مقالات مختارة

لا «أرباح» عسكريّة للغارات الإسرائيليّة.. هل ثمة «بطاقة حمراء» بوجه الأميركيّين؟؟؟: ابراهيم ناصرالدين

 

طبعا لن يعرف أحد طبيعة الاهداف التي استهدفتها الطائرات الاسرائيلية في دمشق، وما اذا كانت الطائرات المغيرة قد حققت اهدافها، ولن يجد احد اجوبة واضحة حول تلك المخازن، وعما اذا كانت مموهة او تحوي فعلا على صواريخ «كاسرة للتوازن» كانت «قاب قوسين» او ادنى من الانتقال الى الاراضي اللبنانية لصالح حزب الله. فاسرائيل ان اعلنت، لن تجد من يعطي مصداقية لكلامها، والطرف الاخر لا يجد نفسه ملزما بتقديم معلومات مجانية لاعدائه، لكن تبقى ثمة حقائق ووقائع ثابتة لا يمكن التلاعب بها تسمح برجحان «كفة» محور المقاومة الذي نجح بالتقدم على اسرائيل «خطوة» كانت كفيلة بامتلاكه زمام المبادرة، فما هي هذه الوقائع وكيف تتم ترجمتها على «الارض»؟

بحسب اوساط خبيرة في الشؤون العسكرية، فان الغارات الاسرائيلية لم تتجاوز «الخطوط الحمراء» المرسومة ضمنيا بين اطراف النزاع، فمنذ دخول اسرائيل العلني في الدعم المباشر للمسلحين في سوريا مع بدايات العام 2013 جرى تصنيف تلك الغارات الجوية المحدودة الاهداف العسكرية في اطار «لعبة» «عض الاصابع» الدائرة على الساحة السورية، فاسرائيل تعرف الحدود التي لا يمكن ان تتجاوزها، وتعرف جيدا انها عندما تقرر توجيه ضربات مماثلة عليها انتقاء اهدافها بعناية فائقة كي لا تتسبب بتدهور عسكري واسع النطاق لا تريد حصوله ولا يخدم مصالحها الانية، ويضر ايضا بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. فالقيادة الاسرائيلية تعرف جيدا ان اي تدخل عسكري جوي يؤدي الى اختلال في موازين القوى العسكرية بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة سيكون بمثابة اعلان حرب لا تستثنى منه اي جبهة قريبة كانت او بعيدة، فموسكو وطهران لن تسمحا بان تغير اسرائيل المعادلات القائمة بعد ان وضعا كل ثقلهما لافشال خطط اسقاط النظام في سوريا، كما ان دمشق لن تكون معنية بالالتزام بأي ضوابط عملانية لو ان الطيران الاسرائيلي استهدف مواقع استراتيجية سورية تعد بمثابة درع الحماية لدمشق، عندها سيكون فعل آخر دون ان يسبقه اي كلام، وهو أمر ينسحب ايضا على حزب الله الذي لن يفرط ابدا بالانجازات المحققة في سوريا، وتدرك اسرائيل ان ثمن ارتكاب اي فعل يساهم في خلق معطيات جديدة على الارض ستكون تكلفته غالية جدا.

وبرأي تلك الاوساط، فان الغارات الاسرائيلية ليست مفاجئة لا للنظام السوري ولا لحلفائه في المنطقة، وفي مقدمتهم حزب الله، فهذه ليست المرة الاولى ولن تكون الاخيرة، وفي اطار استراتيجية المواجهة المفتوحة التي تم وضعها على الساحة السورية، بات التدخل الاسرائيلي في جبهة الجولان، او في العمق السوري، او حتى على مناطق لبنانية حدودية، من ضمن المخاطر اليومية المدرجة على اجندة القيادة العسكرية الامنية المشتركة لقوى محور المقاومة. ولذلك ثمة شكوك كبيرة في ان تكون تلك الغارات قد حققت اهدافها العسكرية المرتجاة، فاسرائيل قبل اشهر تكبدت عناء الاغارة على مواقع حزب الله في منطقة جنتا البقاعية، لتعترف في وقت لاحق بما كان حزب الله قد جاهر به، بان لا اضرار او خسائر تذكر في تلك المواقع، ومنذ ذلك التاريخ ادركت اسرائيل ان ثمة احتياطات جدية قد تم اتخاذها على المستوى الامني، وباتت تدرك ان كل «بنك» المعلومات الموجود لديها حول طرق التهريب والتخزين بحاجة الى اعادة نظر، وفي هذا السياق تفيد المعلومات بان نشاط الخلايا الامنية الاسرائيلية ازداد في الاونة الاخيرة، وعدد لا بأس به ممن اعتقلوا في سوريا قبل مدة وكانوا على قائمة المطلوبين الامنيين المتهمين بالتواصل مع المجموعات المسلحة، ادلوا بمعلومات عن مهمات تم تكليفهم بها لرصد اي نشاط عسكري يرتبط بمخازن الاسلحة التابعة للجيش السوري او لحزب الله في سوريا.

وفي هذا الاطار، تلفت تلك الاوساط الى ان محور المقاومة يتقدم اليوم «بخطوة» على الاسرائيليين، فتل ابيب تعتقد جازمة ان هذا التحالف قد تجاوز «الخطوط الحمراء» وسلم حزب الله اسلحة «كاسرة للتوازن»، واي استهداف لمخازن التخزين لم يعد مفيدا من الناحية العسكرية، فالمعلومات الاستخباراتية تؤكد ان سفينة عسكرية روسية ترسو كل اسبوع في طرطوس تنقل اسلحة للجيش السوري، وقسم من هذه الاسلحة يصل الى حزب الله بموافقة من القيادة الروسية التي عمقت من علاقاتها مع الحزب بشكل غير مسبوق. كما ان شحنات الاسلحة الايرانية التي تصل الى مطار دمشق الدولي لا توجد عليها اي قيود وقسم كبير منها يذهب الى حزب الله الذي بات بامكانه ان يستفيد من مختلف انواع الاسلحة الموجودة في المخازن السورية دون قيود كانت تفرضها الاتفاقات الاقليمية والدولية الضمنية، قبل اندلاع الازمة في سوريا، وبالتالي فان الكلام عن استهداف مخازن تحتوي اسلحة خاصة بحزب الله، مشكوك في صحته، في ظل حالة التكامل العسكرية القائمة بين الجيش السوري والمقاومة القادرة على الاستفادة مباشرة مما هو متاح دون الحاجة لعملية فصل تضع تلك الاسلحة تحت «اعين» الاسرائيليين. اذا لماذا حصل الاستهداف في هذا التوقيت؟

امام انتفاء البعد العسكري المؤثر، تبقى الرسائل السياسية اكثر تأثيراً، وتلفت تلك الاوساط الى ان ثمة امر لافت في توقيت الغارات هذه المرة، وهو إعلان واشنطن الاسبوع الماضي عن قيام طائرات إيرانية بقصف مواقع «الدولة الإسلامية» في العراق والذي تبعه ترحيب وزير الخارجية الاميركية جون كيري بالضربات الإيرانية، ورغم النفي الايراني الرسمي، فان هذه الواقعة لا يبدو انها ستكون مجرد حدث عابر وانما تحول استراتيجي في مسار الحرب الدائرة في المنطقة، فهذا التطور العسكري الجوي يأتي بعد زجّ إيران علنا بالجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في المعارك البرية، وبات السؤال الملح لدى حلفاء واشنطن وفي مقدمتهم اسرائيل، عمن يقود حقيقة العمليات العسكرية في العراق وفي سوريا، هل هو التحالف الدولي ام ايران؟ ومن هنا فان اسرائيل ارادت ان ترفع في وجه الاميركيين «بطاقة حمراء» رفضا للشراكة الجوية مع ايران، فهذا المضمار الذي كانت تعتبره اسرائيل مجالها الحيوي وتهيمن عليه بالمطلق، لن تقبل بشراكة فيه مع احد. فهل اختارت القيادة العسكرية الاسرائيلية استهداف محيط دمشق لابلاغ الحلفاء والخصوم انها ما تزال قادرة على «قلب الطاولة» فوق رؤوس الجميع اذا لم تراع التسويات في المنطقة مصالحها؟ وهذا الاستنتاج لم يأت من فراغ فاسرائيل ترى اليوم ان واشنطن اخلت الساحة الديبلوماسية لروسيا كي ترتب المخارج للازمة السورية، وتعمل في اطار تفاهمات ضمنية مع ايران لتوحيد الجهود العسكرية ضد «داعش»، وكل هذا يحصل تحت «مظلة» اتفاق نووي وشيك مع طهران ترى اسرائيل انه حصل بالفعل والجانبين الايراني والاميركي يستغلان الوقت لتسويقه.

اما ربط تسخين الحدود في الشمال بأجندة سياسية اسرائيلية داخلية ، فهذا ايضا سلاح ذو حدين على حدّ قول الاوساط، ودون التوقف كثيرا عن صوابية هذا الاستنتاج، فان اختيار نتانياهو هذا التوقيت لتوجيه رسائل الى الداخل الاسرائيلي، يعطي اعداءه في المقابل حق بعث رسائل مماثلة في التوقيت الذي يناسبهم، وهذا سيسبب «صداعا» لرئيس الحكومة الاسرائيلية الذي قد يجد نفسه في يوم قريب للغاية امام اختبار جدي وحقيقي يضعه امام خيارات صعبة، فلا ضمانات ان لا يتعرض لرد فعل مدروس ومحسوب، سيكون صعبا هضمه، وكذلك الرد عليه، فهذا السجال العسكري سيستمر وترتفع وتيرته وتنخفض واسرائيل باتت تعرف ان الجبهة الممتدة من الجولان الى مزارع شبعا باتت مفتوحة امام نوعية جديدة من الاعمال العسكرية غير المعهودة، وهي اذا كانت تتحرك ضمن اطار مضبوط في سياق «توازن الرعب» الذي يمنع حصول الانفجار الكبير، فان لا ضمانات بعدم حصول «لكمات» قد تكون هذه المرة «تحت الحزام».

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى