بقلم غالب قنديل

بري و صمام الأمان

غالب قنديل

يعترف معظم السياسيين في لبنان بنجاح الرئيس نبيه بري في لعب دور الإطفائي الذي منع انفجارات كثيرة خلال السنوات الماضية وأبقى على هياكل الدولة التي لم تفلح حتى الآن جميع مبادراته واقتراحاته لوضعها على طريق التحديث الممكن من خلال اعتماد نظام المجلسين الذي نص عليه اتفاق الطائف او عبر اعتماد قانون انتخابي جديد يقوم على النظام النسبي او حتى اقتراحه المتجدد حول اعتماد نظام انتخابي مختلط .

قوبلت مبادرات الرئيس بري المتكررة حول قانون الانتخاب بالصد والرفض ولكنه كرس جهوده لإدارة الحوار الممكن بين مكونات السلطة لمنع الانفجار والتصادم وجعل من الحوار حول قانون الانتخاب الجديد نقطة دائمة على جداول الأعمال.

لم يحقق الحوار غير إبقاء التواصل بين القوى الرئيسية مستمرا وأفضل ما توصل إليه في ظل الشغور الرئاسي ومناخ الانقسام هو الحؤول دون انهيار الدولة وشللها الكلي وضمان تغطية سياسية لحكومة الرئيس تمام سلام في حدود التوافقات الممكنة بين جميع مكوناتها ولو رواحت الحكومة غالبا في هذه الظروف الصعبة ضمن نطاق تسيير الأعمال.

تبين في التجربة ان حسن التدبير في التعامل مع التصدعات الفوقية لصيغة الحكم القائمة لا يحتوي الحاجة التي تزداد إلحاحا إلى تخلص الشعب اللبناني من الأعباء المرهقة اجتماعيا واقتصاديا ومن قلق المصير وهجرة الشباب والبطالة ومن زحف التشنجات الطائفية والمذهبية رغم نجاح “الإطفائي” في منع اشتعالها وتحولها إلى حريق اهلي كبير ومدمر لكن المفتاح الفعلي لكل ذلك بات متركزا في قانون الانتخاب وفي تجديد البنيان السياسي عبر الانتخابات النيابية التي أثبتت الجولة البلدية ضرورة العبور إليها كما استنتج رئيس المجلس.

لأنها المفتاح كما قال بادر الرئيس بري إلى الدعوة لمباشرة العمل لإجراء الانتخابات النيابية التي كان تأجيلها لمرتين بأعذار كثيرة نتيجة ضغوط مارسها الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط الرافضين لاعتماد النظام النسبي في قانون الانتخاب وتحصن رئيس المجلس يومها في الاستجابة للطلب بالميثاقية امام تلويح زعيم تيار المستقبل بمقاطعة الانتخابات بينما قدم وزير الداخلية التغطية القانونية للتمديد بتقدير امني أثبتت الانتخابات البلدية بطلانه أو زواله على الأقل بعد نجاح الوزارة في تنظيم الانتخابات البلدية وبفضل نجاح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في ضمان عبور انتخابات هادئة وآمنة لم يسجل فيها أي حادث يذكر وبالمناسبة فليس ما جرى عندنا إعجازا كما يحاول بعض المسؤولين والمتحدثين ان يقولوا فقد اجرت دول كثيرة انتخاباتها وسط ظروف تعتبر أشد قسوة وهولا مما يعيشه لبنان فتلك سورية وليبيا والعراق ومصر لمن يرغب بالاستدلال.

يسجل لرئيس المجلس في هذه الحصيلة جهد كبير وتراكمي بذله بالتعاون مع حزب الله وتيار المستقبل لاحتواء التوترات المذهبية التي كانت مصدر الشحن والتصادم والقلق الأمني خلال السنوات العشر الأخيرة وقد تبين واقعيا ان لهذه العملية فضل كبير في تمكين اللبنانيين من اجتياز الاستحقاق البلدي بظروف مقبولة والتعبير عن إرادتهم رغم تخلف قانون الانتخابات وثغرات إدارية كثيرة يفتح النقاش حولها بطء عمليات الفرز وتأخر إعلان النتائج في دلالة على حالة الركود والترهل والتراجع التي تعيشها الدولة بجميع مؤسساتها .

السير إلى الانتخابات النيابية في أقرب توقيت ممكن هو الطريق لكسر الركود والتعفن في الواقع السياسي اللبناني ولمنع انحلال المؤسسات ولإحياء دورة طبيعية من العمل النيابي والحكومي سيكون لها تأثير كبير على جميع وجوه الحياة الاقتصادية والسياسية وستنعكس على النقاش الجدي المطلوب في كيفية مواجهة التحديات الكبرى ومراجعة الخيارات الكارثية للمرحلة السابقة.

إن اولى النتائج التي قد تحملها الانتخابات النيابية على الطاولة هي فك أسر الاستحقاق الرئاسي بعد انتخاب برلمان جديد ومهما كانت حصة النسبية في رسم معادلاته فستكون توازناته أقدر على التحرر من قيود الاستعصاء المانعة حاليا لانعقاد جلسة انتخاب رئاسية بنصاب مكتمل ولاشك ان رئيس المجلس يلقي على نفسه مهمة صعبة عبر سعيه للتوافق على قانون انتخابي يمكن بعده تعجيل الانتخابات النيابية او انتظار موعدها القادم بعد عشرة أشهر كما نقل عنه لكنها ستكون خطوة إنقاذية كبيرة بدلا من المراوحة على شفير هاوية سحيقة من الشلل والتعفن الطائفي وزحف الفاقة والفقر.

الغضب والسخط اللذين كشفتهما الانتخابات البلدية إزاء الازمات والفضائح وحالات القصور والتقصير الكثيرة واللذين نوه إليهما رئيس المجلس في قراءته لنتائج بيروت يمكن ان يتفجرا في الشارع في أي وقت وتجربة اللبنانيين وخبرة رئيس حركة امل التاريخية تؤكد هذه الحقيقة وهذا ما يجب ان يبقى حاضرا فالظروف القائمة لا تجزم بالضرورة بتقدم خيار تغييري وطني على اكتاف أي انفجار شعبي للغصب بقدر ما تطرح مخاطر الفوضى والاضطراب ولو تساوى الاحتمالان واقعيا فإن الحكمة تقضي بفتح صناديق الاقتراع النيابي امام الناس ونزع أقفالها في أقرب وقت وصولا إلى احتواء التوترات داخل المؤسسات وربما تكون فرصة جدية لضخ دم جديد في عروق الدولة اليابسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى