مقالات مختارة

الإخفاق في تحديث قانون الانتخاب ليس مفاجئاً… ولكن هناك حلّ؟ العميد د. أمين محمد حطيط

 

منذ اللحظة الأولى التي أجّلت فيها الانتخابات النيابية في لبنان بذريعة الاستحالة الأمنية لإجرائها كان المطّلعون على الوضع بمن فيهم الذين اتخذوا القرار يعلمون أنّ التأجيل كان لأسباب أخرى لا علاقة لها بالأمن، واستطاع هؤلاء استثمار الذريعة الأمنية الواهية لمدة ثلاث سنوات حتى سقوط الذريعة وافتضاح بطلانها في صناديق الاقتراع في الانتخابات البلدية.

لكن… سقطت الذريعة ولم تسقط الأسباب الذاتية الموجبة لدى هذا الطرف أو ذاك من الذين دفعوا إلى التأجيل سابقاً، وباتوا يبحثون عن عوائق أخرى يتوسّلونها للهروب من صناديق الاقتراع، أو للذهاب إليها في ظلّ قانون انتخاب يتيح لمن يملك الأكثرية اليوم أن يحافظ عليها في الوقت الذي يشعر فيه أطراف آخرون بغبن في التمثيل، ويطمحون إلى قانون انتخاب ينصفهم أو يقلّل من غبنهم، وبالتالي بات قانون الانتخاب بالنسبة للتأجيليّين اليوم السلاح الوحيد الذي يمكنهم التمسك به لفرض التأجيل في ظلّ رفضهم تعديل القانون النافذ بما يحقق الإنصاف لا العدالة ورفض الأطراف الآخرين إجراء الانتخاب في ظلّ هذا القانون المشوّه الظالم.

وعلى أساس الرفضين المتبادلين يكون التأجيليون – حسب ظنهم – وصلوا إلى مبتغاهم في منع إجراء الانتخاب اليوم بانتظار حدث يغيّر الأوضاع لصالحهم، ولكن ما يبدو أن الطرف المصرّ على التأجيل لا يدركه الآن هو تغيّر الظروف التي أتاحت التأجيل لمرتين سابقتين سواء الداخلية أو الخارجية، خاصة لجهة قدرتهم على المناورة مجدّداً، في الإطار هذا بعد أن تعثرت أو سقطت الذريعة الأمنية أو لجهة الغطاء الخارجي لهم بعد أن رفع عنهم الآن بإعلان السفير الأميركي في لبنان وجوب إجراء الانتخابات النيابية دون ربطها بالانتخابات الرئاسية، وهي الانتخابات التي يحتفظ بها التأجيليون المرتابون من الانتخابات النيابية ورقة في اليد لفرض التمديد لأنفسهم مجدّداً بذريعة «رئيس الجمهورية أولاً»، مع علمهم أنّ الفريق الآخر لن يسهّل لهم مسعاهم.

وبصدد هذه الذريعة نعود فنكرّر ما كنا فصلناه سابقاً من عدم مشروعية انتخاب رئيس جمهورية من قبل مجلس النواب القائم حالياً على أساس التمديد لأنّ ذريعة التمديد الأمنية سقطت مع إجراء الانتخابات البلدية وبسقوطها سقطت شريعة المجلس ولا يقبل منه بعد أيّ عمل إلا تشريعاً واحداً يحصر بقانون الانتخاب، لأنّ هذا القانون لا قيمة له بذاته بل انه مدخل للعودة إلى الشعب وللوقوف على الإرادة الشعبية أيّ أنّ الشعب سيقول كلمته على أساسه، وما عدا ذلك ومن أول حزيران/ يونيو الحالي نرى أن لا عمل لمجلس النواب غير سنّ قانون انتخاب.

ولكن ماذا لو أصرّ التأجيليون على رفض تعديل قانون الانتخاب المسمّى بقانون الستين والذي يعتمد النظام الأكثري المتعدّد المعايير، والمفصّل على أساس مصالح فئة المال والسلطة فكيف يكون التصرف؟

إنّ هذا الطرح ليس فرضية بعيدة التحقق، بل إنه كما نراه هو السلوك الذي سيعتمده التأجيليون، والذين يشكل تيار المستقبل والحريريون التقليديون رأس الحربة فيه، فتيار المستقبل الذي تمكّن من الحصول في انتخابات العام 2009 على أكثرية نيابية تفوق بضعفين على الأقلّ حجمه الحقيقي، أكثرية سخر لإنتاجها السلطة التي بيده والمال السياسي الذي كان أسقط في انتخابات سابقة ضمير لبنان سليم الحص، كما أضاف إلى ذلك السلاح المذهبي والطائفي الغرائزي المتكئ على «دم الشهيد»، يجد أنّ هذه الأسلحة تآكل بعضها وبات بعضها الآخر في يد المنشقّين عنه الذين يتقدّمونه أشواطاً في المذهبية والطائفية ورفض الآخر، أنّ تيار المستقبل الذي هذا هو حاله يرفض الانتخابات من أصلها، حتى لو على أساس قانون الستين ذاته، لأنّ إجراءها يعني له بكلّ بساطة تناحراً وتشرذماً داخلياً داخل التيار ، تراجع مذهل في الكتلة النيابية المستقبلية إلى حدّ الثلث تقريباً تراجع من 42 إلى 13 نائباً حسب استطلاعات الرأي من قبل المراكز الموثوقة والأدهى من ذلك انعدام سلطة المال السياسي الذي لا يملك منه رئيس التيار شيئاً حتى لدفع ديونه من مآدب الإفطار أو رواتب وأجور موظفي «سعودي أوجيه».

هذا المشهد يجب أن يشكل للرافضين بصدق تأجيل الانتخابات النيابية، يشكل لهم ورقة ضغط على تيار المستقبل على درجتين وتخييره بين قانون انتخاب على أساس النسبية والنسبية فقط والإقلاع عن بدعة المختلط مهما كانت النسب فيها، أو إجراء الانتخابات على أساس هذا القانون السيّئ المسمّى قانون الستين مع اتخاذ تدابير مانعة لتفاقم شروره ومساوئه.

فإذا كان تيار المستقبل يملك الوعي السياسي والرؤية المستقبلية الموضوعية، فإنه يختار الحلّ الأول ويذهب إلى قانون نسبي دون أيّ لبس، لأنّ هذا القانون الذي يقلّص حجمه اليوم يمنع من تحجيمه أو شطبه من المعادلة السياسية غداً كما شطبت أحزاب وتيارات وعائلات وشخصيات هامة من الحياة السياسية اللبنانية سابقاً بسبب القانون الأكثري.

أما إذا أصرّ تيار المستقبل على تعنّته ورفض اعتماد قانون النسبية، فإننا نرى أنّ الأفضل للبنان السير في إجراء انتخابات نيابية على أساس القانون الحالي وعدم إجهاض الزخم الشعبي المنادي بالنسبية عبر قانون مختلط يكون في مفاعيله أشدّ ضرراً من قانون الستين، وعلى رافضي التزوير في الانتخابات أن يعلموا أنّ المستفيد من التزوير لن يقبل أن يتنازل عما يظنه مستقراً في يده، ولن يقبل أن يتراجع إلى حجمه الطبيعي برضاه، وكفى مراهنة على مستحيل، وكفى هدر الوقت والتسويف في لجان درس قانون انتخاب متعدّدة الأحجام والعناوين والتسميات. فهناك قناعة نهائية أنّ حزب المستقبل لن يتنازل عن الأكثرية المزوّرة التي بيده اليوم، ويفضل أن لا تجري الانتخابات الآن حتى على أساس قانون الستين.

وهنا توجد الثغرة التي يمكن النفاذ منها وهي إجراء الانتخابات على أساس القانون الحالي، وعندها يمكن للصادقين في رفض هذا القانون أن يعاقبوا الرافضين للنسبية باتخاذ التدابير التالية:

1 ـ صياغة تحالفات انتخابية ظرفية عمادها رفض قانون الستين وخوض الانتخابات لمنع الرافضين للنسبية من الحصول على أكثرية نيابية، ومن ثم المسارعة بعد الانتخابات وبعد تشكل أكثرية نيابية تعتمد النسبية المسارعة إلى وضع قانون انتخابي عصري على أساس النسبية ووحدة الدائرة الانتخابية على صعيد لبنان كله.

2 ـ اتخاذ أشدّ وأقسى التدابير الإدارية والقضائية والأمنية للحؤول دون استغلال الشحن الطائفي والمذهبي، أو استعمال المال السياسي الذي يشوّه نتائج الانتخابات وفي ذلك تقليل من مساوئ قانون الستين، نقول تقليل ولا نقول التفلّت من مساوئه.

3 ـ تنظيم حملات توعية شعبية للوقوف ضدّ مَن يقف ضدّ التمثيل الصحيح ويرفض قانون انتخاب على أسس النسبية يحفظ الجميع وفقاً لأحجامهم السياسية الحقيقية ولا يسمح بتزوير الإرادة الشعبية بأيّ سلاح. ولا بأس هنا أن تنخرط وسائل الإعلام طوعياً وبفعالية في هذه المعركة الوطنية الكبرى، خاصة أنّ التأجيليين لا زالوا يمسكون بيدهم إعلاماً قادراً على التلفيق وشحن النفوس خلافاً للمصلحة الوطنية.

4 ـ وقف التعامل مع مجلس النواب على أساس أنه مجلس شيوخ ومجلس نواب في الآن نفسه، وبالتالي التوقف عن القول بالميثاقية في انعقاد جلسات مجلس النواب، لأنّ هذه الميثاقية المزعومة غير المبرّرة دستوراً أدّت وتؤدّي إلى تعطيل أهمّ مؤسسة دستورية في لبنان، ويجب أن يعمل مجلس النواب متقيّداً بالنصاب القانوني المنصوص عليه في الدستور، لا أن يعطى فريق الأكثرية المزوّرة حق التحكم بقرار هذا المجلس، كما هو حاصل الآن.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى