عشية الحوار المتوقع بين الحزب والمستقبل عبر تمرير ان المستقبل سوف يعرض على قيادة الحزب تسمية رئيس ممن يوصفون بالتوافقية والوسطية مقابل التخلي عن العماد عون كمرشح رئاسي والحقيقة ان الحزب المتمسك بتحالفه الوطيد مع الجنرال برهن على ان موقفه من الاستحقاق الرئاسي تحكمه الشراكة مع حليفه الأبرز وهو سيبرهن على ثبات هذا التحالف مهما كانت الإغراءات المعروضة بالمقابل عملا بقراءة مبدئية في توازن القوى المحلي والإقليمي ودروس التجارب منذ عام 2008 على الأقل يوم تخلى الجنرال عن مشروعية ترشيحه لصالح فرصة الإنقاذ الوطني وهو ما يحفظه له جميع الحريصين وخصوصا الذين خبروا انقلاب “الرئيس التوافقي” ميشال سليمان على تعهداته يومها.
ثالثا عندما خاض العماد عون حوارا سياسيا مع تيار المستقبل قابله حزب الله بالتفويض والثقة الكاملة ووجد فيه فرصة جدية لاستكشاف إمكانية إحداث اختراق سياسي يخرج البلاد من المأزق السياسي والدستوري وقد محضت قيادة الحزب آنذاك تفويضها للحليف الكبير وتحملت أعراضا جانبية كثيرة واحتوتها واعتبرت ان ما يقبل به العماد عون في حصيلة أي حوار سيكون لمصلحة لبنان ولم تغب يومها عن المشهد الإعلامي تكهنات وتمنيات بالفك بين الحليفين الكبيرين وقد ثبت مجددا لكل من يلزم أن العماد ميشال عون لا يقايض مبادئه وتحالفاته بأي ثمن كان .
بالقدر نفسه من الثقة ينبغي النظر إلى الحوار بين المستقبل وحزب الله الذي يضع أولوياته بكل وضوح وثقة ويتحرك مستندا إلى معادلات القوة التي راكمها عبر دوره الوطني والإقليمي الذي بات يحظى باعتراف متزايد في الدوائر السياسية العالمية التي تتسابق إلى التواصل مع قيادة الحزب كما هو يستند إلى تحالفات صلبة لا تهزها المناورات.
غاية اولى سيحققها حوار الحزب والمستقبل هي إراحة الأجواء الداخلية واحتواء التشنجات المذهبية التي راكمها المستقبل وحلفاؤه بالتحريض العدائي المباشر أما التقدم نحو نتائج إيجابية في السياسة فهو رهن بتخلي المستقبل عن هدفه غير المعلن : المهم إبعاد العماد عون !