أكاذيب أميركية وسعودية
غالب قنديل
تنشغل الصحف الأميركية والغربية بمستقبل العلاقات الأميركية السعودية وهي قبل أشهر رصدت ملامح التباعد بين الشريكين القديمين نتيجة تراكم اختلاف التقديرات حول التفاهم الغربي مع إيران وحصيلة حروب المملكة تحت القيادة الأميركية في سورية واليمن .
يترقب الخبراء نتائج زيارة اوباما للمملكة التي غلب عليها الفتور والتوتر الصامت بعد ضجة إعلامية واسعة أثارها تحذير عادل الجبير من قرار سعودي بسحب الودائع وبيع الأصول إذا تواصلت العملية القانونية الجارية للكشف عن فصل كامل من تحقيقات 11 أيلول يتعلق بالتورط السعودي حيث يقول الخبير سايمون هندرسون إن معلوماته التي نشرها عام 2002 تؤكد تمويل مفجري البرجين والبنتاغون بمساهمات سعودية بعضها من أميرين كبيرين وبارزين ما عزز اعتقاد الرياض بأن غيوما داكنة تتكثف في فضاء علاقتها بواشنطن رغم تأكيد الرئيس الأميركي انه لن يفتح أبواب المحاكمة والعقوبات بحق السعودية ولن يوقع قانونا يجيز ذلك لكن المسؤولين السعوديين يعلمون انه في ظل تحركات ذوي الضحايا الثلاثة آلاف لا يمكن وقف آليات نشر الفصل المكتوم الذي حجبته الحكومات الأميركية المتعاقبة خمسة عشر عاما منذ الجريمة الكبرى حتى لو كان اتخاذ إجراءات عقابية سيمر بتوقيع الرئيس الذي وعد الناطق الرئاسي بأنه لن يحصل مطلقا فهذا بذاته يبقي الحبل المشدود على عنق المملكة وعائلتها الحاكمة.
يكذب الرئيس اوباما حين يقدم في روايته عن نشوء الإرهاب صورة أحادية قوامها الدور السعودي في نشر التطرف عبر المعاهد الوهابية التي تمولها في العالم فهذا هو ثلث الحقيقة والرئيس أوباما يتكتم على السياسة الأميركية التي قامت بتوظيف هذا الدور السعودي ودعمته بقوة لأكثر من ثلاثين عاما ومن يريد استكمال الصورة لا يجب ان يتجاهل الضلع الثالث في هذه العملية فبالإضافة إلى الولايات المتحدة والمملكة السعودية ثمة دور محوري في نشر الإرهاب وتكوينه تولاه التنظيم العالمي للأخوان المسلمين الذي حافظت حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا على دعمها له منذ الحرب العالمية الثانية تحت شعار مكافحة الشيوعية وافترضت مراكز التخطيط الأميركية قبل بضع سنوات أنه يستطيع انطلاقا من تسلمه الحكم في تركيا أن يعتمد بوصفه القوة المنظمة التي يمكن العمل من خلالها لتوليد نخب حاكمة جديدة في البلاد العربية لتجديد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية .
قبل سنوات اتخذت الولايات المتحدة وخلفها المملكة السعودية وسائر الحكومات التابعة في المنطقة شعار مكافحة الإرهاب شعارا مركزيا لغزو أفغانستان والعراق وقد لفقوا كميات كبيرة من الأكاذيب التي فضح السيناتور باراك اوباما بعضها في خطب علنية بينما جندت المملكة جميع إمكاناتها السياسية والإعلامية واللوجستية وسخرت اموالها بالطبع لخوض تلك الحرب من خلال حلف عالمي بقيادة أميركية وقد اظهرت الحروب الوقائية الأميركية المتنقلة في العالم انها وسيلة لنشر الإرهاب الذي تتخذه واشنطن في الوقت عينه ذريعة لأشرس عمليات النهب الإمبريالي التي يشهدها التاريخ المعاصر كما برهنت وقائع احتلال العراق وكما بينت الحرب العالمية على سورية وعملية غزو ليبيا وتدميرها ودائما في قلب دوامة الدماء والحرائق قامت شراكات لصوصية في نهب النفط والتحضير لمد انابيب عملاقة تقودها الولايات المتحدة مع شركائها بمن فيهم السعودية وقطر والقاعدة وداعش وأردوغان ومافيا السوق السوداء لبيع المحروقات في كردستان وحوض المتوسط التي تمول الإرهاب التكفيري.
المملكة السعودية خادم أمين للخطط الأميركية المدمرة التي انطلقت من الحرب على سورية قبل خمس سنوات وفي الحرب على اليمن وفي رعاية التكفير والإرهاب والكذبة التي يعول عليها باراك اوباما للتحايل على الفشل الكبير في تلك الحروب هي مكافحة داعش التي تحمل في جيناتها معالم الشراكة القديمة التي ولدت في أفغانستان بأضلعها الثلاثة وقد أضيف إليها مكون رابع هو الأثر الجيني للرئيس العراقي السابق صدام حسين عبر نخبة من كبار الضباط والخبراء والمهندسين الذين ساهم في تغذية تطرفهم البالغ حد اعتناق التكفير غباء الإدراة العراقية المذهبية الذي لا يقل خطورة عنه انتقال عزة الدوري النائب السابق لصدام حسين وخليفته الحزبي وحليف داعش إلى الحضن السعودي فالعديد من كوادر البعث اعتمروا العمائم وتجندوا خلف البغدادي وخلافته والخيوط الأميركية السعودية التركية المحركة حاضرة بقوة في هياكل داعش والأدلة كثيرة عن شراكات نفط وسياسة واستخبارات بين هذه الجهات مجتمعة وقد تكفل الانخراط الروسي في سورية بإماطة اللثام عن حقائق صادمة حول حجم المقلب الاحتيالي الذي قام به اوباما عندما قاد ما سماه حلفا عالميا للقضاء على داعش التي لم تتم وظيفتها وانتقل قسم كبير من مهامها بالتكليف الأميركي إلى ليبيا مؤخرا تحضيرا لغزو جديد يجري العمل عليه.
الصفعة المدوية للولايات المتحدة ولشركائها ولعملائها كانت في صمود سورية وحلفائها في الميدان ولفشل العدوان الاستعماري على الجمهورية العربية السورية عنوان مركزي هو الرئيس بشار الأسد وهذا بالذات ما يقض مضجع المملكة السعودية وإسرائيل وحكومة تركيا العثمانية وهو أيضا يقلق الولايات المتحدة وحليفيها العجوزين بريطانيا وفرنسا.
فقد اعترف باراك اوباما لجيفري غولدبرغ أنه تراجع في خريف عام 2013 عن قراره بضرب سورية عندما تيقن بأنه لن يتمكن من تدمير كامل قدرات الجيش العربي السوري الذي يمتلك وحلفاءه إمكانات تحتم ردودا موجعة وتبين للبنتاغون انه أيا كانت النتائج ستبقى قوة عسكرية سورية صامدة ومقاتلة وفي الحصيلة النهائية ستتيح للرئيس بشار الأسد ان يعلن الانتصار على الولايات المتحدة وقوات الناتو مما سيزيد الأمور تعقيدا وسيرفع الكلفة السياسية والمعنوية التي ستدفعها الولايات المتحدة وشركاءها وهذا ما كان سيقود إلى موجة عربية عارمة متعاطفة مع الرئيس السوري كما حصل مع الزعيم جمال عبد الناصر الذي تمكن من إعلان النصر على العدوان الثلاثي عام 1956 ولعل اوباما توخى بالصياغة التي قدمها لتبرير عدم غزوه لسورية الرد على انتقادات حلفائه السعوديين والأتراك الذين جعلوا شعار التخلص من الأسد تعهدا شخصيا يعني الفشل في تحقيقه سقوطا محتوما بينما يستعين باراك اوباما بتغطيات بوتين اللائقة تحت ستار العملية السياسية السورية للنزول عن تلك الشجرة الشائكة والمهلكة ولتحاشي ثمارها القاتلة.