جيفري فيلتمان
ناصر قنديل
– لم يكن جيفري فيلتمان يوماً يشبه التوصيف الرسمي لمهمته، فيوم كان سفيراً لبلاده في لبنان، كان ذلك مجرّد اللقب، لكن الوظيفة كانت المنسّق العام للأنشطة المناوئة لسورية والمقاومة في بلاد الشام، وكانت صلاحياته الممنوحة من مجلس الأمن القومي تتخطى صلاحيات السفارة السورية في دمشق، وكان أصدقاؤه اللبنانيون يتولون تأمين إيصال ونقل الرسائل وتحضير المواعيد مع شخصيات وبعض المسؤولين في سورية ضمن الشبكة التي كان فيلتمان يتولى إدارتها، والتي كانت ولا تزال تضمّ شخصيات سياسية وقادة ميدانيين في الحرب على المقاومة وسورية، بمن فيهم من صار اليوم من وجهاء «جبهة النصرة» و«داعش»، وكانوا من رواد السفارة الأميركية في أيام جيف، اسألوا بلال دقماق.
– عندما تولى فيلتمان مهمة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، كانت وظيفته الأصلية الإعداد والتنسيق للحرب على سورية، مستخدماً بيروت منصة تواصل من جهة وإعداد لوجيستي ومواكبة إعلامية وسياسية من جهة أخرى، حيث لا يزال يتندّر الكثيرون بالاعتصام الذي نظمه وشارك فيه الرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط تحت عنوان «إنْ سقطت حمص بيد الجيش السوري سقطنا جميعاً» ويصفونه باعتصام فيلتمان.
– عندما انتقل فيلتمان إلى الأمم المتحدة ولبس القبعة الزرقاء، وصار معاوناً سياسياً للأمين العام فيها، كانت مهمته الفعلية إدارة المفاوضات لحساب إدارته مع الحكومات التي لا تقيم حكومته علاقات ديبلوماسية معها مثل إيران أو قامت بقطعها كحال سورية، فيوم جرى تعيين فيلتمان في نيويورك كانت إدارة الرئيس باراك أوباما قد تيقنت من استحالة سقوط سورية وإيران، وبالتالي إلزامية السير بالخيار التفاوضي وتحت عباءة الأمم المتحدة لصناعة الحلول السياسية، ولمن لا يتذكر من المفيد التذكير بزيارات مكوكية لإيران لا تتصل بالملف النووي بل بترتيبات التفاوض الأميركي الإيراني، خصوصاً ما يتصل منها بالشؤون الإقليمية في المنطقة.
– فيلتمان يعلن من القاهرة أنّ الأوان قد حان لحلّ الأزمة في سورية، وهذا ليس مجرّد تصريح صحافي لدعم مساعي المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، فهو تحدث عن ليبيا والسودان واليمن وفلسطين وفيها كلها مساع أممية مشابهة، ولم يقل عنها قد حان أوان الحلول السياسية فيها، وفي سورية كان قبل دي ميستورا مبعوثون أمميون ولم يقل فيلتمان أنّ أوان الحلّ السياسي قد حان، فلماذا يخصّص سورية والآن بالإعلان عن أوان الحلّ السياسي؟
– فيلتمان يعلن عملياً أنّ كلّ المحاولات التي بُذلت قبل دخول الوقت الحرج، لتغيير موازين القوى قد فشلت، فلا منطقة رجب أردوغان العازلة قابلة للحياة، ولا الشريط العازل لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن أبصر النور، ولا الغارات «الإسرائيلية» غيّرت معادلات، ولا تعويم «جبهة النصرة» ممكناً، ولا المعارضة المعتدلة كائناً حقيقياً، والجيش السوري يتقدم، خصوصاً في حلب، والأمل الوحيد بحفظ مقعد لمعارضة ترتبط بأميركا هو تقديم الثمن الذي طلبته سورية لتسهيل مهمة دي ميستورا، وهو إغلاق الحدود التركية لمنع مرور السلاح والمسلحين.
– مشكلة فيلتمان اليوم أنّ الاكتفاء بضمانات لمبادرة دي ميستورا يسري على شقيها، الشق الخاص بحلب، والشق الخاص بالحدود التركية، والحديث عن نشر مراقبين سيطاول الشقين معاً.
– يرفع فيلتمان سماعة الهاتف ويتصل بالخارجية السورية، أو ربما يكون قد فعل، ويبلغ الوزير ونائبه، من خارج نطاق مهمته الأممية، أنّ السفير الأميركي عائد قريباً إلى دمشق.
(البناء)