الانتخابات البلدية تفضح الأحزاب المأزومة.. كلير شكر
أُسدلت الستارة بالأمس على المشهد البلدي بمحطّاته الأربع، بعدما استعادت الديموقراطية شيئاً من عافيتها لتضخّ الحياة في عروق الهيئات المحلية، وإن كان أعيد انتخاب معظم المجالس البلدية التي كانت قائمة منذ ست سنوات أو حتى ثمانية عشر عاماً!
ومع إسدال ستارة الاستحقاق البلدي، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
أولاً، أثبتت هذه الانتخابات أنّ قانونها صار بالياً، بدليل تدنّي نسبة الاقتراع في المدن الكبرى مقابل ارتفاعها في القرى والبلدات الصغيرة التي شهد سوادها الأعظم معارك قاسية دفعت بالناخبين، وحتى بعض المغتربين منهم، الى المشاركة بكثافة لوضع أصواتهم في الصندوقة البلاستيكية.
وهذا يدلّ على وجوب اعتماد مكان السكن وليس مكان السجل، على جاري كل بلديات العالم، حيث تختار الناس وفق منظومة مختلفة للمنظومة العشائرية والعائلية المعتمدة في لبنان، فضلاً عن بروز الحاجة لإعادة النظر بالقانون لا سيما في ما يخصّ التقسيم الإداري للمدن الكبرى التي يُبدي فيها الناخب لا مبالاته من معاركها حتى لو صُبغت باللون السياسي، وذلك باتجاه تصغير الدوائر لا تركها بصيغتها الحالية.
ثانياً، بدت الأحزاب والتيارات السياسية كلها مأزومة، على مستوى الأداء التنظيمي بالدرجة الأولى، ولعل «التيار الوطني الحر» من أكثر التنظيمات التي عانت من التشققات الداخلية، فيما قدّمت الأرض أكثر من مؤشر على أن «تيار المستقبل» استنفد قسماً كبيراً من مخزونه الشعبي.
ولقد تبيّن مجدداً أن اللبنانيين يقدّمون الولاء إلى العائلة والجب والقبيلة على الانتماء للحزب خصوصاً أن الأحزاب لم تنجح في تقديم نماذج متقدّمة للهيئات المحلية، فغرقت بدورها في مستنقع الاعتبارات والخلافات العائلية التي بدت أقوى وأكثر تجذراً من الانتماء الحزبي والسياسي.
ثالثاً، كانت هذه الانتخابات بمثابة اختبار أولي للخارطة السياسية بعد التفاهمات الجديدة، وأبرزها «تفاهم معراب». عملياً، فرضت حسابات الانتخابات النيابية نفسها على معظم التحالفات والمعارك أو التفاهمات البلدية.
هكذا مثلاً، صارت حسابات «كبار اللاعبين» في الأقضية، مرتبطة بالخارطة النيابية، بمعنى خشية هؤلاء من شظايا الانقسامات في منطقتهم من أن ترتدّ سلباً على مواقعهم. ولهذا سعى العديد منهم إلى نسج التفاهمات المحلية كي يكون المكسب حتمياً وكي يخففوا من وطأة الخلافات داخل الصف الواحد.
ولكن الأهم من ذلك، هو تحالف الرابية ومعراب الذي أثار استفزاز بقية القوى، فالتقت في كثير من المواقع الانتخابية تحت عنوان «المصيبة بتجمع». بالنتيجة، أثبت تفاهم الثنائي المسيحي أنه لا يزال طريّ العود وبحاجة الى تنقيحه من الشوائب التي اعترته خلال هذا الاستحقاق، ولهذا يقول المعنيون إنه ثمة خلوة مشتركة ستُعقد قريباً لتقييم هذه التجربة واستخلاص العبر منها.
وإذا كان هذا التفاهم قد فشل في تعميم صورة تشابك الأيدي بين خصمَي الأمس، على كامل الخريطة البلدية، كما كان يطمح طرفاه لفرض تسونامي يطيح بأخضر البلديات ويابسها، فإن كل المتضرّرين راحوا يتجمّعون في لوائح مشتركة تحوّلت «حيطان دعم» تصدياً لـ «الثنائي».
رابعاً، صحيح أنّ نجاح العملية الانتخابية على مدى الأسابيع الأربعة، أمنياً وإدارياً ولوجستياً، بعدما أدت وزارة الداخلية دورها على أكمل وجه، أسقط ذريعة تأجيل الاستحقاق النيابي ورفع من رصيد إجراء الانتخابات في ربيع العام المقبل وفقاً للمواعيد الدستورية، غير أنّ أكثر من معنيّ يؤكد أنّ للانتخابات النيابية ظروفها وشروطها التي لا يمكن لها أن تتحقّق بمجرد إجراء الانتخابات البلدية في موعدها وفي مناخات نموذجية إلى حد كبير.
ومع ذلك، ثمّة من يقول إنّ أبرز الخلاصات غير المرئية التي يمكن الخروج بها إنجاز الاستحقاق البلدي، هو أن النظام الأكثري لا يزال الأقوى بمعزل عن العلل الكامنة في متنه. والأكيد، أن خارطة التفاهمات البلدية، لا سيما في المدن الكبرى من شأنها أن ترسم أولى معالم التفاهمات النيابية، التي من المبكر حسمها، ولكن مسارح البلديات ساهمت في اختبار بعض السيناريوهات المحتملة، خصوصاً في الساحة المسيحية.
(السفير)