مسيرة مسيرة ولا سلام.. التشخيص صحيح والعلاج فاشل: ناحوم برنياع
دنيس روس، 68 سنة، تولى مناصب مركزية في طاقم السلام الامريكي منذ اتفاق اوسلو؛ ديفيد مكوفسكي، 56 سنة، كان عضوا كبيرا في طاقم السلام الامريكي في اثناء مبادرة كيري. كلاهما وقعا على نحو مشترك على مقال طويل نشر في واشنطن في نهاية ايار. وكان المقال كتب ردا على فشل المفاوضات بين نتنياهو وهرتسوغ. ويبكي الرجلان فيه مريرا سلوك نواب المعسكر الصهيوني الذين رفضوا الانضمام الى الائتلاف. وكتبا يقولان: “على ما يبدو ان قول لا لنتنياهو أهم لهم من تحطيم الجمود مع الفلسطينيين وتحييد الحركة الدولية لنزع الشرعية عن اسرائيل”.
المقال جدير بالاشارة لعدة اسباب: أولا، لان للرجلين عشرات السنين من المعرفة القريبة لكل اللاعبين في القصة المتواصلة هذه في الشرق الاوسط، في الولايات المتحدة وفي اوروبا؛ ثانيا، لرأيهما تأثير على اصحاب القرار؛ ثالثا، مايك هرتسوغ، شقيق بوجي، يعمل في هذه اللحظة في ذات معهد البحث في واشنطن حيث يعمل الرجلان ويحاول ان يدفع الى الامام باخيه من خلالهما؛ ورابعا، لانهما يكتبان بدم قلبيهما. اسرائيل هامة لهما.
وهما مخطئان. ليس مجرد مخطئين: حالتهما هي الحالة الكلاسيكية التي يكون فيها الاطباء خبراء، التشخيص صحيح والعلاج المقترح فاشل. هم يقترحون كاسات ريح لمريض بمرض عضال.
“مجال المناورة لدى نتنياهو في الساحة الدولية تقلص بشكل دراماتيكي منذ انهيار المحادثات بينه وبين هرتسوغ”، يكتبان. “بين 2009 و 2015، حين كان نتنياهو يقف على راس ائتلاف من احزاب اليمين واليسار، كان له مجال سياسي عرف كيف يناور فيه. ليس لديه مجال اليوم. وبلا مثل هذا المجال لا يمكنه أن يصل الى سياسة تصرف تنسجم مع رغبته في الوصول الى دولتين. سيتعين على حكومة اسرائيل أن ترفض كل مبادرة دولية لحل النزاع″.
وهذا حصل، كما يشكو الرجلان، بالضبط عندما تبدي محافل في المنطقة – مصر السيسي مثلا – الاستعداد لاعطاء فرصة لمبادرة اسرائيلية تمنع حلا مفروضا. السيسي المسكين: فهو بصعوبة يصمد في القاهرة، ولكنه متفرغ لدفع السلام في اسرائيل الى الامام: شيشي أرض الشارون، درجنا على الغناء في طفولتنا، سيسي أرض السلام.
يتحدث تشخيص روس ومكوفسكي عن عدة تطورات، تخيف بتقديرهما نتنياهو: ادارة اوباما كفيلة بان تسحب الفيتو الذي تستخدمه على حل دولي، فيعقد الفرنسيون مؤتمرا ثانيا في باريس، ومع نهاية السنة يتخذ قرار في مجلس الامن يفرض خطوط التسوية.
ما الضير في هذا؟ برأيهما لاربعة اسباب: المطالبات من اسرائيل ستكون محددة، ومن الفلسطينيين غامضة؛ روسيا واعضاء آخرون في مجلس الامن سيؤيدون كل مطلب فلسطيني؛ وسيقنع النجاح الفلسطينيين بتصليب المواقف، وحكومة اليمين في اسرائيل ستتمترتس في مواقفها. اما الادارة الامريكية التالية فستعلق مع سياسة لا يمكن تطبيقها.
حتى هنا التشخيص. حلهما هو استئناف المسيرة. ومن اجل الوصول الى ذلك، يكتبان “على نتنياهو أن يسير من فوق رؤوس السياسيين في الداخل ويوضح للجمهور في اسرائيل ما الذي يوجد قيد القرار”. ان محاولة الوصول الى تفاهم سري مع هرتسوغ حول المستوطنات فشلت، يكتبان. واذا كان نتنياهو يريد أن يمنع تدويل النزاع فانه ملزم بان يعلن على الملأ بانه يوقف البناء خلف جدار الفصل.
وبالفعل، بيان علني عن تجميد البناء سيحدث أزمة في الائتلاف: نتنياهو يمكنه ان يبتلع تهديدات البيت اليهودي بالانسحاب؛ ولكنه سيجد صعوبة في أن يصمد أمام تهديدات اليمين الراديكالي في الليكود. فهو ليس ارئيل شارون، ولكن هذه صغائر مقارنة مع السؤال الكبير الذي يحوم فوق النزاع. ما المعنى من مسيرة سلام حين يعرف الجميع بانه لا سلام في نهايتها. هذه مسيرة الى اللامكان.
المسيرة هي ذريعة رائعة: فهي تسمح لدنيس روس ولبعض من زملائه دحر فشلهم التاريخي؛ وهي تسمح لجون كيري بان يشعر بانه كاد يلمس جائزة نوبل؛ وهي تسمح لبنيامين نتنياهو بان يطور المسيرة بصفتها غاية بحد ذاتها، وليس أداة لتحقيق حل بل كبديل للحل؛ وهي تسمح لقادة حزب العمل بشق طريقهم الى الحكومة التي سيكونون فيها ذيلها المهين، ورقة تين تفصل بين الحكومة ومنتقديها في العالم.
لا يوجد في هذه اللحظة سلام؛ ولا توجد حتى مسيرة. في ضوء هذا الواقع ، السؤال هو ما الذي تكون اسرائيل مستعدة لان تفعله على الارض، من طرف واحد، الان، لصد تحولها الى دولة ثنائية القومية، دولة ابرتهايد. هذا هو السؤال الذي يتعين على هرتسوغ ان يطرحه على نتنياهو، وهذا هو السؤال التي سيطرحه العالم في نهاية المطاف على اسرائيل.
يديعوت