بقلم غالب قنديل

العرب وإيران ومستقبل المنطقة

غالب قنديل

ربما أفلحت حملات الكراهية المنظمة في تشويه صورة إيران أمام شرائح من الرأي العام العربي جرى حقنها بالأحقاد المذهبية والعرقية ولكن حقائق الجغرافية والتاريخ تبدو أعمق وأصلب من الرغبات والعواطف والتمنيات ومن محاولات الشيطنة فالحقائق لا تلبث ان تظهر وتزيح الغشاوات عن العيون.

أبسط الحقائق وأشدها وضوحا ان الغرب الاستعماري استعمل حكومات عربية وثروات عربية وجيوشا عربية في محاصرة إيران العاصية على المشيئة الاستعمارية والمناهضة للهيمنة الغربية الصهيونية في المنطقة وعندما قرر ذاك الغرب بقيادة الولايات المتحدة ان يصالح إيران قام بذلك من غير ان يحفظ ماء الوجه لمن سار في ركابه ضد إيران من الحكومات العربية التي ما زالت واشنطن تزجها في مواجهة إيران وتاخذها في طريق الشراكة والتحالف مع الكيان الصهيوني الذي تريد حمايته من نتائج سقوط الخطط الاستعمارية وفشلها .

في زمن تراجع الموارد النفطية الذي يعتقد الخبراء انه سيطول لسنوات يطرح نفسه السؤال عن تريليونات خليجية اهدرت بطلب اميركي في الحروب التي قادتها المملكة السعودية ضد إيران وعن تلك الحروب الفاشلة والمتواصلة في سورية ولبنان والعراق واليمن تحت شعار صد توسع النفوذ الإيراني الذي لم يكن سوى التعبير عن شراكات عربية إيرانية في التصدي للحلف الغربي الصهيوني ولرفض الهيمنة ومقاتلة العدوان الصهيوني ودعم المقاومة في لبنان وفلسطين .

ثمة سؤال آخر يطرح عن مفارقات المقارنة بين إيران وجاراتها في الخليج فمع انحسار الفورة النفطية والتحولات الهيكلية في سوق النفط العالمي تواجه الدول العربية الخليجية تحديات مصيرية تنطوي على المخاطر بفعل إحجامها في عقود الوفرة عن تنويع موارد الثروة حيث بددت ثروات ضخمة في حروب اميركية بالوكالة وفي بذخ استهلاكي على النقيض من إيران التي نجحت في بناء اقتصاد متوازن ذي طابع انتاجي وبنت جيشا مؤهلا من النساء والرجال لقيادة ثورة صناعية تقنية لم يكن البرنامج النووي السلمي سوى وجهها الرئيسي فحسب .

خلف الأجواء المشحونة طيلة أربعة عقود منذ الثورة الشعبية التي اطاحت بنظام الشاه حليف إسرائيل وشرطي الخليج يطرح السؤال العميق والملح عن مستقبل العلاقات العربية الإيرانية بعد التحولات التي ثبت معها تدحرج الرهانات الفاشلة على التخلص من إيران الجمهورية الإسلامية عبر دعم القوى والجماعات الساعية إلى تقويضها من الداخل بنسختيها السياسية والإرهابية او الرهان على شطب إيران من المعادلات الإقليمية بدءا بالحرب التي شنتها المملكة السعودية بواسطة نظام الرئيس صدام حسين ودامت ثماني سنوات لم توفر بشرا او حجرا في البلدين الجارين وانتهاءا بمخاضات التفاوض الغربي مع طهران وحرب الإبادة في اليمن والحروب المتواصلة في سورية والعراق بواسطة قوى التوحش التكفيري التي حشدت من جميع انحاء العالم تحت شعار التصدي لمهمة إسقاط حلفاء إيران وبالتالي إخراج إيران من الشرق العربي بالقضاء على حلفائها في محور المقاومة والاستقلال او ما أرادت القيادة السعودية تسميته بالهلال الشيعي التسمية التي اطلقها الملك الأردني وما ادراك ما دور بريطانيا في صياغة الخطاب الرجعي الذي يخدم الخطط الاستعمارية وتلقينه لمن يلزم ومع ذلك كله استمرار السعي السعودي الحثيث لشطب قضية فلسطين التي تعامل كمساحة حضور واستثمار سياسي إيرانية بامتياز من خلال دعم طهران لفصائل المقاومة على حساب القيادات السياسية السائرة في الركاب الأميركي السعودي من خلال اتفاقية اوسلو.

الانفتاح الغربي على إيران بعد سقوط الحصار والعقوبات هو الأفق القريب انطلاقا من حساب المصالح الاقتصادية الأوروبية والأميركية وستكون تلك هي الحقيقة الساطعة في الخليج الذي تفرض عليه المملكة السعودية القطيعة المتواصلة مع إيران وبينما تبدي الرياض واقعية في التعامل مع مأزقها اليمني بمعونة اميركية كويتية لترجيح التفاوض على تسوية تلوح في الأفق وسيكون ذلك المآل على الأرجح هو ما تسير إليه المملكة مقطورة بالإدارة الأميركية في الموضوعين السوري والعراقي .

لعبة التحريض المذهبي واستنفار العصبيات التي قادتها المملكة على امل محاصرة إيران وتمزيق سورية والعراق ولبنان تبدو مستهلكة وتحمل ارتدادا عكسيا يمس المملكة ودولا اخرى في الخليج كالكويت واليمن والبحرين حيث بات رديف السعار المذهبي والتطرف هو إنشاء بيئة حاضنة لقوى الإرهاب التكفيري كالقاعدة وداعش التي مهما افترضت الحكومات إمكانية استعمالها وتوظيفها يبقى خطر ارتدادها قائما ومرجحا وهو يتطلب تعاونا إقليميا بين جميع حكومات المنطقة.

إن المنطق العقلاني الذي ينسجم والمصالح الحقيقية للدول العربية هو التخلي عن نهج العداوة والاستفزاز ضد إيران الذي اجبر الغرب على التحول منه إلى البحث عن الشراكة الممكنة مع إيران التي تختزن تجربتها الاقتصادية فرصا كبيرة لاكتساب الخبرات المتصلة بالاعتماد على القدرات الذاتية وبناء القطاعات المنتجة وتنويع موارد الثروة الوطنية كما انها شريك اقتصادي وتجاري لدول المنطقة بقوة الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك والصلات الثقافية والدينية ان هذا التحدي قياسا على التجارب التاريخية سيفرض نفسه وسيملي تغيير السياسات وربما تبديل الحكام والحكومات للاعتبارين الداخلي والخارجي اللذين يفرضان الرضوخ والتكيف وبالتالي إزاحة المعرقلين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى