الانتخابات الرئاسية الاميركية واحتمالات نشوب اضطرابات، عصيان مدني وتمرد د.منذر سليمان
صعود نمط جديد من الفاشية
منذ اعلان ودخول المرشح دونالد ترامب السباق الرئاسي الصيف الماضي تنامت نزعات العنف والثأر وتدخل القوى الأمنية، من ناحية، واقصاء “الاقليات” ومناشدة ترامب انصاره علنا استخدام العنف ضد المحتجين وتعهده لهم بتحمل رسوم الدفاع القانونية ان القي القبض عليهم. لعل الابرز في ظاهرة الفاشية الصاعدة، في حواشي المشهد الاميركي، ما يمثله ترامب من تصميم على الغاء العمل بالمادة الاولى من التعديل الدستوري التي تضمن حرية التعبير والتجمهر والاحتجاج.
تتالت احداث العنف اتساقا مع تنافره مع قادة الحزب الجمهوري، وشهد الحرم الجامعي ابرز واشد الاحتجاجات والصدامات وتدخل القوى الأمنية، حماية للفاشية الصاعدة، مما اضطر ترامب “لارجاء” احتفال كان على وشك الالتئام في حرم “جامعة الينوي،” شارك فيه “عشرات الآلاف من المحتجين.” بعض المراقبين سارع لعقد مقارنة بين ما جرى بمشهد “الربيع العربي،” من احتجاجات وصدامات واجهتها القوى الأمنية بكل وحشية. الشعب ليس غافلا على جهوزية القوى الأمنية لاطلاق الرصاص داخل “الحرم الجامعي،” وليس ادل عليه سوى مقتل عدد من طلاب جامعة “كينت” بولاية اوهايو، عام 1971.
من المفيد الاشارة انه اينما حل ترامب اضحى مركز استقطاب للقوى والشرائح الاجتماعية المتضررة، يوفر لها فرصة ثمينة لحشد قواها ضد مصدر التظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي؛ بل وينذر بتنامي موجة الاحتجاجات وما رافقها وسيرافقها من صدامات عنفية شبيهة ببدايات حروب أهلية تشكلت في الماضي القريب.
البعض الآخر من المراقبين يذهب ابعد من ذلك محذرا من التغيرات الاجتماعية في الموسم الانتخابي الراهن، والتي اضافت “عدة ملايين من الناخبين الجدد وجيل الشباب المفعم بالحيوية،” معبرا عن طموحاته باشد العبارات وضوحا لعدم خشيته من اللجوء لاستخدام “العنف” في مواجهة القوى الفاشية المعززة بالاجهزة الأمنية؛ كما جرى يوم 24 من الشهر الجاري في مدينة ألباكيركي بولاية نيو مكسيكو ووفق رواية “فوكس نيوز،” التي لا تولي بالاً للدقة والمهنية الصرفة، اقدم بعض المحتجين على اضرام النار بشرطة الخيالة ووقوع احداها ارضا! هكذا ودون توفير تقرير مصور يعزز الرواية.
رصد حالة “الانقسام” العامودي في المجتمع الاميركي خرجت من حيز التكهن الى واقعية حقيقية، خاصة عند الاخذ بعين الاعتبار الدور التحريضي المنظم للاجهزة الاعلامية “التقليدية” في تهميش وشيطنة “الاقليات” والمهاجرين بشكل أدق. زعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج وصف اسلوب الاحتجاجات بأنه “لغة من لا صوت لهم.”
في ذلك الزمان الغابر، عقدي الخمسينيات والستينيات، عين الرئيس ليندون جونسون هيئة “كيرنر” للتحقيق في جذور العنف والتظاهر التي عمت البلاد، وخلصت اللجنة بالقول ان الشعور “بانعدام القوة والعجز عن التغيير،” من اهم العوامل التي تغذي الاحتجاجات.
على الطرف النقيض للاحتجاجات الاجتماعية، اظهرت دراسة حديثة نشرها مركز راند للدراسات ان “من اكبر عناصر التكهن للجمهور المؤيد لترامب هو الشعور بالاقصاء” وعدم التأثير في الاحداث – خاصة بين جمهور الغالبية من البيض.
ابرز اقطاب المفكرين في صف المحافظين، فرانسيس فوكوياما، لفت الانظار في مؤلفه “التصدع العظيم،” الصادر عام 1999، الى تأثير التغيرات الاجتماعية والاقتصادية على تراخي اللحمة وتزايد معدلات اختلال العائلة الوظيفي، تراجع معدلات الزواج، “وتقويض المؤسسات الاجتماعية.”
حذرت صحيفة نيويورك تايمز، 13 ايار الجاري، من تصاعد ملحوظ في معدلات الجريمة في الشهور الثلاثة الاولى من العام الجاري، في اكبر ست من المدن الاميركية: شيكاغو، دالاس، جاكسونفيل – فلوريدا، لاس فيغاس، لوس انجليس وممفيس – تنسي. واضافت الصحيفة ان “الخبراء والمختصين لا يجمعون على سبب ارتفاع الجرائم .. بيد ان البيانات الرسمية الصادرة مؤخرا، 13 ايار، تدل بوضوح على ارتفاع كبير ومفاجيء في معدلات الجريمة شمل اكثر من 20 مدينة، مما جدد الدعوة لاطلاق صفارات الانذار” حول تدني الروابط المدنية وتماسك المجتمع. واضافت انه في زمن يسود فيه اليأس والاحباط، لا يتورع الانسان عن ارتكاب اعمال يائسة.
في هذا الصدد، يستذكر احداث العنف والصدامات المسلحة التي نشبت قبل نحو سنتين بين الميليشيات اليمينية والاجهزة الرسمية على خلفية تعدي “مزارعين” على اراضي الدولة للصالح الخاص. ومن ثم اندلعت سلسلة من المواجهات بين “المهمشين والاقليات” مع الاجهزة الأمنية والشرطة في اكثر من مدينة اميركية: فيرغسون، بلتيمور، اوريغون ومدن عدة.
قلة من المراقبين اشار الى ميل ترامب لاستخدام تعبير “حركة او حزب،” لتوصيف مؤيديه من اشد التيارات تعصبا ويمينية، مما “قد” يدل على نيته تشكيل حشد منظم مدعوم بقوة سلاح الميليشيات، عززه في حضوره مؤخرا امام مؤتمر “اللجنة القومية للسلاح،” والتي تعد من اقوى اللوبيات في المشهد السياسي الرسمي نظرا لارتباطها العضوي بكبريات شركات الاسلحة.
“حركة ترامب” قيد الانشاء والتبلور ستتخذ طابعها الخاص من فاشية محلية، وليس بالضرورة الاقتداء بالحركات الفاشية الاوروبية. الشكل النهائي للحركة الفاشية الجديدة، وفق تكهنات علماء الاجتماع الاميركيين، ستقفز للامام فور تشكل ازمة اقتصادية حادة، والتي من شأنها ايضا اتاحة الفرصة لبروز حركات وتشكيلات اجتماعية تقدمية نقيضة – في علاقة جدلية، على الاقل في المستوى النظري.
تدرج التفكك
لا يختلف اثنان على توصيف التداعيات الخطيرة التي ستنجم عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، وما تنامي حركات الاحتجاج والتظاهر سوى احد اهم المؤشرات على تبلور المناخ الاجتماعي والاقتصادي، واستشراس القوى اليمينية والتقليدية في الحفاظ على صيغة الحكم الراهنة، حتى وان اضطرت لتقديم بعض التنازلات الشكلية.
نعيد التذكير “بنبوءة” الخبير الروسي، ايغور بنارين، الاستاذ المحاضر في الاكاديمية الديبلوماسية الروسية، عام 2008، اذ تحدث بوضوح عن تداعيات مغامرات الرئيس السابق جورج بوش الابن وانعكاساتها على الاوضاع الداخلية الاميركية، وما ستؤدي اليه من تفكك وتلاشي الكيان السياسي في حلته الحالية “بحلول العام 2010.” قلة ضئيلة من المراقبين اخذ بتكهناته على محمل الجد آنذاك، ويعاد تجديد الاهتمام بها في ظل تبلور لمحات متنوعة لنبوءاته بأن تفاقم الازمات الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما تنامي معدلات البطالة، سوف تسهم في نزعات التفكك والانفصال بصور مختلفة.
آنذاك، تصاعدت موجات الاحتجاجات وتعاظم الفجوة الاجتماعية وعقدت آمالا على بروز الرئيس باراك اوباما، والتي ما لبث ان تبخرت سريعا وفقدان الأمل على التغيير من الداخل.
لم تتحقق نبوءة بنارين في الفترة الزمنية المفترضة، بيد ان الاحداث التاريخية الكبرى يصعب التكهن بنضوجها ووجهة تحركاتها، خاصة وان المسألة تخرج من باب التمنيات او رغبات ذاتية عند البعض الى مواجهة حقائق تاريخية لا تستثني منها اي كيانات سياسية مهما كبرت وتضخمت. ويبقى السؤال مشرّعا: هل ستؤدي انتخابات العام 2016 الى نضوج الظروف الموضوعية والذاتية التي تسهم في تدحرج كرة التفكك او على الاقل تفاقم حركات الاحتجاجات المدنية، بالاتساق مع نظرية بنارين.
وتجدر الاشارة ايضا الى تجدد نزعات الانفصال عن الكيان السياسي الاتحادي، والتي كانت في السابق شبه محصورة على شرائح “هامشية” من البيض المتعصبين. بل ان الجديد ان الاقليات التي خبرت تجذر العنصرية والارهاب والاقصاء والتهميش في عهد “رئيس اسود البشرة،” اضحت اشد عزما على نيل حقوقها خاصة لمن راقب بدقة تنامي التوترات الشعبية بدءا من مدينة فيرغسون تحديدا، ان لم يكن من قبلها. ايضا، من الضروري التمييز بين نسبة “البيض” المتدنية المطالبة بالانفصال عن الاخرى بين الاقليات. دلت نتائج احد استطلاعات الراي ان نسبة 25.4% من الاقليات تؤيد الانفصال، مقابل نسبة 21.4% من البيض المطالبين “باستقلال ولاياتهم” عن الاتحاد. مجمل نسبة “من ليس لهم رأي” كانت الاعلى: 29% للآقليات و20.2 % للبيض.
تتصدر ولاية تكساس الولايات المرشحة “للانفصال،” بنسبة 60% مؤيدين مقابل 40% للراغبين بالبقاء ضمن الاتحاد الفيدرالي. اما نسبة الجيل الناشيء في الولاية، خاصة الفئة العمرية بين 18 – 29، فقد اعرب نحو 56% منهم عن الرغبة او الميل للانفصال. ايضا، بعض الولايات المصنفة في صف الحزب الديموقراطي، كاليفورنيا واوريغون، تميل اغلبية بسيطة من الناخبين الى نزعة الانفصال، والتي يتوقع ان تصوت بغالبية كبيرة ضد المرشح دونالد ترامب.
بعبارة مختصرة، العالم لا يقف على عتبة تفكك حتمي للكيان السياسي الاميركي في المدى المنظور، ولن تألوا النخب الحاكمة جهدا لتقويض الانفصال وازاحته من ذهنية الشرائح المتضررة من سياساتها الاقصائية؛ وستسترسل في استحضار “الاستثنائية” الاميركية وفرادة “ديموقراطيتها” اكثر من اي زمن مضى. بيد ان الحقائق التاريخية لا يمكن القفز عنها او تجاهلها وستمضي في مسارها الطبيعي المتأزم كنتيجة مباشرة لسياسات الهيمنة والتبعية.
ترامب ام كلينتون
يتشاطر المرشحان دونالد ترامب وهيلاري كلينتون بثبات نسبة تدني الشعبية والرضا العام، خاصة منذ اتضاح وجهة السباق في الحزب الجمهوري وانسحاب آخر المنافسين لترامب. اشار استطلاع للرأي اجرته شبكة (ان بي سي) للتلفزة ان نسبة مؤيدي هيلاري كلينتون “شبه ثابتة” عند مستوى 34%؛ مقابل 29% لترامب. اما نسبة المعارضين فبلغت 54% ضد كلينتون، و 58% ضد ترامب.
القراءة الواقعية لتلك الاستطلاعات، والتي حافظت على تقارب النسب الواردة، تشير الى ايهما كان الفائز في منصب الرئاسة فان اغلبية من الشعب الاميركي لا يبدي حماسا لكليهما، وقد يترتب عليه النزول الى الشوارع.
التقارب الزمني بين مؤتمري الحزبين، اذ يفصل بينهما بضعة ايام فقط، فانعقادهما قد يشكل بؤرة توتر وانسلاخ الجمهور الانتخابي عن قياداته، لا سيما في صفوف الحزب الديموقراطي هذه المرة. المهرجانات الخطابية التي يعقدها ترامب اضحت ملازمة للاستقطاب الحاد والاشتعال.
ليس مستبعدا ان تسفر النتائج النهائية للانتخابات العامة عن تقارب كبير بين المرشحين في عدد الاصوات، وما تعوذ به الذاكرة الى انتخابات عام 2000 الرئاسية بين آل غور، عن الحزب الديموقراطي، وجورج بوش الابن، عن الحزب الجمهوري، والذي “ثبت” انه ربح ولاية فلوريدا الحيوية بعدد ضئيل لا يتعدى 300 صوت. الأمر الذي استدعى تدخل المحكمة العليا لحسم النتائج النهائية “سلميا.”
في تلك الجولة، رصد عدد لا يحصى من التجاوزات والانتهاكات الانتخابية وجهود حثيثة لاقصاء الناخبين في الدوائر الديموقراطية عن المشاركة. الطرف المتضرر، القواعد الديموقراطية، لن تقبل بتمرير انتهاكات مشابهة مهما تعددت الوسائل ووضاعتها، وليس مستبعدا ان نشهد سلسلة اقتحامات شعبية لمراكز الانتخابات والفرز الكبرى مما يعسّر النتائج وقد تؤدي لبدء عصيان مدني يعيد الى الاذهان التجاوزات التي تتهم فيها واشنطن انظمة الدول النامية.
حالات الفرز الكبرى تجري على قدم وساق تحذر من فوز ترامب وتعد بالنزول الى شوارع المدن الكبرى والتي لن تسيطر عليها الاجهزة الأمنية بسهولة ويسر، ولها عبرة في مدينة متواضعة الحجم مثل فيرغسون بولاية ميزوري قبل عامين.
دروس من التاريخ الاميركي
ثلة من المحللين وخبراء الشأن اضحت مسكونة بما اسمته “نموذج عام 1860،” كمؤشر على ما يمكن حدوثه عام 2016. آنذاك واجهت الكيان السياسي تحديات الحرب الأهلية وفاز ابراهام لينكولن بمنصب الرئيس، عن الحزب الجمهوري الذي كان يتبنى اجندة ليبرالية في تلك الايام. احتجت عدد من الولايات على انتخابه وتعززت نوايا الانفصال بالتصويت بينها قبل تسلم الرئيس الجديد مهامه. الرئيس المنتهية ولايته عن الحزب الديموقراطي، جيمس بيوكانين، احجم عن اتخاذ اي اجراءات تردع الانفصاليين، مدشنا نشوب الحرب الأهلية الدموية لسنوات اربع، 1861-1865.
فوز ترامب في الانتخابات سينعش نزوعات الانفصال مجددا، وان اختلفت التبريرات والتحالفات والادوات. البعض يجزم باستنهاض التوجهات الانفصالية مباشرة عقب اعلان فوزه ليلة الانتخابات، 8 تشرين الثاني / نوفمبر، واتساع رقعة الاحتجاجات قبيل تتويجه رسميا يوم 21 كانون ثاني / يناير 2017.
القراءة الواقعية الراهنة لميل الولايات تشير الى ولاية كاليفورنيا كأول ولاية “قد” تنفذ تهديدها بالانفصال خاصة في ظل تأييد اغلبية سكانها للخطوة كرد مباشر على ترامب وترهل حزبه. يشار الى ان مجلسي الكونغرس لولاية كاليفورنيا يسيطر عليهما الحزب الديموقراطي، مما يعزز فرضية الانفصال او التهديد به. وتعد كاليفورنيا بأنها الاقوى والاكبر اقتصاديا بين الولايات الاخرى وقد تحفز ولايات اخرى ان تحذو حذوها.
عودة لنموذج عام 1860، من المستبعد ان يتخذ الرئيس اوباما اجراءات صارمة قبل نهاية ولايته للحيلولة دون نجاح الانفصال، كأحد اساليب الاحتجاج ضد النخب الحاكمة، خاصة عند الاخذ بعين الاعتبار مستوى الكراهية العالي المتبادل بينه وبين ترامب. بل قد يفاقم اوباما ازمة ترامب باعلانه ان معاشات التقاعد الخاصة بسكان كاليفورنيا ستستمر بالتدفق، في ظل سياسة معتمدة لا تشترط مكانا جغرافيا محددا لتلقي الحصص المخصصة للتقاعد.
انفصال كاليفورنيا، او التهديد به، سيجد مساندة عالية من جاراتها الولايات الديموقراطية في اوريغون وولاية واشنطن، وانضمام الاسكا وهاوايي اللتين تشهدا نمو حركات انفصالية منذ زمن، وبالطبع ولاية تكساس الاخرى، الجائزة الكبرى ان نجحت. تداعيات الخطوة قد تتدحرج سريعا بما ينذر ببدء تفكك الاتحاد الفيدرالي الاميركي وعودة اجواء الحرب الأهلية بقسوة اشد.
“الكانتونات” المستقلة للسكان الاصليين – الهنود الحمر – المنتشرة في عموم المساحة الغربية من البلاد، ويطلق على كل منها “أمة،” يتم التعامل معها “رسميا” بانها مناطق سيادية لا سلطة للدولة المركزية عليها؛ اقله في المفهوم النظري. حينئذ ستتعزز نزعاتها للاستقلال الفعلي وهي قادرة على النمو والاستمرار بحيوية افضل من ذي قبل.
لا يسعنا الا الاشارة في هذا الشأن الى حالات عالية من الشك والريبة للكانتونات من سياسات ووعود وتعهدات الدولة المركزية التي حافظت على الاخلال بكل ما ورد فيها من نصوص ولغة وردية. احدى الكانتونات التابعة لعشيرة “توهانو اوودام،” بولاية اريزونا، يقطنها نحو 30 ألف نسمة، اوقفت العمل مؤخرا بالسماح لحرس الحدود الفيدرالي استخدام اراضيها البالغ مساحتها 11 مليون هكتار، على خلفية تصادم دائم ومستمر مع الجهاز الرسمي واتهامه بتطبيق نظام بوليسي ضد المواطنين الاصليين.
الولايات الحدودية الجنوبية مع المكسيك، اريزونا ونيومكسيكو وتكساس، لا تزال تحتفظ بعلاقات قربى مع جارتها المكسيك، وليس مستبعدا، جدليا على الاقل، ان تجنح قطاعات شعبية واسعة للاتحاد مع المكسيك او ربما انشاء كيان مستقل لذوي الاصول الاسبانية.
القراءة الواقعية تستبعد اكتمال خطوات من ذلك القبيل في المدى المنظور تؤدي لتفسخ عقد الاتحاد الفيدرالي الاميركي. بيد ان عبر التاريخ حافلة بتحقق ما قد يبدو مستبعدا او مستحيلا، كما جرى مع تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، والذي لم يتبقى منه سوى اتحاد مصغر يضم 9 جمهوريات سابقة.
تدخل القوى الغربية الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة، اسهم مباشرة باقتطاع اجزاء كبرى من الاتحاد السوفياتي، خاصة في جمهوريات بحر البلطيق.
النزعات الانفصالية في اميركا ربما لن تجد عونا خارجيا قويا، بيد ان ذلك لا ينفي توفر ارضية باءت خصبة للتشظي والانقسام، في ظل اوضاع عالمية تشهد فيها الامبراطورية الاميركية، وهي كذلك، انحسارا في عدد من مواقعها السابقة واعادة تموضع في اماكن اخرى، وتمدد جديد في مناطق تعتبرها حيوية لمصالحها. التمدد والانتشار له كلفته ايضا، بشريا وماديا وزمانيا. بروز اي ازمات داخلية عميقة الجذور، كما اسلفنا، سيدفع صناع القرار الالتفات الى الداخل بشكل اكبر واشد مما سبق، ليس لدرء الانفصال فحسب، بل لعدم المساس بهيبة الامبراطورية.