النسبية … من يبادر ؟
غالب قنديل
الخلاصة التي تجمع عليها جهات ومرجعيات سياسية عديدة يتقدمها الرئيس نبيه بري منذ إنجاز الانتخابات البلدية هي استحالة مرور تمديد جديد للمجلس النيابي ولفت الانتباه ما اعتبره رئيس المجلس بحق إنذارا شاملا للكتل الرئيسية في السلطة بأن ملامح الغضب الشعبي شرعت تظهر في شكل تمرد سياسي قابل للتصاعد من حيث وتيرته وامتداده ما لم تحترم الإرادة الشعبية بإجراء الانتخابات على أساس النسبية التي توفر أفضل شروط العدالة في التمثيل.
لكن اعتماد النظام النسبي ما زال يواجه صدا ورفضا ومحاولات التفاف مفضوحة للتهرب من تبعات ظهور الأحجام التمثيلية الفعلية للعديد من القوى والزعامات التي فصلت على قياسها الدوائر في ظل النظام الانتخابي الأكثري.
النسبية هي الطريق للإتيان بمجلس نيابي يكرس خريطة سياسية واقعية تتناسب واتجاهات الرأي العام اللبناني كما هو وهذا المجلس لو قيض له ان يظهر سيكون الميدان الأكثر صدقية في التعامل مع المشكلات والتحديات اللبنانية الكثيرة والأقرب إلى الواقع في رسم الخيارات اللبنانية بحيث تسمع جميع الأصوات تحت قبة البرلمان بدلا من انفجار النقمة في الشارع سياسية كانت ام اجتماعية وفي الحصيلة إن توازنات المجلس المنتخب على الأساس النسبي سوف تتيح بلورة طريق الإصلاح الدستوري والسياسي والاقتصادي والإداري الذي يناسب تطلعات الغالبية الفعلية من اللبنانيين .
بالنسبية سوف تظهر الأحجام الفعلية لممثلي القوى السياسية الحاضرة والمسيطرة في المشهد النيابي والسياسي الحالي لكنها ستكون إلى جانب منافسيها في قلب الطوائف نفسها وهذا بذاته سيوفر تعددية سياسية عابرة للطوائف بكل وضوح عبر تلاقي النظائر كما يسمح بتبلور تحالفات سياسية وطنية على أساس البرامج والمشاريع والخيارات .
بالنسبية سيحضر في البرلمان ممثلو المصالح المالية الاحتكارية دون شك لكن سيحضر أيضا ممثلو الاتجاهات الإصلاحية الذي يعملون لتقييد التوحش الرأسمالي الذي يحكم لبنان منذ التسعينيات وعلى الأرجح ستطور الولايات المتحدة ودول الغرب من منسوب دعمها للواجهات السياسية الجديدة التي تدعمها في مقابل القوى السياسية التقليدية عبر شخصيات وجمعيات غير حكومية تحت يافطة المجتمع المدني والتي يعتبرها الغرب لاعبا احتياطيا في ظل مأزق القيادات التقليدية للنظام القائم .
هذ التكوين المرجح بكل مافيه سيطلق منافسة كبيرة وذات محتوى حول مختلف قضايا الشأن العام سيكون من الصعوبة بمكان أخذها نحو استثارة العصبيات الطائفية والمذهبية التي يسعى التلقيد اللبناني تاريخيا للاحتماء بها كلما هبت دعوات الإصلاح والتغيير السياسي والاجتماعي.
النسبية هي اليوم المفتاح الفعلي لمنع انفجار الاحتقان في الشارع من جديد وهو ما ينطوي على مخاطر شتى لاسيما في ظل التهديد الإرهابي الناشيء عن نشاط قوى التوحش التكفيري في المنطقة وفي اكثر من منطقة لبنانية .
ما توحي به نقاشات اللجان النيابية يعكس استمرار وجود ممانعة صلبة لاعتماد النسبية واستمرار السعي لتفريغها من محتواها وينبغي لقطع الطريق على محاولات منع النسبية وإجهاضها فضلاعن فرض إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ومنع التمديد المبادرة إلى خطوتين حاسمتين :
اولا تشكيل جبهة سياسية من القوى والأحزاب والشخصيات الداعمة لاعتماد النظام النسبي والسعي لتوسيع دائرة الاستقطاب السياسي والاجتماعي لصالح هذا الخيار بحملة إعلامية نشطة وواسعة.
ثانيا على هذه الجبهة وضع خطة لتحركات شعبية تنطلق مباشرة وترسم روزنامة متسارعة غايتها التاريخ الدستوري لإجراء الانتخابات النيابية بحيث يجري الحؤول عبر الضغط الشعبي دون العودة إلى التمديد ودون الالتفاف على اعتماد النمسبية الكاملة في قانون الانتخابات .
هذا هو المفتاح الذي يضع لبنان في طريق التقدم والتطور ويحدث التغيير الحضاري المنشود في الحياة السياسية ودونه خطر اضطراب وانفجار مقيم وعالي الكلفة على الجميع فمن يبادر؟.