نتنياهو والمبادرة العربية: براك ربيد
في تموز 2009 وصل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى الاستقبال الاحتفالي بمناسبة يوم الاستقلال الـ 57 لمصر في منزل السفير في هرتسليا. كانت تلك ايام الضغط الأمريكي والدولي المتزايد على اسرائيل من اجل السير في حل الدولتين وتجميد البناء في المستوطنات. نتنياهو، الذي ألقى قبل ذلك باسابيع خطاب بار ايلان وأعرب فيه للمرة الاولى عن موافقته على حل الدولتين لشعبين، توجه اثناء الاحتفال للعالم العربي. كانت اقواله عامة وضعيفة وغير ملزمة، لكنها تطرقت بشكل ايجابي ولاول مرة من قبله، إلى مبادرة السلام العربية من 2002. هذه المبادرة تقول إنه إذا وقعت اسرائيل على اتفاق السلام مع الفلسطينيين استنادا إلى اقامة دولة فلسطينية بناء على خطوط 1967 مع تبادل للاراضي وأن تكون عاصمتها شرقي القدس، فان جميع الدول العربية ستقوم بتطبيع علاقاتها مع اسرائيل.
«إن جهود الدول العربية لدفع مبادرة سلام، تستحق التقدير العميق»، قال نتنياهو في حينه، «روح هذه المبادرات تعكس التغيير الهام التي تختلف عن روح قمة الخرطوم قبل اربعة عقود. واذا كانت هذه الاقتراحات ليست نهائية فأنا اؤمن أن هذه الروح ستساعد على انشاء اجواء تسمح بوجود السلام الشامل».
في السنوات السبعة الماضية تطرق نتنياهو كثيرا إلى مبادرة السلام العربية. على سبيل المثال في خطاب له في الكنيست في حزيران 2013 قال «تم ذكر المبادرة العربية. نحن نستمع لكل مبادرة ومستعدون لنقاش المبادرات التي هي اقتراحات وليست املاءات… هذه الاقوال قيلت بشكل علني وهي تُقال ايضا بشكل غير علني في القنوات الدبلوماسية». تطرق آخر كان في نقاش مع المراسلين السياسيين في أيار 2015 حيث قال: «توجد في مبادرة السلام العربية امور ايجابية وامور سلبية فات أوانها، مثل مطالبة اسرائيل باعادة الجولان أو موضوع اللاجئين.
هذه المبادرة تم طرحها قبل 13 سنة، ومنذئذ تغيرت امور كثيرة في الشرق الاوسط، لكن الفكرة العامة في محاولة التوصل إلى تفاهمات مع دول هامة في الوطن العربي، هي فكرة جيدة».
أول أمس ايضا، بعد أداء ليبرمان اليمين القانونية بدقائق، ألقى نتنياهو خطابا قام فيه بالعودة الابداعية والنشيطة على ما قاله في السابق دون وجود أي شيء جديد تحت الشمس. «مبادرة السلام العربية تشمل عوامل ايجابية يمكنها المساعدة على ترميم المفاوضات مع الفلسطينيين». وصرح ايضا «نحن على استعداد لاجراء المفاوضات مع دول عربية حول تعديل المبادرة كي تعكس التغيرات الدراماتيكية التي حدثت في المنطقة منذ 2002 مع الحفاظ على الهدف المتفق عليه وهو دولتين لشعبين».
لماذا قال نتنياهو ذلك مرة اخرى، لا سيما بعد تولي ليبرمان وزارة الدفاع؟ هناك اسباب كثيرة لذلك والقاسم المشترك بينها هو الضغط على اسرائيل في الموضوع الفلسطيني في الاشهر القريبة، الامر الذي يخشى منه نتنياهو. في يوم الجمعة القادم سيجتمع في باريس 29 وزيرا للخارجية، منهم وزراء الولايات المتحدة وروسيا، لمناقشة الجمود بين اسرائيل والفلسطينيين ودفع مبادرة السلام الفرنسية إلى الامام. وبعد ذلك ببضعة ايام سيتم نشر تقرير الرباعية الذي تشرف على صياغته الولايات المتحدة. التقرير سيوجه انتقادات شديدة لاسرائيل وسيقول إن سياستها في الضفة الغربية ولا سيما توسيع المستوطنات، تهدد بالقضاء على حل الدولتين. ويمكن اضافة السيناريو الذي يخشى منه نتنياهو وهو أنه بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني، سيبادر الرئيس براك اوباما، الذي سيكون محررا من القيود السياسية، إلى اتخاذ قرار في الموضوع الاسرائيلي الفلسطيني في مجلس الأمن التابع للامم المتحدة، أو أن يمتنع عن استخدام الفيتو ضد قرار مشابه تقترحه دولة اخرى.
يحاول نتنياهو افشال كل هذه الخطوات من خلال خطوة بديلة أمام عدد من الدول العربية وعلى رأسها مصر. قبل اسبوعين كانت هذه الخطوة الاقليمية هي المحفز لانضمام اسحق هرتسوغ والمعسكر الصهيوني إلى الحكومة. وكان المطلوب من نتنياهو هو اصدار تصريح ايجابي حول مبادرة السلام العربية وتشكيل حكومة معتدلة أكثر والقيام بخطوات مثل تجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية والقيام بخطوات حسن نية حقيقية للفلسطينيين. رئيس الحكومة البريطانية السابق، طوني بلير، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هما المبادران لهذه الخطوة. إلا أن نتنياهو تملص في اللحظة الاخيرة وغير الاتجاه وفضل ضم ليبرمان إلى الحكومة. وقد حاول نتنياهو مؤخرا اقناع الرئيس المصري بأن استبدال هرتسوغ بليبرمان لا يعني تراجعه عن التزامه. وتصريح أول أمس كان جزءً من تلك المحاولة.
في كل مرة منذ تموز 2009 وحتى حزيران 2016 تغيرت النغمة قليلا. وأضيف شيء معين وتم محو كلمة واضافة كلمة اخرى. ولكن شيئا لم يتغير في الجوهر. طوني بلير قال قبل بضعة ايام إنه إذا قام نتنياهو بالتصريح بأن مبادرة السلام العربية ستكون الاساس للمفاوضات مع الفلسطينيين واذا نفذ اجراءات ميدانية، فان الدول العربية ستقوم بخطوات تطبيع تجاه اسرائيل من اجل زيادة الثقة في عملية السلام. اقتربت تصريحات نتنياهو أكثر من السابق إلى المستوى الذي وضعه بلير، لكنها لا زالت بعيدة عنه. تعاطي نتنياهو مع مبادرة السلام العربية كان وما زال مثل تعاطيه مع الحياة نفسها. فهو يحب الأخذ والربح، ويحب أقل الدفع والاعطاء. الجوانب الايجابية بالنسبة له هي السلام والاعتراف باسرائيل من قبل الدول العربية. والجوانب السلبية هي الحاجة إلى عمل شيء ودفع ثمن سياسي من اجل حدوث ذلك.
اقوال نتنياهو وليبرمان الجميلة لن تكفي الادارة الأمريكية والدول الاوروبية أو الرئيس المصري. فهي لن تكبح المبادرة الفرنسية ولن تُلين تقرير الرباعية ولن تؤدي إلى صورة مشتركة لرئيس الحكومة مع أي زعيم عربي. وسبب ذلك هو أن جون كيري وفدريكا موغريني والسيسي لا يثقون بأقوال نتنياهو عن السلام. إنهم يريدون رؤية الافعال، ونتنياهو لا يسارع إلى تنفيذ ذلك.
اضافة إلى الموضوع السياسي، سيكون من الصعب الهرب من السخرية السياسية التي تحيط باقوال نتنياهو وليبرمان. الحكومة الموسعة التي جميعها من اليمين أدت اليمين القانونية منذ وقت قصير. وعلى الفور اصدر اعضاءها تصريحات بطعم مواقف اليسار. ولحسن حظ نتنياهو، اليمين الاسرائيلي ايضا لا يثق به. لو قال كل من تسيبي لفني واسحق هرتسوغ ويئير لبيد أقوال كهذه، لكان اليمين اعتبرهم خونة سيحضرون داعش إلى القدس. ولكن عندما يقول نتنياهو ذلك يكون الرد غير مبالي ويتم هز الاكتاف.
هآرتس