ليست روسيا من يضع دستورا لسوريا ! د. فايز رشيد
ليس دفاعا عن سياسة روسيا ولا عن رئيسها بوتين ,وإنما انطلاقا من بعض معرفة بالسياسة الروسبة في عهد رئيسها الحالي, أكتب مقالتي هذه. لقد انتشرت أنباء وانفجرت كصاعقة نووية, لكثرة ما جرى ترديدها, ووفرة ما تناولته من تحليلات! وكأن كثيرين يتنتظرون ممسكا على الفيدرالية الروسية على قاعدة: ألم نقل لكم؟ الأنباء هي عن وضع روسيا دستور جديد للبلد العربي,ا لذي تتآمر دول كثيرة على تفتيته بعد العراق. نعم ,الدور القادم سيكون على مصر! فهي تمتلك ثالث أقوى الجيوش العربية. وها هو نتنياهو يعتزم زيارة اثيوبيا لحثها على بناء سد النهضة, الذي (وفقا لوزير الري المصري محمد نصر) سيحول السد العالي إلى “ترعة”, وسيحول النيل إلى “قناة مائية”. ألم يهدد وزير الحرب الجديد في الكيان ما بعد الفاشي ليبرمان بقصف السد العالي؟ .
تحدثت التسريبات الصحافية عن أن موسكو قد أوشكت على الانتهاء من صياغة دستورحديد لسوريا.علّقت عليه وسائل الإعلام ووصفته بأنه “استفراد”روسي بالشأن السوري! نظراً إلى تجاهل القادة الروس للحكومة السورية ولأطراف المعارضة.ذكروا نصّا: أن روسيا التي “احتلّت” سوريا فعلاً لا قولا، وقد انفردت بالبلد بعدما “لزّمها” الأسد لحليفتيه موسكو وطهران، فتولّت الأخيرة الضغط لإلغاء اسم العربية من الجمهورية، وتفكيك الهوية العربية وتذويبها في تعديلات دستورية, أقل ما توصف “بالحرب الدستورية” على سوريا. ذكروا : أن موسكو تولّت إلغاء خانة ديانة الرئيس من دستورها التي أوشكت على إنهائه. وأن الأسد “باع” ما بقي من سوريا، “بعد أن دمّر وقتل وخرّب”دولة بأكملها هدية للروس! الذين قاتلوا لأجله، وكذلك: قولوا إيران ما لم تقله ! من خلال الاستهزاء بها بالقول, “مرحى” للتدخل الإيراني الذي كل ما يبغيه ,هو تفكيك الهوية العربية للدولة السورية، وغير السورية ! تحدثوا عن اسقاط اسم الجلالة من قسم الرئيس، فلا يكون “أقسم بالله” بل “أقسم” فقط!.لوهلة,اعتقدتُ أن من سرُب الخبر,هو الذي أشرف بل صاغ الدستور بتكليف من بوتين شخصيا!.
ما إن انطلق الدور الروسي في سوريا , بطلب رسمي من حكومة الاخيرة, حتى علت الاصوات الناعقة عن “إمبريالية” روسيا و”اطماعها التوسعية” في المنطقة, وغير ذلك من الاتهامات الحاقدة , التي سبّحت قبلا بحمد التدخل الامريكي – الغربي بغطاء خلفي صهيوني, باعتباره “مساعدة إنسانية”, من أجل “إعلاء شأن الديموقراطية” في “البلد المنتهِك لحقوق الإنسان”,وكأن كل بلد تدخّل ويتدخّل في سوريا ,هو اعرق من ديموقراطية وعدالة “جمهورية أفلاطون” الفاضلة,وأشد حرصا على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان من سويسرا في زمننا!.
كنت أنتظر بفارغ الصبر الاتكاء على مصادر رسمية سورية وروسية قيل الكتابة عن الموضوع, وها هو الرئيس السوري بشار الأسد ينفي ما أوردته تقارير إعلامية عن دستور جديد لبلاده أعدته حليفته الروسية, وعرضته على الحكومة السورية.وقد نشرت الرئاسة السورية بيانا على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك يقول: “لم يتم عرض أي مسودة دستور على الجمهورية العربية السورية . وكلّ ما تتناقله وسائل الإعلام حول هذا الموضوع عار تماماً عن الصحة”. وأضاف البيان قائلا ” إن أي دستور جديد لسوريا مستقبلا, لن يتم تقديمه من الخارج ,بل سيكون سوريا فقط.. يتناقش فيه ويتفق عليه السوريون فيما بينهم حصرا ,ويطرح بعدها على الاستفتاء, وكل ما عدا ذلك لا قيمة ولا معنى له”.هذا وقد نفى مصدر رسمي روسي ما تناقلته بعض وسائل الإعلام, بخصوص مشروعدستورجديد للجمهورية العربية السورية أعدته موسكو.وقال المصدر لوكالة سبوتنيك: أن روسيا “لم تقدم أي مشروعدستورلسورية ,وأن ما تداولته وسائل الإعلام على أنه مشروعدستورسوري جديد مقدم من روسيا, ما هو إلا وثيقة صادرة عن مركز كارتر للدراسات في الولايات المتحدة”,لافتاً إلى أن الوثيقة المشار اليها ,هي عبارة عن ورقة قدمتها “المعارضة” وأمريكا تبنتها.وأضاف المصدر قائلا: روسيا تدفع مالها وعتادها ودمها دفاعا عن وحدة الأراضي السورية متحدية الغطرسة الأمريكية ,وأي كلام يخرج عن هذا السياق يندرج في اطار التشكيك بالدور الروسي في سوريا.
جدير ذكره :أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أكد قريبا, في تصريحات له: ان ليس لروسيا طموحات امبريالية، ولن تتعدى على سيادة مطلق بلد آخر.وقال بوتين خلال اجتماع فى “نادى فالاداي” بمنتجع سوتشى المطل على البحر الاسود: ان ” روسيا هى التى بدأت انهاء الاتحاد السوفيتى السابق . ولولا روسيا لاستمر الاتحاد السوفيتى قائما … ولا رغبة لدينا أو دافع للتعدي على سيادة أحد. ونقلت وكالة أنباء (انترفاكس) عن بوتين قوله انه ” مهما كان الذي يقولونه ، الا اننا ليس لدينا طموحات امبريالية، ولن تكون لدينا أبدا. وحذر بوتين, من انه من غير المسموح لاحد فى العالم باتخاذ قرارات أحادية. وقال إنه “يجب ان نتفق على قواعد اللعبة . ولا تستطيع أي دولة بمفردها, ان تحل جميع المشاكل الدولية ودون مساعدة من شركاء قادرين”. وبمقارنة بسيطة ومفهومة بين الوضع الروسي الحالي من جهة ,وبين أمريكا وحلفائها من جهة أخرى, يمكن القول: أن أمريكا تمتص ثروات الشعوب , وتستغل أسواقها للبضائع والمنتوجات الأمريكية. امريكا بعد زوال الاستعمار المباشر تفرض هيمنتها السياسية من خلال النافذة الاقتصادية ,على العديد من الدول المدينة للمؤسسات الاقتصادية ,التي تشرف عليها بالمعنى الفعلي عليها, كـ البنك الدولي وغيره. الشركات الاحتكارية التصنيعية العسكرية الامريكية تفرض على دول كثيرة, شراء أسلحتها بمئات المليارات من الدولارات سنويا.الدول النامية واوروبا مجال خصب للشركات الأمريكية. ومجال أرحب للقواعد العسكرية الامريكية, وأيدي مباشرة لتنفيذ الاعتداءات العسكرية الأمريكية – الغربية – الصهيونية على العديد من الدول في مختلف مناطق العالم. حجم الاموال العربية في البنوك الأمريكية تبلغ 4.3 تريليون دولار موضوعة كسندات في الخزينة الأمريكية (أي لا يمكن سحب أي مبلغ منها إلا بقرار من البيت الأبيض). العراق سيشتري سلاحا من أمريكا بقيمة 113 مليار دولار في العام 2016.الاستثمارات العربية في امريكا للعام 2015 وفقا لمؤسسة “راند” بلغ680 مليار دولار. ما جنته شركتان عملاقتان عسكريتان أمريكيتان (هاليبرتن و كيلوغ براون وروت) من الوطن العربي في عام 2014 من أرباح بلغ 214 مليار دولار!.
بينما.. ما تزال روسيا تقدم عونا تسليحيا, تصنيعيا , تعليميا, صحيا , اقتصاديا ,عسكريا وسياسيا لنهج الحرية والتحرر والانعتاق من التبعية للإمبريالية الأمريكية والغربية والصهيونية, بقروض طويلة الأجل . روسيا حاليا هي عون سياسي للدول في مواجهة غطرسة الولايات المتحدة: قارنو بين عدد القواعد العسكرية الأمريكية في الوطن العربي وبين قاعدتين روسيتين فقط في سوريا, إحداها (الثانية) جرى إنشاؤها بعد الطلب السوري من روسيا بالتدخل. ديون روسيا الخارجية للعام 2015 تبلغ 515 مليار دولار ,منها 40 مليارا على مصر.في عام 2006 وقعت روسيا وسوريا اتفاقا تم بموجبه , إلغاء 13.3 مليار دولار كديون قديمة على سوريا.يا ترى هل يمكن لبلد بمواصفات روسيا حاليا, فرض دستور على حليفه السوري؟.