مقالات مختارة

القلمون: أبو مالك بين الحصار أو «المبايعة»؟ عبد الله سليمان علي

 

تجد «جبهة النصرة في القلمون الغربي» نفسها هذه الأيام أمام موقف شديد الصعوبة.

وسواء صحت الأنباء حول الإنذار بوجوب مبايعة زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-«داعش» أبو بكر البغدادي أم لم تصح، فإن التطورات الأخيرة تفرض على أميرها أبي مالك التلّي أن يتخذ قراراً حاسماً حول علاقته مع «داعش»، خصوصاً بعد أن وصلت نار «حرب الإلغاء الجهادية» إلى توأمه الجغرافي في القلمون الشرقي، وامتدت للمرة الأولى إلى محافظة درعا.

والتزمت «جبهة النصرة في القلمون الغربي» الصمت إزاء التسريبات التي تحدثت الأسبوع الماضي، عن توجيه تنظيم «الدولة الإسلامية» إنذاراً إلى فصائل القلمون بوجوب مبايعة زعيمه البغدادي تحت طائلة تكفير الفصيل الذي يرفض المبايعة وقتاله، كما أن «داعش» بدوره لم يؤكد أو ينف صحة هذه الأنباء.

وعلى الرغم من أن بعض إعلاميي «الدولة الإسلامية»، وأبرزهم «أبو مصعب حفيد البغدادي» (صاحب الحساب على تويتر الذي نشر الصور الأولى لذبح الشهيد علي السيد) أعلنوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن معظم فصائل القلمون بايعوا البغدادي مؤخراً من دون تسمية هذه الفصائل، فقد كان ملاحظاً أن هؤلاء الإعلاميين لم يتطرقوا، لا من قريب أو بعيد، إلى موضوع العلاقة مع أبي مالك التلي و«جبهة النصرة» في المنطقة.

وعلمت «السفير» من مصدر مقرب من «جبهة النصرة» أن أحد «الأمراء الشرعيين في الدولة الإسلامية» ويدعى أبو الوليد المقدسي قدم منذ حوالي عشرة أيام إلى منطقة القلمون، وأنه اجتمع مع بعض قادة الفصائل في المنطقة، بمن فيهم «أمير جبهة النصرة» أبي مالك التلّي.

وأشار المصدر إلى أن الاجتماع مع التلي حضره برفقة المقدسي قائد عسكري لم يذكر اسمه و»أبو مصعب حفيد البغدادي» الذي يعتبر إعلامي «داعش» في القلمون. وأكد المصدر أن ما جرى تسريبه عن مضمون الاجتماع غير دقيق، سواء لجهة توجيه ممثلي «الدولة الإسلامية» إنذاراً بوجوب مبايعة البغدادي، أو لجهة ما قيل أنه رد من التلي برفض ذلك، وأنه كما نقل عن لسانه «لا يرى خلافة حقيقية أو خليفة يستوجب البيعة».

وأشار المصدر إلى أن أبا مالك التلي قد يصدر بياناً توضيحياً يبين فيه حقيقة ما حصل في الاجتماع، في حال وجد ضرورة لإصدار مثل هذا البيان. وفي تأكيد منه على استمرار المودة بين «النصرة» و«داعش» في القلمون، أكد المصدر أن التلي أقام منذ أيام وليمة عشاء حضرها عدد من قيادات «الدولة الإسلامية»، كما أن «المجلس الشرعي» المشترك بين الطرفين ما يزال فعالاً ويمارس مهامه يوميا.

غير أن أحد نشطاء القلمون، لفت إلى أن السلوك الودي الذي تنتهجه قيادة «جبهة النصرة» ظاهرياً تجاه «الدولة الإسلامية» لا يمثل حقيقة موقفها، وأن غاية هذا السلوك هو اتقاء المصير الذي لاقته «جبهة النصرة في المنطقة الشرقية». وأكد الناشط أن التلي سيكتشف خلال وقت قصير أن أسلوبه لن يفيده في شيء، وأن «الدولة الإسلامية» بعد تمكنه في القلمون نسبياً وتزايد «البيعات» له من بعض الكتائب سيسارع إلى الاصطدام به عاجلاً أم آجلاً.

ويعزز من ذلك، أن أبي مالك أصبح بعد وصول المعارك والاشتباكات إلى القلمون الشرقي ودرعا وريف حمص «الأمير الوحيد» في «النصرة» الذي لا يقاتل «الدولة الإسلامية»، فهل سيستطيع أن يحافظ على هذا الوضع الشاذ خصوصاً في ظل الاشتباكات التي تجري بجواره في القلمون الشرقي وفي ظل سعي «داعش» إلى السيطرة على منطقة بئر القصب التي من شأنها قطع خطوط الإمداد بين القلمون الغربي وبين محافظة درعا حيث المعقل الرئيسي لـ «جبهة النصرة»؟

وهنا يؤكد بعض المطلعين على خفايا العلاقة بين «النصرة» و»داعش» في القلمون أن أحد أهداف الأخير من السيطرة على بئر القصب هو الضغط على أبي مالك بطريقة غير مباشرة، ودفعه إلى الاختيار بين «المبايعة» برضاه أو الخضوع للحصار المطبق في أشهر الشتاء العسيرة.

وفي هذا السياق، تواصلت الاشتباكات في منطقة بئر القصب بين الفصائل التي وقعت على «ميثاق القلمون الشرقي» وأبرزها «جبهة النصرة في القلمون الشرقي» بقيادة أبي عامر و»جيش الإسلام» و»أحرار الشام» من جهة وبين «داعش» من جهة ثانية، وسط تضارب في الأنباء حول نسبة سيطرة كل من الطرفين على المنطقة المتنازع عليها، فيما كان لافتاً أن سلاح التفجيرات دخل على خط المعركة الدائرة، حيث قال «جيش الإسلام» أنه تمكن من قتل عنصر من «داعش» يرتدي حزاماً ناسفاً كان يستهدف اغتيال أحد قادته في المنطقة. ويأتي ذلك بعد أيام فقط من اغتيال القيادي في «جيش الإسلام» أبي مجاهد بتفجير سيارة في مدينة الضمير بريف دمشق.

كما اندلعت في درعا، أمس، أول معركة من نوعها بين «جبهة النصرة» وحلفائها من جهة وبين لواء محسوب على «الدولة الإسلامية» من جهة ثانية، الأمر الذي يؤكد ما نشرته «السفير» قبل أيام حول اقتراب خطر «داعش» من محافظة درعا واستنفار الفصائل بقيادة «جبهة النصرة» لمواجهته.

وفي التفاصيل، أن «لواء شهداء اليرموك» الذي يُتّهم أنه بايع «داعش» سراً في وقت سابق، اعتقل ثلاثة عناصر من «جبهة النصرة» مع زوجة أحدهم وأبنائه في بلدة جملة بدرعا، موجهاً إليهم تهمة تشكيل خلية تستهدف اغتيال قيادييه، وعلى رأسهم قائده أبو علي البريدي، المعروف بلقب «الخال».

وعرض اللواء اعترافات مصورة لأحد المعتقلين لديه، ويدعى أبو العباس أقر فيها بصحة الاتهامات الموجهة إليه وإلى زملائه، وأنه كان مكلفاً من «أميره شامل» بتنفيذ الاغتيالات.

إلا أن «جبهة النصرة» اعتبرت اعتقال عناصرها، مع التركيز على اعتقال زوجة أحدهم، أمراً يمس بأعراض «المجاهدين»، ويؤكد السلوك السيئ لـ «لواء شهداء اليرموك»، لتشن ضده حملة عسكرية تحت ذريعة تخليص المدينة من فساده، وهي نفس الذريعة التي استندت إليها في حملتها العسكرية للسيطرة على ريف إدلب الشهر الماضي.

وداهمت «النصرة» بالاشتراك مع كل من «حركة المثنى» و»جبهة ثوار سوريا في الجنوب» معاقل «لواء شهداء اليرموك» في كل من سحم الجولان وبلدة تسيل في ريف درعا الغربي، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة سقط جراءها العديد من القتلى والجرحى من الطرفين، وسط مخاوف من أن تكون هذه الاشتباكات الشرارة التي ستحرق محافظة درعا كما حدث في دير الزور قبل أشهر، خاصة في ظل المعلومات التي تحدثت مساء أمس عن توالي الإعلان في درعا عن «بيعات» جديدة للبغدادي من قبل كل من كتيبة «بيت المقدس» وكتيبة «أبو محمد التلاوي».

ولوحظ أن قيادات «جبهة النصرة» التي هربت من المنطقة الشرقية إلى درعا في أعقاب هزيمتها هناك، وعلى رأسهم أبو ماريا القحطاني وأبو حسن الكويتي وأبو أسامة العدني كانوا من أوائل المسارعين إلى اتهام «لواء شهداء اليرموك» بمبايعة «داعش» سراً، فيما نفى العديد من ناشطي المدينة صحة هذه البيعة، وهذا ما طرح تساؤلات حول حقيقة الدور الذي يقوم به قادة المنطقة الشرقية السابقون، لاسيما في ظل معلومات تتحدث عن تلقي أبي ماريا القحطاني، الذي يبدو أنه لم يعد يرتبط بـ»النصرة» إلا بالاسم فقط ويعمل لحسابه الخاص، مبلغاً مالياً كبيراً من جهة خارجية، وأنه بدأ بشراء السيارات وتخزين الأسلحة. وما زاد من الشكوك حول هذا الدور أن أبا العباس، الذي عرضت اعترافاته، كان يقاتل ضد «الدولة الإسلامية» في دير الزور تحت قيادة القحطاني نفسه.

إلى ذلك، قدّم لواء «أسود الإسلام» بقيادة رافد طه، وهو أحد أكبر الألوية في مدينة تلبيسة بريف حمص، «البيعة» إلى البغدادي، الأمر الذي اضطر مقاتلي «جبهة النصرة» إلى الانسحاب من جبهة قرية أم شرشوح، خشية أن يغدر بهم اللواء بعد بيعته لخصمها اللدود.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى