بقلم غالب قنديل

سورية وفلسطين والنكبة

غالب قنديل

تحتشد جهود الحلف الاستعماري الصهيوني وجميع القوى والحكومات المرتبطة به لتثبيت نتائج نكبة فلسطين منذ عام 1948 لفرض الاعتراف بالكيان الصهيوني كمركز قائد ومهيمن لمنظومة إقليمية تضم جميع بلدان المنطقة من المحيط إلى الخليج .

الجبهة التي تقودها الولايات المتحدة تمتلك قدرات جبارة عسكرية واقتصادية ومالية وإعلامية لكنها تواجه سدا منيعا ومقاومة متواصلة من جانب الجمهورية العربية السورية والمقاومة اللبنانية التي يقودها حزب الله ومن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبالطبع فإن مقاومة شعبية فلسطينية حية ومتجددة ظلت بالمرصاد وما تزال مستمرة فلا يتوهم العدو انها خبت او تراجعت حتى تنهض من جديد.

تلك هي السيرة الواقعية لما يزيد على أربعين عاما من الحروب والمعارك السياسية المتواصلة في المنطقة التي يسميها الأميركيون بالشرق الأوسط ويضيفون احيانا إليها نعوتا كالكبير او الصغير او توصيفات مثل قوس الأزمات أو عقدة النفط وخطوط النقل التجارية الدولية وسوى ذلك من المفردات وهي في الواقع قلب العالم الذي تمحورت حوله الغزوات والحروب عبر القرون إلى أن أصيبت مطلع القرن الماضي بلعنتي اكتشاف النفط واغتصاب فلسطين أوما سمي بالنكبة.

أنشئت المعادلة الافتراضية البائسة بالحديد والنار وسوقت بواسطة إمبراطوريات إعلامية سعودية خليجية طنانة أدارها خبراء بريطانيون لإيهام الشعب العربي والفلسطينيين بالذات أن هزيمة إسرائيل مستحيلة و”حين تعترفون بها وتقبلون صيغ التسوية معها وبشروطها الأمنية والاقتصادية كمركز مهيمن على منطقتكم سوف تنهمر أمطار المن والسلوى عليكم وتنتهي كل المشاكل” وكان الشاعر الشعبي الراحل احمد فؤاد نجم خير من وصف تلك المعادلة في قصيدته ” شرفت يا نيكسون بابا “.

جرى تدمير هذه الوصفة وسحقها بانتصار المقاومة التي قادها حزب الله في لبنان والذي برهن عمليا على إمكانية الانتصار على الكيان الصهيوني وقد ألهمت تجربته الناجحة شباب فلسطين الذين يرفعون راياته وصور امينه العام كما برهنت الأحداث على بطلان اوهام الرخاء المسوقة مع دعوات الاستسلام وما تغرق فيه كل من مصر والأردن ليس سوى المثال على ما يجلبه التطبيع مع الصهاينة والخضوع للأميركيين.

الوصفة الأميركية السعودية لمتاعب المنطقة المتفاقمة منذ اغتصاب فلسطين هي محور جميع الخطط والمشاريع “السلمية” التي واكبت حروب صهيون العدوانية المتواصلة وجرائم الاقتلاع المنظم للفلسطينيين والاستيطان والتهويد في فلسطين المحتلة وكلما ظنوا في واشنطن وتل أبيب والرياض انهم حققوا نقلة جديدة واجهوا صدا عنيفا وقاسيا وعرقلة عنيدة من دمشق في ميادين الصراع وفي كواليس الدبلوماسية.

حصل تغيير تاريخي في معادلات الصراع بسحق الهيبة الصهيونية نتيجة منظومة الردع التي أقامها محور المقاومة وهي ارتكزت منذ البداية إلى رؤية استراتيجية بلورها الرئيس بشار الأسد بعد الهزيمة الصهيونية المدوية عام 2000 عبر تطوير الشراكة السورية الإيرانية وتمتين العلاقة العضوية والمصيرية بين سورية وحزب الله والعمل لتعميم تجربة المقاومة والاستثمار على تنمية قدراتها وقوتها في ردع الكيان الصهيوني وبتوفير كل الدعم الممكن لفصائل المقاومة داخل فلسطين المحتلة إضافة إلى الشراكات التي سعى الرئيس الأسد إلى تطويرها وتثبيتها مع كل من روسيا والصين وكوريا ودول البريكس وكانت زاوية النظر السورية في جميع الملفات تنطلق من القضية المركزية وحولها.

العلاقة السورية مع إيران تطورت وتعززت لأنها مبنية على مركزية فلسطين ومحورية الصراع ضد الكيان الصهيوني والهيمنة الاستعمارية والبلهاء الذين يفتشون عن تعليل آخر لن يجدوا شيئا يعتد به ففي النهج السياسي السوري تحتل منهجية ترتيب الأولويات مكانة حاسمة لامجال للمس بها كطريقة تفكير وكأداة تحليل واقعية في فهم الأحداث وتشخيص التحديات ورسم السياسات وبلورة المواقف السورية التي تعرض عادة بصياغات دبلوماسية تتفق ومباديء القانون الدولي لكنها تحمل بقوة التزاما لا يتزعزع بمفهوم الحق القومي والعبارة السورية عن أن فلسطين هي جنوب سورية لم يضعفها الحصار ولم تطمسها الحروب.

وسينطلق جواب واحد هو سورية لو طرح السؤال عن الجهة التي منعت تصفية قضية فلسطين منذ مشروع روجرز ومن ثم بعد اتفاقيات كمب ديفيد وما تبعها من احتلال للبنان واتفاق وادي عربة ومن بعده إذعان قيادة منظمة التحرير لشروط العدو في اتفاق اوسلو المذل البائس وبغض النظر عن تبريرات وفلسلفات المستسلمين بقناع الواقعية أو بذرائع مراعاة فكرة الوحدة الفلسطينية رغم استمرار التنسيق الأمني والأوهام العثمانية لقيادة حماس التي ورطتها في وحول الحرب على سورية كلاميا وعمليا.

كل ذلك الحقد على الرئيس بشار الأسد وعلى الجمهورية العربية السورية لم يولد في لحظة بل هو سياق تراكمي ونتاج شعور منظومة الهيمنة بان الأسد قطع الطريق على مشاريع سياسية وامنية ونفطية تنطلق من الاعتراف بإسرائيل وتقديم التنازلات لها ومن التواطؤ في تخليص الولايات المتحدة وإسرائيل من المقاومة ألم يكن ذلك ما توهم الجنرال كولن باول القدرة على انتزاعه من الأسد عندما زاره في دمشق بعد احتلال بغداد ؟

سورية ومعها حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية الراديكالية هي الجبهة التي منعت تصفية قضية فلسطين وجعلت الاستسلام للنكبة مستحيلا وممنوعا وهذه الجبهة هي التي نزعت هيبة الردع الصهيونية وهي التي فرضت مناخا جديدا في فلسطين المحتلة تولدت معه حركة مقاومة جديدة وفتية تمثل اللغز الشاغل لقادة العدو الذين ما زالوا يقرون بعجزهم امام سكاكين ومبادرات الجيل الفلسطيني الشاب والمتمرد الذي يحرك انتفاضة ومقاومة عصية على الفهم او الكسر … وحش التكفير القاعدي والداعشي وتنظيمات الأخوان هي الأدوات الاستعمارية الرجعية المستخدمة للنيل من هذا المحور حتى يصبح الاستسلام لإسرائيل أمرا واقعا وهذا هو محتوى المعارك الدائرة والقادمة في المنطقة ولا سيما على محاور القتال الممتدة من الجولان إلى حلب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى