دفء روسي ـ إسرائيلي يتنامى: تعويضات وإرهاب وسياح.. وسوريا حلمي موسى
التقى أمس في موسكو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إطار احتفالات الدولتين بالذكرى الخامسة والعشرين لاستئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما.
ورغم أن مناسبة اللقاء تدخل في باب المراسم والطقوس، إلا أن محتويات اللقاء كانت سياسية واقتصادية بامتياز. إذ وقعت الحكومتان على اتفاقية تعويضات وتقاعد بالغة الأهمية للكثير من «المهاجرين» اليهود، الذين تركوا روسيا منذ السبعينيات وإلى الآن.
لكن إلى جانب ذلك، هناك محاولة إسرائيلية لتوطيد العلاقات مع روسيا على أرضية صعود دورها في سوريا من ناحية ولمنع تعاظم العلاقات بينها وبين إيران. وبين هذا وذاك، يطمح نتنياهو إلى التقرب من روسيا عبر ادعاء الرغبة في منحها دوراً سياسياً أكبر في حل الأزمات القائمة في الشرق الأوسط، وفي التسوية مع الفلسطينيين مستقبلاً.
وكان نتنياهو قد وصل إلى موسكو برفقة عدد من وزرائه، أبرزهم زئيف ألكين وأوري أرييل. واجتمع نتنياهو ببوتين للمرة الرابعة خلال عام، وللمرة الثانية خلال أقل من شهرين.
وأشار ديوان نتنياهو إلى أنه ينوي أن يبحث مع بوتين تنفيذ التفاهمات التي تم التوصل إليها في الزيارة السابقة، والمتصلة بتعزيز التنسيق بين الجيش الإسرائيلي والقوات الروسية في سوريا بغرض منع صدامات غير مرغوب فيها. كما سيبحث في محاولات استئناف وقف إطلاق النار في سوريا وإنهاء الحرب هناك، وأيضاً في العملية السياسية مع الفلسطينيين، والتعاون بين روسيا وإسرائيل في المجالين التجاري والاقتصادي وتعزيز العلاقات الثقافية.
وقد وقع وزير شؤون الهجرة زئيف ألكين مع وزير الاقتصاد الروسي على اتفاقية تعويضات التقاعد، والتي تهم مئات ألوف «المهاجرين» اليهود من روسيا، الذين تركوا الاتحاد السوفياتي قبيل انهياره، ولم ينالوا مستحقاتهم. ويعتقد أن هذا الاتفاق يطال بشكل شخصي يهوداً يستوطنون في إسرائيل، يتراوح عددهم بين 30 ألفا إلى مئة ألف ممن هاجروا من روسيا، في الفترة ما بين العامين 1970 و1992. وينال كل واحد من هؤلاء مبلغاً متواضعاً بقيمة تتراوح ما بين 120 إلى 250 دولارا شهرياً وفقا لقوانين التقاعد الروسية وبحسب سنوات العمل التي قضوها هناك. ورغم تواضع المبلغ إلا أنه زيادة على مداخيل هؤلاء «المهاجرين» تساعدهم على مواجهة متطلبات الحياة. ويعتبر إبرام هذا الاتفاق والتوقيع عليه نوعاً من بادرة حسن نية من جانب روسيا تجاه إسرائيل، لكنه على الصعيد الداخلي يمثل إنجازاً لنتنياهو في مواجهة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان لكسب تأييد «المهاجرين» الروس.
كما وقع وزير الزراعة أوري أرييل مع نظيره الروسي على اتفاقيات تعاون في المجال الزراعي بين الدولتين. وفي العامين الأخيرين وطدت إسرائيل تعاونها وصادراتها إلى روسيا في مجالات الألبان ومزارع الأبقار الحديثة.
وقال بوتين، خلال مؤتمر صحافي مع نتنياهو، «تحدثنا عن ضرورة مواجهة الإرهاب عبر جهود مشتركة. وإسرائيل تعرف معنى ذلك حق المعرفة، وتكافح الإرهاب، ونحن حليفان في ذلك بلا شك، ويراكم بلدانا خبرة كبيرة في مجال مكافحة التطرف. ونحن سنعزز الاتصالات مع الشركاء الإسرائيليين في هذا المجال».
وأوضح أن روسيا تولي أهمية كبيرة للعلاقات مع إسرائيل، «ليس فقط لأنها واحدة من الدول الرئيسية في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً انطلاقا من العلاقات التاريخية بين الدولتين». وأعرب عن قناعته في أن زيارة نتنياهو إلى روسيا ستكون مثمرة وتخدم مصلحة تعزيز العلاقات بين الدولتين في وقت لاحق.
وأكد بوتين استعداد روسيا للإسهام بقسطها في إيجاد تسوية عادلة وشاملة للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، موضحاً أن محادثاته مع نتنياهو تناولت قضايا دولية مختلفة، و «ناقشنا الأوضاع المعقدة الحالية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الوضع في سوريا». ورحب بالتقارب بين تركيا واسرائيل.
من جانبه، أعلن نتنياهو دعمه لتطوير العلاقات بين روسيا وإسرائيل، وتوجه لبوتين بالقول «إن هذه الزيارة خاصة، حيث نحتفل في إطارها بالذكرى الـ25 لاستئناف العلاقات الديبلوماسية بين دولتينا، وسنبحث معكم كيفية تعزيز وتطوير هذه الصلات على مدى السنوات الـ25 اللاحقة».
وأضاف «لقد بحثنا استمرار التواصل بين عسكريي الدولتين في المنطقة. التواصل المستمر، الذي تقرر أولاً لتجنب أي حادث، وتأمين نجاح محاربة العدو المشترك المتمثل بالإرهاب الدولي».
وأشار نتنياهو إلى أنه تم التوقيع على «العديد من الاتفاقيات المهمة في مجالات الطاقة، والزراعة، والمعاشات التقاعدية، والحفاظ على الحقوق الاجتماعية والتسوية الجمركية»، مشدداً على أنه لا يوجد قيود تشريعية تحول دون مشاركة الشركات الروسية في تطوير حقول الغاز الإسرائيلية.
وتستمر زيارة نتنياهو لروسيا ثلاثة أيام، يجتمع في نهايتها مع عشرات من أعضاء الجالية اليهودية هناك. ومن المقرر أن يزور نتنياهو اليوم متحف المدرعات الروسي في موسكو، حيث توجد الدبابة الإسرائيلية التي غنمها الجيش السوري في حرب لبنان العام 1982 أثناء معركة السلطان يعقوب الشهيرة. ومعروف أن روسيا أبلغت إسرائيل أنها سوف تعيد هذه الدبابة إلى تل أبيب خلال الشهور القليلة المقبلة، بعد أن طلب نتنياهو منه ذلك «لأسباب إنسانية». ويعود نتنياهو مساء اليوم إلى إسرائيل.
وكانت صحيفة «معاريف» قد كشفت قبل أيام النقاب عن أن نتنياهو، وعلى خلفية معارضته للمبادرة الفرنسية، ينوي حث بوتين على المشاركة بفعالية أكبر في تعزيز المبادرات الإقليمية. ونقلت الصحيفة حينها عن مصدر ديبلوماسي قوله إن «هناك إمكانية لان يرغب نتنياهو وبوتين في أن يطرحا خطوة مضادة لمبادرة المؤتمر الدولي الفرنسي».
وتناقضت الآراء في إسرائيل بشأن العلاقة المستجدة بين نتنياهو وبوتين وأثرها المستقبلي. فقد أشارت صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة من نتنياهو، إلى أن للعلاقة مع روسيا أهمية فائقة. وكتب أرييل بولشتاين أن الاحتفالات بمرور 25 عاماً على استئناف العلاقات تشهد على أن «شبكة العلاقات بين تل أبيب وموسكو في حالة ازدهار غير مسبوقة».
وبعد تعداد المكاسب الاقتصادية لهذه العلاقات، أشار إلى أن «روسيا تعتبر من القوى العظمى المؤثرة في العالم، لذلك فإن الاحترام والتقدير المتبادل بين الدولتين هو ذخر استراتيجي حقيقي بالنسبة لنا. وليس الحديث هنا عن سياسة راقية فقط، بل عن جوانب اجتماعية واقتصادية فورية ستؤثر على سكان إسرائيل. الأموال التي سيتم ضخها لإسرائيل، والتي هي حقوق تقاعدية، ستزيد من مصروفات مهاجري الاتحاد السوفياتي وتدعم الاقتصاد التجاري. السياح من روسيا سيزداد عددهم، الأمر الذي سيخلق أماكن عمل في إسرائيل. اتفاقات اقتصادية جديدة ستمنح المزارع الإسرائيلي أسواقا جديدة».
وأشار الكاتب أيضاً إلى إعلان روسي حول الامتناع عن تصدير صواريخ «اسكندر» التي طلبتها عدة دول عربية، معتبراً ذلك من انجازات الزيارة.
لكن صحفاً أخرى أشارت إلى ما تعتبره «تحالفا» جديدا بين نتنياهو وروسيا، مشككة بجدواه. وكتبت دانا سومبرغ، في «معاريف»، نقلاً عن مصدر سياسي رفيع المستوى قوله «باحتمال أن يحاول نتنياهو ربط الرئيس الروسي بوتين في صالح مسيرة سياسية توجد على جدول الأعمال». وتساءلت «هل مثل هذا السيناريو ممكن حقا؟». ولم تجب هي بل أعطت حق الإجابة للسفير الإسرائيلي السابق في موسكو تسفي ماغين الذي قال «لن أتفاجأ إذا ما طرح اقتراح كهذا في اللقاء. فلا يدور الحديث هنا عن قصة حب بين نتنياهو وبوتين، بل عن مصالح مشتركة. كما توجد تلميحات عديدة عن ذلك، فضلاً عن رسائل نتنياهو. كما توجد أيضاً حقيقة أنه قبل بضعة أيام من لقاء نتنياهو وبوتين في نيسان، وصل (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن إلى روسيا. بوتين لم يبعث مندوبا له إلى مؤتمر باريس، وهذا أيضا يقول الكثير. روسيا تريد أن تكون لاعبا إقليميا مؤثرا».
لكن الكاتبة تخلص إلى التشكيك في ذلك رغم إيمان البعض بأن روسيا تسعى لملء فراغ تركته أميركا وترغب في أن تصنف كوسيط.
كما أن المراسل السياسي لـ «هآرتس» باراك رابيد أوضح أن زيارة نتنياهو لموسكو تظهر أن العلاقات بين الدولتين جيدة، لكن هذه علاقة محدودة الضمان في نظره. وأشار إلى أنه «إذا كانت هناك مسألة سياسية أمنية يستحق فيها نتنياهو تسجيل نقاط كثيرة لحسابه فهي سياسته المدروسة والمتزنة تجاه الأزمة في سوريا. وسلوكه مع روسيا في الشهور الأخيرة، بعد أن أرسلت قواتها لسوريا، خدم جيداً المصالح الأمنية الإسرائيلية، وهو مسؤول عن الهدوء النسبي على الجبهة الشمالية. ولكن مقابل نصف الكأس الملآن هذا هناك نصف الكأس الفارغ. فعلى أرضية تحسين العلاقات يبرز سوء التعامل الروسي في الحلبتين السياسية والأمنية ضد إسرائيل. بوتين يغدق المديح على نتنياهو، ويفرش له البساط الأحمر ويعيد له دبابة إسرائيلية من المتحف، ولكن في القضايا المركزية يتخذ خطوات تضر بشكل خطير بمصالح إسرائيلية حيوية». وعدّد تزويد روسيا بمنظومات «أس 300» متطورة لإيران، فضلا عن تزويدها بالكثير من الأسلحة، وقتال روسيا إلى جانب النظام السوري و «حزب الله» في سوريا والتصويت ضد إسرائيل في محافل كثيرة وتأييدهم للفلسطينيين في المؤسسات الدولية. وإسرائيل لا تجرؤ على انتقاد روسيا علناً في أي من هذه المسائل خلافاً لما تفعله مع فرنسا أو حتى مع أميركا.
(السفير)