خلطة انفجار سعودي: العرش + النفط + أميركا خليل حرب
السعودية تجازف بمواجهة «ثورة»، يقول «معهد واشنطن»، لها مقدماتها الشبيهة بتلك التي عاشتها مصر في ما قبل انفجار الانتفاضة الشعبية ضد حسني مبارك.
محمد بن سلمان يكاد يتماثل مع جمال مبارك. يسير على دربه ويحتكر السيطرة على مقدرات المملكة، في السياسة، في ادارة شؤون والده الملك، في الحرب «الإسلامية» على الارهاب، في الاقتصاد، وفي القبض على «ارامكو»، وعلى المستقبل من خلال «رؤية السعودية 2030». سبقه جمال مبارك في العديد من الخطوات الشبيهة، لكن ابن الرئيس المصري المخلوع، لم يبسط هيمنة على المؤسسة العسكرية الواسعة النفوذ في مصر. محمد بن سلمان فعلها وتولى وزارة الدفاع واعلن الحرب على اليمنيين.
ساهم تغلغل جمال مبارك في خلق الاجواء الممهدة شعبيا للانتفاضة، وربما كانت شرارتها. التململ في السعودية يسمع همسا وصراخا. اسقط محمد بن سلمان بالمظلة فوق الجميع. لكن المعضلة الأساسية ان هذا الهبوط الجوي ممكن، لكن النجاة بعده، ليست مضمونة.
السعودية التي سبق لها ان اعلنت صراحة ان اسعار النفط المنخفضة تلائم مصالحها، بدأت الآن تتألم. هكذا تشير ارقام الاقتصاد السعودي. كان الرهان السعودي كما كاد يجمع المحللون، على ان ايران وروسيا تحديدا، ستتألمان اولا. وبكلام اكثر دقة، كان الرهان على النفس السعودي الطويل.
السعودية التي قادت وساهمت في مسار انحدار اسعار برميل النفط منذ العام 2015، دفعت العديد من المحللين الى الحديث عن مخطط سعودي لضرب النهضة الاقتصادية لايران المزهوة باتفاقها النووي مع الغرب، والضغط على موسكو التي تنتهج سياسات اقليمية لا تراها الرياض مؤاتية لها، خصوصا في سوريا والعراق وايران.
الان، لمحمد بن سلمان رهان على المس بأصول «ارامكو» لتوفير السيولة للخزينة السعودية المهتزة بقوة. المملكة تقترض من مصارف، والمملكة تفقد الكثير من احتياطاتها المالية، والمملكة تنفق اموالا طائلة للدفاع عن سياساتها الاقليمية: في مصر، في سوريا، في اليمن وغيرها.
ولهذا فان اجتماع «اوبك» اليوم في فيينا يحمل الكثير من الدلالات الحرجة. اقتراح تجميد الانتاج الذي جرى التفاهم عليه في اجتماع الدوحة الشهير في نيسان الماضي، لم تكتب له الحياة. التجميد يمس المصالح الايرانية في الصميم. ايران العائدة الى السوق النفطي بعد طول غياب، تريد استعادة حصتها التي كانت قائمة في السوق العالمي، قبل بدء فرض العقوبات الدولية عليها. السعودية كانت تراهن على قطع الطريق عليها، ولم تنجح. ظنت الرياض ان طهران موجوعة من انخفاض اسعار النفط المزمن منذ سنة تقريبا، وستقبل الان بتجميد انتاجها على امل ان ترتفع الاسعار عالميا فتحسن مداخيلها المالية التي هي بأمس الحاجة اليها. طهران رفضت.
عض الاصابع قائم. يتوقع المراقبون ان اقصى ما سيذهب اليه اجتماع فيينا اليوم، التفاهم على استقرار اسواق النفط. خيار التجميد يبدو مستبعدا، اذ ان ايران تريد الوصول اولا الى عتبة اربعة ملايين برميل يوميا، في حين انها الان عند مستوى 3.5 مليون برميل يوميا. السعودية في المقابل، رفعت انتاجها إلى 10.25 مليون برميل يومياً مقارنة بـ 10.15 مليون برميل يومياً في نيسان الماضي.
تقول طهران صراحة: «من غير المنطقي مطالبة إيران بتجميد إنتاجها.. أثناء فرض العقوبات على إيران، زادت بعض الدول من إنتاجها بشكل تسبب في خفض أسعار النفط. كيف يتوقعون من إيران أن تتعاون الآن وتدفع الثمن؟».
ولهذا، من المتوقع حتى الان الا تتحسن اسعار النفط عالميا علما بانها تراوح حاليا عند 50 دولارا للبرميل بعدما كانت قد تجاوزت قبل عام عتبة الـ110 دولارات.
ولهذا، تسير ايران والسعودية كل في طريق. معجزة ديبلوماسية قد تنقذ اجتماع «اوبك» اليوم، وتصنع تفاهما حول التجميد، وبخلاف ذلك، سيظل السؤال المركزي: من اين ستوفر المملكة السيولة النقدية لـ «رؤية 2030»؟.
في تقرير «بلومبرغ» (النص في هذه الصفحة)، تطرح هذه الفكرة الدقيقة: ان انهيار اسعار النفط عمق القلق بان المملكة السعودية ستكون بحاجة الى تسييل سندات الخزينة (التي تملكها منذ 40 سنة في السوق الاميركي)، لتوفر لنفسها الاموال اللازمة، وهو مبعث قلق اضافي (بالنسبة الى الولايات المتحدة) في ان المملكة قد تستغل ثقلها الكبير في سوق المديونية الاكبر في العالم، كسلاح سياسي، تماما كما فعلت في سبعينيات القرن الماضي.
كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير هدد مؤخرا بان سماح الكونغرس الاميركي بفتح تحقيق يطال السعودية في قضية هجمات 11 ايلول الارهابية، وملاحقتها قضائيا، قد يدفع المملكة الى البدء ببيع سندات الخزينة التي تملكها بقيمة 750 مليار دولار بالاضافة الى غيرها من الممتلكات في الولايات المتحدة.
وباختصار، هذه هي المعادلة القائمة: جموح نحو العرش، معطيات اقتصادية غير مطمئنة، اسعار نفط غير مبشرة، مساس بـ «ارامكو»، قلق على المستوى الشعبي، هلع سعودي على وسائل التواصل الاجتماعي، اعدامات جماعية، انتشار ثقافة التكفير، كبح لجماح المؤسسة الدينية المتشددة، حرب خارجية مكلفة، سياسات اقليمية مبذرة، ومواجهات بالوكالة مع الجار الايراني، وفتور خطير مع الحليف التاريخي.
من كان يبحث عن انفجار، لن يجد اكثر من هذه العناصر، فتكا.
(السفير)