بقلم غالب قنديل

الأسد وقضية الاستقلال الوطني

غالب قنديل

بينما تخوض معركة الدفاع عن استقلالها سياسيا وعسكريا يحاول الكثيرون رسم صورة مشوهة لعلاقة الدولة الوطنية السورية بحلفائها ومرة يقال إن هذه الدولة تخضع لشريكها الاستراتيجي الإيراني ومرة اخرى يدور كلام عن ” وصاية روسية ” وفي مواقع حلف العدوان ووسائله الإعلامية الغربية والخليجية ترسم لسورية صورة المستعمرة المحتلة بينما توصف جيوش القاعدة ومثيلاتها من الفصائل المسلحة التي تضم عشرات آلاف الإرهابيين الأجانب بالثوار السوريين وبالمعارضة السورية في أبشع انواع الكذب والدجل التي وسمت التزوير الإعلامي والسياسي والبروباغندا الحربية في التاريخ المعاصر.

يقوم تشويه العلاقة بالحلفاء على تثبيت قاعدة “التسليم” بالتدخل الخارجي في شؤون سورية سيادية تصمم الدولة الوطنية على التمسك بمبادئها في التعامل معها وبالاحتكام لإرادة الشعب العربي السوري وحده كمصدر للخيار والقرار وهي نجحت في فرض ذلك على جميع النصوص والتفاهمات المتصلة بالوضع السوري ولكن محاولة تعميم “بداهة” تدخل الحلفاء في مثل هذه الخيارات تستدعي خلفها تسليما افتراضيا مقابلا بجواز تدخلات الغرب ودول حلف العدوان التي شرح الرئيس الأسد اهدافها ومساعيها لضم سورية إلى حظيرة التبعية للاستعمار وإدخالها في نفق الاضطراب المنظم الذي تتكفل بها صيغ الحكم الطائفي التي تضمن دوام التدخلات الأجنبية كما برهنت التجارب في لبنان والعراق.

الحقيقة التي يتجاهلها الخصوم وبعض الأصدقاء كذلك هي ان الجمهورية العربية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد تتمسك باستقلالها الوطني الذي تقاتل دفاعا عنه وتقدم التضحيات الجليلة في سبيله وهي لذلك تمارس الندية في تحالفاتها وشراكاتها رغم كل ما لحق بها من أذى بنتيجة العدوان الاستعماري ورغم حجم احتياجها المصيري لدعم الحلفاء والشركاء الذين لم يسع اي منهم لمقايضة جهوده وتضحياته بفرض آرائه واجتهاداته في الشؤون السورية السيادية.

إذا كانت التحالفات توازنات ومعادلات فما قدمته سورية لشركائها كبير وجزيل بجميع المعاني وهي وفرت بصمودها فرصا نوعية لتطوير الفاعلية الروسية والصينية والإيرانية في العالم والمنطقة وما قدمه هؤلاء الشركاء وهو جليل ومقدر كان دفاعا عن مصالح استراتيجية مشتركة مع سورية التي هي خط الدفاع الأول عن معسكر مناهضي الهيمنة الأميركية وهذا ما تدركه قيادات هذه الدول حتى حين يطفو على السطح كلام الوزير سيرغي لافروف عن ” الشركاء الغربيين ” في معرض تناوله لخروج الولايات المتحدة وتوابعها المتورطين في العدوان على سورية عن مباديء وتفاهمات ما كانت الدبلوماسية الروسية لتنتزعها لولا الصمود السوري بكلفته العالية لسنوات أما حزب الله فهو الشقيق الشريك الذي تربطه بسورية وحدة المصير وحيث لا مجال للنقاش في مدى التلاحم والتناغم.

مرات ومرات روجت تقارير سرعان ما تلاشت عن خلافات وتباينات مزعومة بين دمشق وكل من موسكو وطهران وكذلك عن خلافات بين روسيا وإيران بخصوص الوضع السوري وتبعا للمراحل والضرورات عممت غرف التخطيط الغربية وادواتها الإعلامية اكاذيب كثيرة لتغذية الانطباعات على جري عادتها مستهدفة الجبهة الداخلية السورية التي سعى حلف العدوان إلى تقويضها بالتحريض الطائفي والمذهبي الذي تناوله الرئيس الأسد في خطابه وفي إشارته المعبرة إلى رسوخ الوحدة الوطنية للشعب العربي السوري رغم كل شيء عندما قال إن الفتنة في سورية ميتة وليست نائمة وما يجب ان يسجل هنا هو ان الرئيس بشار الأسد كان مدركا لهذه المسألة من الأيام الأولى للعدوان وهو استطاع بجهد قام به شخصيا وعلى مدار الساعة خلال السنوات الماضية كسب معركة الوعي واليقظة الوطنية ضد الخطط التي جندت لها إمكانات هائلة لتمزيق الشعب السوري واستجابت لديناميكية الرئيس في التعامل مع هذا التحدي جميع المرجعيات الدينية السورية المسيحية والمسلمة وشرائح اجتماعية واسعة في جميع المحافظات والمدن السورية وإن خص الرئيس حلب المدينة والمحافظة بإشارة حول هذا الموضوع فلأنها تقف سدا منيعا بصمودها امام الخطط الأردوغانية التي بشر بفشلها وسقوطها عند أسوار العاصمة الثانية للبلاد.

يتجاهل البعض عامدين نهج الرئيس بشار الأسد وأسلوبه في إدارة الصراع والتحالفات الاستراتيجية من خلال منظومة فكرية وطنية استقلالية غايتها تحرير كل شبر من الأراضي السورية وسحق عصابات الإرهاب وإعادة بناء سورية العلمانية الديمقراطية المستقلة والحديثة وهو بذلك رسم الهدف الفعلي للمسيرة الوطنية التي يقودها بشراكة الشعب والجيش وبسعيه الحثيث للارتقاء بمستوى اداء مؤسسات الدولة الوطنية إلى ما تقتضيه التحديات المصيرية ومتطلبات الخلاص الوطني.

تناول الرئيس الأسد في خطابه مسار العملية السياسية التي تجاوبت معها الدولة الوطنية ورسمت مبادئها في التعامل معها واوضح مأزق التفاوض الناتج عن ارتهان واجهات “المعارضة” بالحلف الاستعماري الرجعي الذي يحرك بيادقها كاشفا أهداف المخطط الاستعماري الذي انتقل إلى منصة العملية السياسية بعد انكشاف فشل العدوان بنتيجة صمود الشعب والجيش والدولة وقد تناول تجربة وقف العمليات القتالية والمصالحات التي ترعاها الدولة بما فيها من نتائج إيجابية وبما يهددها نتيجة تصميم حكومات العدوان بقيادتها الأميركية على دعم عصابات الإرهاب والتوحش التكفيري وخصوصا حكومات قطر والسعودية وحكومة تركيا التي نالها ونال أردوغان في خطاب الرئيس ما تستحق من توصيف واقعي ومن إدانة اخلاقية وحزم وشدة في التصميم على المجابهة .

من غير وعود وردية وبواقعيته المميزة في عرض المصاعب والتحديات حدد الرئيس بشار الأسد اولويات المرحلة وكاشف شعبه بصراحة مصمما من موقع وعيه للمصلحة السورية على فكرة الدولة الوطنية العلمانية متمسكا بخيار الدفاع عن الاستقلال الوطني وجاءت رسائل الشكر للحلفاء التي ميزتها حرارة تحية الرئيس للمقاومة اللبنانية تتويجا لخطاب يؤكد ثبات القلعة السورية التي تبنى على صمودها وانتصارها الآتي تحولات تاريخية لصالح معسكر التحرر من الهمينة الاستعمارية العابر للقارات والمحيطات .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى