«داعش» يعيد تشكيل محاور المنطقة: عامر نعيم الياس
قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في كلمة ألقاها في «معهد بروكينغز للدراسات» في الولايات المتحدة إن «هناك دولاً عربية مستعدّة لصنع السلام مع إسرائيل والتحالف معها ضدّ داعش وحركة حماس وحركة أحرار الشام وجماعة بوكو حرام النيجيرية». مضيفاً أنّ «العنف الحالي في الشرق الأوسط أظهر فرصةً لتشكيل تحالف إقليميّ جديد يضمّ إسرائيل ودولاً عربية والولايات المتحدة ستكون مقصّرة ومهملة إذا لم تستغل ذلك». وبالتوازي مع هذه التصريحات أعلن في طهران عن اجتماع ثلاثيّ يضمّ وزراء خارجية: سورية والعراق وإيران على هامش أعمال مؤتمر «العالم في مواجهة العنف والتطرّف» الذي تستضيفه العاصمة الإيرانية. فهل نحن أمام مشهد قديم يتجدّد في المنطقة، أم أننا أمام مشهد جديد كليّاً؟
الجميع متفّق حول «داعش»، نقطة محورية يجب أن تشكل أساس أيّ بحث يتناول نمط العلاقات الذي يحكم منطقتنا، إذ إنه من الواضح أن الدور المنوط بهذا التنظيم، والأهداف الضمنية من وراء اندفاعته الكبرى التي لا تزال موضع تساؤل حتى اللحظة، هذه الأهداف قد بدأت تتبلور من خلال إعادة صوغ المنظومة الأمنية والعسكرية والسياسية في المنطقة والتي تُلحَظ عبر عودة محور الممانعة بصيغة أكثر تكريساً، وتوسيع محور الاعتدال وإجراء تعديلات جوهرية في بنيته ليتحوّل إلى «محور محاربة الإرهاب» وفق التعريف الأميركي الذي لا يخفَ على أحد. ولذلك، أُدرِجت حركة الإخوان في فلسطين «حماس» في القائمة الأميركية الجديدة إلى جانب ما يسمى تنظيم «داعش»، ورُوّج لـ«إسرائيل» كحليفة علناً.
تسعى الإدارة الأميركية إلى إعادة رصّ صفوف حلفائها وإحياء محور الاعتدال وإعادته إلى ممارسة دوره المعروف في مواجهة المحور المقاوم الذي حقق نجاحات في عدّة ساحات وآخرها اليمن، وكل ذلك يتمّ تحت ستارة مكافحة تنظيم «داعش». فالحراك الأميركي لا يقف عند ما أعلنه وزير الخارجية جون كيري، بل يتعدّاه إلى ترشيح البيت الأبيض آشتون كارتر لتولّي منصب وزير الدفاع، والإعلان في اليوم نفسه عن تأسيس قيادة جديدة في هيكلية البنتاغون تحت أمرة الجنرال جيمس تيري، وتدعى «قوّة المهام المشتركة»، وهي مسؤولة بحسب «لوموند» الفرنسية عن «تنفيذ الخطط في العراق وسورية ضدّ داعش»، وتهدف إلى «إيجاد استراتيجية متماسكة للتحالف». لكن هل هذا أمر كافٍ لجعل الاستراتيجية فاعلة؟
إنّ الحراك الموازي من جانب المحور المقاوم ومحاولة بلورة عمل مؤسّساتي مشترك بين العراق وسورية وإيران في مواجهة «داعش» أيضاً، ما كان ليتمّ لولا إدراك الدول الثلاث ضرورة تنسيق الجهود وتوحيدها وفق رؤىً متماسكة بهدف مواجهة ما هو آت. فالولايات المتحدة الأميركية لن تتراجع بسهولة عن مخطّطها القائم على استتباب الفوضى في المنطقة كونها الوصفة الأمثل لاستنزاف كامل القوى المعادية لسياسات واشنطن سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الواضح أن إيران تسعى إلى تعزيز أوراق نفوذها الإقليمي، وبالتالي أوراقها التفاوضية عبر بناء منظومة رسمية تحصّن مشروعها السياسي الإقليمي في الدرجة الأولى.
اجتمع الجميع حول «داعش»، واختلفوا على محاربته، اختلاف سيلقي بظلاله على أشكال المواجهة المقبلة، وربما يحرفها عن «داعش»، في الوقت الذي يستمر فيه التنظيم بالتمدّد.
(البناء)