أميركا والسعودية: اتفاق على محاربة «الإسلام الجهادي» واختلاف في مواجهة «الإسلام الثوري» د. عصام نعمان
كشفها دونما مواربة بن رودس، مستشار أوباما، بعد مباحثات الأخير مع القادة الخليجيين. قال إنّ الرئيس الأميركي حاول «المواءمة» بين الأهداف التي يتفق عليها الطرفان، والأساليب التي هي موضع اختلاف، لا خلاف.
الطرفان متفقان على محاربة «الإسلام الجهادي» المتمثل بتنظيمَيْ «الدولة الإسلامية ــــ داعش» و«القاعدة» الناشطين في كلّ مكان، ولا سيما في سورية والعراق واليمن. ومتفقان أيضاً على مواجهة «الإسلام الثوري» المتمثل بإيران وحلفائها، ولا سيما سورية وحزب الله. لكنهما مختلفان في أسلوب محاربة «الإسلام الجهادي» ومواجهة «الإسلام الثوري».
الأولوية، في هذه الآونة، هي لمحاربة «الإسلام الجهادي» في سياسة الولايات المتحدة فيما هي لمواجهة «الإسلام الثوري» في سياسة السعودية. اختلاف الطرفين يتعدّى مسألة الأولوية إلى مسألة الكيفية. واشنطن تدعو إلى التركيز على محاربة «داعش» في سورية والعراق واليمن عسكرياً في ساحات القتال، وسياسياً على طاولات المفاوضات على النحو الآتي:
ـ في سورية، ثمة حاجة لوقف الأعمال العدائية وتوليف تسوية سياسية من خلال مرحلة انتقالية لا يبقى الرئيس بشار الأسد في نهايتها وليس في بدايتها، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة، لأنّ إطالة أمد الصراع مُكلفة ولأنّ «الغالب سيرث بلداً منهاراً سيتطلّب سنوات عدّة لإعادة بنائه».
ـ في العراق، يقتضي اتحاد الأطراف السياسية لمواجهة «داعش». حيدر العبادي «شريك جيّد» لواشنطن، «لكن شكل الحكومة مسألة تخصّ العراقيين وحدهم»، مع العلم أنّ «الشلل السياسي يُعيق جهود الولايات المتحدة في حربها ضدّ داعش».
ـ في اليمن، طالت المهلة التي جرى منحها للسعودية لحسم المعركة، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر بالسياسة المتبعة بغية تركيز الحرب على جماعات الإرهاب التي انتعشت في ظلّ الحرب السعودية في اليمن وعليها.
لا خلاف بين الطرفين الأميركي والسعودي على مواجهة «الإسلام الثوري» المتمثل بإيران وحلفائها. لكن ثمة «مخاوف خطيرة لدى الطرفين بشأن تصرفات إيران». فواشنطن تدعو الرياض للتواصل مع «القوى الأكثر عقلانية» في طهران بغية «عدم المشاركة في تصعيد الحروب بالوكالة في المنطقة لأن لا مصلحة لنا جميعاً في النزاع مع إيران». هذه المقاربة السياسية لا تتعارض بالضرورة مع المقاربة الأمنية لكِلا الطرفين في تعاطيه مع إيران وحلفائها، وذلك من خلال:
ـ تأكيد التزام الولايات المتحدة بأمن دول الخليج وحمايتها وتزويدها الأسلحة المتطورة التي تحتاجها.
ـ الضغط على إيران للحؤول دون تزويد الحوثيين أسلحةً وعتاداً، والعمل على تسهيل وصول الأطراف اليمنية المتنازعة إلى تسوية سياسية في المشاورات الدائرة في الكويت.
ـ تشديد الحصار، الأمني والمالي، المضروب على حزب الله لتطويق فعاليته السياسية في لبنان، وإضعاف مشاركته القتالية في الحرب إلى جانب الجيش السوري، والحؤول دون تزويده أسلحةً متطورة تكسر التوازن القائم حالياً بينه وبين «إسرائيل».
الصراع مع «الإسلام الثوري» المتمثل بإيران وحلفائها، ولا سيما حزب الله، هدف مشترك للطرفين الأميركي والسعودي، ولا خلاف جوهرياً بينهما على الأساليب المتبعة في هذا السبيل. فالولايات المتحدة حريصة لاعتبارات استراتيجية عليا على متابعة صراعها مع الجمهورية الإسلامية وتعزيز مواجهتها لها، أمنياً واقتصادياً. وإذا كانت المواجهة الأمنية، ولا سيما ما يتعلق منها بحزب الله تتولاها «إسرائيل» بالدرجة الأولى، فإنّ المواجهة الاقتصادية المالية تتولاها الولايات المتحدة. وهي مواجهة واسعة، متشعّبة ومذهلة. كلّ ذلك لأنّ واشنطن تنظر إلى حزب الله على أنه الذراع الأقوى للإسلام الثوري المتمثل بإيران من جهة والحليف القومي الأوفى لسورية بما هي الدولة العربية الأصدق التزاماً بمقاومة «إسرائيل»، من جهة أخرى.
إنّ نظرةً خاطفة على ما فعلته وتفعله الولايات المتحدة ضدّ حزب الله يعطي فكرةً عن أبعاد «الحرب الناعمة»، بفصولها المالية الباردة وفصولها الأمنية الساخنة الدائرة حالياً على مستوى العالم برمّته، ولا سيما في ساحات الصراع في غرب آسيا من حيث:
ـ إصدار الكونغرس الأميركي في 2015/12/18 قانوناً يقضي بمعاقبة الأقمار الصناعية التي تقدّم خدمات البث الفضائي لتلفزيون «المنار» حزب الله ما أدّى إلى وقف بثه عبر «عرب سات» ثم عبر «نايل سات». بعدها جرى فرض عقوبات على المصارف الأجنبية التي تقدّم خدمات وتسهيلات مصرفية لحزب الله وللأشخاص والمؤسسات الواردة أسماؤها على لائحة العقوبات الخاصة بهذا القانون.
ـ إعلان مكتب مراقبة الأصول الخارجية في وزارة الخزانة الأميركية أوفاك في 15 الشهر الحالي البدء بتطبيق عقوبات القانون الآنف الذكر، وتشمل منع المصارف الأجنبية من المراسلة مع المصارف الأميركية والوضع على لائحة العقوبات الخاصة بهذا القانون. كما استحدثت «اوفاك» لائحة إجراءات بالعقوبات المالية على حزب الله ضمّت أكثر من 100 فرد ومؤسسة، وتقضي بتجميد أصول هؤلاء ومنعهم من التعامل مع المصارف والمؤسسات المالية في أيّ دولة لها اتفاقات تعاون أمني مع أميركا.
ـ بعد أقلّ من شهرين على صدور القانون، نظّمت السلطات الأميركية، بالتعاون مع دول أوروبية عدّة حملة استهدفت ما أسمته شبكات تقديم الدعم المالي لحزب الله ما أفضى إلى اعتقال بعض رجال الأعمال الشيعة بتهمة الاتجار بالمخدرات وتبييض الأموال لمصلحة الحزب.
هذه «الحرب الناعمة» التي تشنّها الولايات المتحدة على حزب الله لا تقتصر مفاعيلها عليه بل تتناول أيضاً حلفاء له في الخارج والداخل. ففي واشنطن تبنّت المحكمة العليا حكماً يقضي بتسليم أصول مالية إيرانية مجمّدة تربو على 2 بليون/مليار دولار إلى عائلات أميركيين قتلوا خلال تفجيرات «إرهابية» اتهمت بها إيران وكانت أدّت إلى مقتل 241 جندياً أميركياً في بيروت خلال اضطرابات العام 1983.
إلى ذلك، فإنّ أفراداً وأحزاباً وجماعات قد تتحرّج في المستقبل من التعاون السياسي مع حزب الله مخافة أن تُقدِم السلطات الأميركية على معاقبتها بدعوى التعامل مع حزب الله «الإرهابي»، فتمنع أعضاءها من السفر أو تلاحقهم، على الشبهة، بأنهم يتعاطون تهريب المخدرات وتبييض الأموال!
مقربّون من حزب الله استوقفتهم الإجراءات الأميركية، لكنها لم تقلقهم. ذلك أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل تشنّ منذ أكثر من عشرين سنة حرباً متواصلة على حزب الله، ومع ذلك تمكّن من تفادي مفاعيلها بشكل أو بآخر. يسلّمون بأنها إجراءات مزعجة ومُكلفة وقد تؤثر في بعض الحلفاء، لكنها لن تُحدث تغييراً نوعياً في موازين القوى، لا في لبنان ولا في المنطقة.
(البناء)