طرابلس بصوت واحد: نعم للجيش ابراهيم عوض

بالإمكان القول بداية، وقبل أي كلام آخر ،أن ما حصل في طرابلس على الصعيد السياسي بشكل خاص، وليس الأمني وحده، مختلف عن كل ما سبقه، وربما يشكل مرحلة جديدة تلقي بظلالها على المدينة وتؤسس لحالة من الإستقرار قد تنعم بها إذا ما سارت الأمور كما هو مخطط لها .

ما قصدته من هذه المقدمة إلقاء الضؤ ، لا بل التركيز ، على الموقف الموحد الذي طلعت به قيادات وفعاليات سياسية ودينية وإجتماعية منذ يوم السبت الماضي ، والقاضي بمباركة كل العمليات العسكرية التي قام ويقوم بها الجيش في كل بقعة من محافظة الشمال ، وتأمين الغطاء اللازم لها والذي طالما كان يفتقر اليه ، خصوصاً إبان جولات القتال التي دارت رحاها بين “باب التبانة” و “بعل محسن” على مدى سنوات ، الى غير ذلك من الحوادث الأمنية والإضطرابات التي كانت عاصمة لبنان الثانية مسرحاً لها.

في صبيحة ذلك اليوم المشمس، وبعد إعلان مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار إرجاء اللقاء الجامع الذي كان مقرراً عقده في فندق “كواليتي إن” عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً بفعل تصاعد المواجهات بين الجيش ومجموعات مسلحة لجأت الى الأسواق الداخلية ، وحفاظاً على سلامة المشاركين في اللقاء ، قصدت منزل الشعار حيث عقد إجتماع دعا اليه ضم كل من الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق النائب سمير الجسر والنائب محمد كبارة والسيد أحمد الصفدي ممثلاً الوزير السابق النائب محمد الصفدي وما لبث أن شارك فيه مدير مخابرات الجيش في الشمال العميد عامر الحسن.

بكلمة مقتضبة واضحة اؤكد أن الكل كان مجمعاً هذه المرة على دعم الجيش في ما يقوم به على الأرض، من دون أن تكون هناك ملاحظات أو مطالب بإستثناء الحفاظ على سلامة المدنيين وعلى التراث التاريخي للمدينة الذي تزخر به أسواقنا الداخلية . وهذا ما عبر عنه صراحة كل من الرئيس ميقاتي والمفتي الشعار في حديثهما الى الصحافيين بعد إنتهاء الإجتماع ،فيما كان سيّد الدار شديد الوضوح إذ كشف أمامنا بأنه خلال إتصاله بالرئيس تمام سلام للتشاور معه في الوضع أبلغه الأخير حرصه على أرواح المدنيين والمحافظة على الأسواق القديمة ، لكنه بدا قاطعاً وحاسماً لجهة رفضه “المس بهيبة الجيش أو النيل منه على يد زمرة من الإرهابيين لابد من القضاء عليها لحفظ أمن وحياة وأرزاق المواطنين الطرابلسيين“.

هكذا بدا رئيس “حكومة المصلحة الوطنية” شديد الوضوح هذه المرة في ما خص التعامل مع الوضع الملتهب في طرابلس وفي غيرها من المناطق التي إمتدت اليها يد الارهاب كالمنية وبحنين . وهكذا صدرت المواقف الطرابلسية تباعاً سواء من منزل المفتي الشعار أو من منزل وزير العدل اللواء أشرف ريفي الذي يبعد بضعة أمتار عن الأول.

كانت اللغة واحدة والتعبير واحد والصوت صارخاً: “نعم لمؤازرة الجيش في حربه على الإرهاب. نعم لطرابلس آمنة حاضنة للشرعية وحدها ولمؤسسات الدولة . نعم لطرابلس الإعتدال والعيش المشترك“.

كلام سر القلوب من دون شك ، على الرغم من الأجواء القاتمة التي كانت تخيم على الفيحاء . ورأى فيه كثيرون تحولاً نحو الأفضل لما فيه خير المدينة.

وهذا ما يستدعي اليوم أكثر من أي وقت مضى وقفة واحدة وتعاوناً كاملاً. من هنا جاء عدم الإرتياح لدى الكثيرين لمشاهدة إنعقاد إجتماعين لهدف واحد خرج كل منهما بعده برؤية مشتركة. وكم كنا نتمنى لو إلتأم الشمل في منزل المفتي الشعار الذي لا نظنه منحازاً لطرف دون آخر ، بل ساعياً لتوحيد الصف من منطلق أن إنقاذ طرابلس وإخراجها من محنتها يبدآن من تسوية الإعوجاج داخل “أهل البيت” . كما أن على أصحاب الشأن هنا وضع خلافاتهم الشخصية وحساباتهم الإنتخابية جانباً والتطلع الى مصلحة طرابلس وحدها ، التي هي بحاجة لتكاتفهم وتعاضدهم وتعاونهم اليوم قبل الغد لإنقاذها من الخطر الداهم المحدق بها ، وقد لاح أوان دحره على يد جيشنا اللبناني الذي أعلنت قيادته ألا تراجع عما هو ساعٍ اليه فلا يحدثن أحد عن تسويات وأنصاف حلول أو “طاقية إخفاء” تمنح لهذا وذاك من المجرمين والقتلة والمطلوبين للعدالة كما حصل من قبل . وما دخول الجيش الى عمق “باب التبانة” لأول مرة في تاريخها سوى مؤشر على أن الأمور سائرة الى الأحسن بإذن              الله ، ويبقى أن تولي الدولة إهتمامها الكلي بهذه المنطقة لإنتشالها من حالة البؤس التي تعيشها.

عود على بدء. طرابلس اليوم غيرها بالأمس. وما كان يحكى عن أن 95 % من أبنائها هم مع الجيش قلباً وقالباً ثبتت صحته ، خلافاً لما كان يشاع ويتردد عن وجود بيئة حاضنة للتنظيمات المتطرفة والأصولية والإرهابية. إذ ظهر بالعين المجردة أن هذه المدينة الوديعة المسالمة المعطاءة الشامخة لا تحتضن إلا من هم على شاكلتها.

موقع الانتشار