«جيش الإسلام» و«أحرار الشام»: المواجهة الروسية مع السعودية وتركيا: ناصر قنديل
– رغم كلّ الواقعية التي تتحلّى بها موسكو في إدارة موقعها الراعي للمسار السياسي والهدنة العسكرية بالشراكة مع واشنطن، لم تتوقف موسكو عن خوض معركة تصنيف «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» على لوائح الإرهاب، مع فارق يميّز إدارتها عن أسلوب واشنطن، فهي لم تصل مرة لجعل مطلبها الذي ترجمته بمشروع قرار تقدّمت به إلى مجلس الأمن الدولي، وسقط برفض أميركي فرنسي بريطاني، شرطاً لشراكتها في مسارَي الهدنة وجنيف، ولم ترتض غضّ النظر عن سعيها للتعامل مع هذين التنظيمين كجزء من التشكيلات الإرهابية لكونها راعياً لعملية التسوية، بينما لم تتقن واشنطن بعد كيف تدير بالطريقة ذاتها موقفها بالتعامل مع الرئيس السوري الذي شنّت حربها وقادت لأجلها حلفاً من مئة دولة واستقدمت أساطيلها لإسقاطه وفشلت، وصارت جزءاً من رعاية مشروع تسوية يشكل الرئيس السوري طرفها الثاني، فلا تزال نوبات النوستالجيا تصيب قادة واشنطن بين فترة وأخرى للتحدّث بلغة الماضي الذي سقط عن الرئاسة في سورية ومستقبل دوره السياسي.
– تتصرف موسكو وفقاً لمعادلة تقوم على اعتبار «جبهة النصرة» الخصم الرئيسي للمسار السياسي بجناحيه محادثات جنيف وأحكام الهدنة، وتعتبر أنّ خطورة «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» لا تتأتّى من حجم كلّ منهما العسكري والسياسي، بل من الغطاء الذي يوفّره وجودهما ضمن جماعة الرياض لـ«جبهة النصرة» التي يتشاركان معها العقيدة والميدان والتشكيلات التحالفية العسكرية من خلال نماذج كـ»جيش الفتح» وسواه، ولذلك تخوض موسكو المواجهة حول هذين الفصيلين بطريقة مزدوجة، فهي كدولة معنية بمكافحة الإرهاب تخوض تحت لواء موقف مبدئي المواجهة لتصنيف تنظيمين إرهابيين على لائحة الإرهاب، كمثل تعاملها مع التشكيلات الكردية شمال سورية التي تتمسّك موسكو بضمّها إلى العملية السياسية في سورية، لكنها لا تجعل من حركتها هذه شرطاً معطلاً لموقعها كراعٍ للسير بخطى حثيثة نحو التسوية وتكتفي بالقول، إنّ تسوية منصفة وراسخة ومستقرة لن تقوم من دون مشاركة المكوّن الكردي، وإنّ الحرب على الإرهاب سجلت للتشكيلات الكردية دوراً واضحاً وحاسماً لم تنجح أيّ من الفصائل المنضوية في جماعة الرياض بتقديم ما يوازيه.
– تترجم موسكو مسؤوليتها في رعاية نجاح مساعي التسوية بمسارَي جنيف والهدنة بجعل الموقف العملي والسياسي من «جبهة النصرة» معياراً للأهلية للمشاركة في التسوية، وتحرك وفقاً لسلّم متدرّج في رسم آلية تحويل هذا المعيار إلى مسار عملي كاشف لحقيقة المواقع والمواقف، وهذا معنى المواجهة التي تدور بين موسكو وتحالف باريس ولندن والرياض وأنقرة المدعوم من واشنطن، بهدف نظري هو التمسك بثنائي «جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، والهدف العملي هو حماية جبهة النصرة، وقد نجحت موسكو بانتزاع الموقف السياسي الذي يضمّ «النصرة» مع «داعش» على لوائح الإرهاب في الأمم المتحدة، ثمّ نجحت بربط الهدنة باستثناء «جبهة النصرة» إلى جانب «داعش» من أحكامها، والآن تنجح بوضع آلية مشتركة مع واشنطن لهذا الاستثناء عبر تحديد مواقع «النصرة» ومواقع الفصائل المنضوية بالتسوية بما فيها «جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، وإنهاء المناطق الرمادية المتداخلة، وهذه الآلية تضع التنظيمين عند المحطة الفاصلة الصعبة التي يستأخرانها منذ سنتين ومعهما تضع السعودية وتركيا ومن ورائهما لندن وباريس أمام الخيارات الصعبة.
– واشنطن التي تتمنّى لو نجحت في محاولة جذب موسكو تحت الضغط والتلويح بالتصعيد لتحييد «النصرة» عن «داعش»، وتجنيب حلفائها المأزق، لكنها وصلت إلى لحظة مشابهة لتلك التي بلغتها يوم جاءت بالأساطيل وعادت، لأنّ الحرب مكلفة وبلا نتائج مضمونة ومغامرة خطرة، وارتضت حلاً سياسياً للسلاح الكيميائي السوري، واليوم ترتضي ما تعتقده حفظ ما يمكن من الحلفاء من خطر المواجهة التي لن تصنع نصراً مهما حشدت لها القدرات، وتصوّر واشنطن قائم على دعوة «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» وعبرهما أنقرة والرياض ومن ورائهما لندن وباريس للتقيّد بمضمون التفاهم، والخروج من أيّ شكل من التداخل مع «النصرة»، لأنها تعلم أنّ الوقوف ضدّ أحكام التفاهم سيلزمها برفع غطائها عن هذين الفصيلين والتسليم لموسكو لتصنيفهما إرهابيين، وسيخرج معهما السعودي والتركي من الجغرافيا السورية مع خروج «النصرة» منها، بينما الانخراط بالتفاهم، رغم أنه سيوفر الغطاء لحرب ضدّ «النصرة» إلا أنه سيحفظ حداً أدنى من الحضور تحت سقف التسوية سياسياً وعسكرياً، ويحفظ من خلالهما لتركيا والسعودية حضوراً في الجغرافيا السورية.
– بالنسبة لموسكو تموضع هذين التنظيمين تحت سقف التفاهم، وخروجهما من أيّ تداخل وتشابك مع «النصرة»، سيجعل الحرب عليها أسهل، وأقلّ كلفة، وأقصر زمناً، ليس بسبب ما يضيفانه لـ«النصرة» من قدرات عسكرية، معلوم أنها لا تشكل تغييراً بالقياس إلى ما تملكه «النصرة»، بل لأنّ الغطاء السياسي للحرب سيكون شاملاً لعنوان المعارضة السورية وحلفائها الإقليميين والدوليين بلا استثناء، من أنقرة إلى الرياض وصولاً إلى باريس ولندن وواشنطن، وهذا بالأصل هدف روسيا من كلّ المسار السياسي. وما بعد نهاية «النصرة» سيكون وضع هذين التنظيمين، ومعهما تركيا والسعودية، أقلّ من أن يستطيع خوض حرب، وسيكون أيّ انقلاب من هذين التنظيمين كافياً لسحقهما، وخيارهما الوحيد ومعهما كلّ جماعة الرياض وأنقرة والرياض القبول بما تيسّر من دور في المسار السياسي، أما إذا تهرّب هذان التنظيمان من موجبات التفاهم وأصرّا على البقاء مع «النصرة» في سلة واحدة، فسيكون على واشنطن حسم موقفها، وتوفير الغطاء لتصنيفهما إرهاباً من جهة، وتغطية الحرب على «النصرة» ومَن معها من جهة مقابلة، ولو بقيت السعودية وتركيا وجماعة الرياض على ضفة التمسك بهذين التنظيمين. وفي هذه الحالة ستكون الحرب على «النصرة» حرب إنهاء الوجود التركي والسعودي.
– في لقاء فيينا المقبل بعد أسبوع سيكون على الرياض وأنقرة الاختيار الصعب، حيث لا رجعة إلى الوراء بعدها، مهما ارتفع صراخ عادل الجبير.
(البناء)