ردّ غير «استراتيجي» على المطالبين بالردّ عامر نعيم الياس
لا يحتمل موضوع الغارة «الإسرائيلية» على سورية وهي السابعة من نوعها منذ نهاية عام 2012 تحليلاً استراتيجياً لتجميل الصورة وتبرير واقع أمام من يعدّون أنفسهم معسكراً مقابلاً أو ملاحظاً الأخطاء البنيوية عند الطرف الآخر، بهدف استخدامها كورقة لتبرير أفعال أقلّ ما توصف به أنها هروب من البلاد وتآمر عليها وتركها وحدها لمصيرها بعد أن ساهمت في منح بعضٍ من رأيٍ عام خيراتها وثرواتها واسمها وهويتها في أيام الرخاء.
لا أكتب اليوم على صفحات «البناء» ككاتب أو مهتمّ بالسياسة، أكتب بصفتي الأغلى والأعزّ سورياً ما يمسّ وطني يمسّني مباشرةً، هذا في حال اعتبرنا سورية وطناً وهنا الفرق بيننا وبين الآخرين، إذ تطرح الانتقادات حول عدم الردّ أو حقّ الردّ التي أطلقها بعض الأفراد على المنابر المجانية لشبكات التواصل الاجتماعي، عدداً من الشجون التي لا بدّ من الإشارة إليها باعتبارها تندرج في سياق وضع النقاط على الحروف ليس إلا. وهنا يمكن تقسيم الأفراد إلى التالي:
المعارضون للدولة السورية: يعمل هؤلاء دوماً في مثل هذه الضربات على سحب الملف باتجاه الاستهزاء المجاني والسخرية المقصودة الهادفة إلى تلافي الإجابة عن عددٍ من التساؤلات وفي مقدّمها: شكل العلاقة التي تربط الهياكل السياسية والعسكرية «للمعارضة» مع الكيان الصهيوني المعتدي على سورية، فضلاً عن التمييز في المناطق المستهدفة أي أن الاحتلال استهدف النظام لا سورية، إلى جانب الهروب إلى الأمام من ملف ردّ «الكتائب المقاتلة» بحسب المصطلح الذي يستخدمه المرصد السوري المعارض على العدوان، فإذا كانت «الثورة تسيطر على 60 أو 70 في المئة» من الأرض فأين ردّها إذا كان الطرف الآخر محتفظاً بحق الردّ، خصوصاً أن مسار الطيران الصهيوني جاء من جنوب العاصمة وهي المناطق التي تشهد محاولات مستميتة من الميليشيات المسلحة للسيطرة عليها بشكل كامل.
بعض المقيمين خارج سورية: عندما ينتقد هؤلاء عدم الردّ ويريدون من الجيش السوري قصف «تل أبيب» أو بالحد الأدنى إسقاط الطائرات «الإسرائيلية»، متحدثين عن الكرامة، يتناسون أمراً مهماً أن هذه الكرامة رموها هم أرضاً باختيارهم السفر عبر العبارات والإقامة في «الكامب» بهدف الحصول على إقامة من هنا وجنسية من هناك. أما المقيمين في الخارج من أصحاب الأعمال والإقامات النظامية والجنسيات من الخليج إلى أوروبا مروراً بكندا، والذين لا علاقة لها بملف اللجوء، فإن من حقنا في موازاة مطالبهم بالردّ واستهزائهم بوطنهم وجيشهم، أن نسألهم التالي: لولا هذا الجيش الذي يقاتل منذ أربع سنوات على كامل الجغرافية السورية، ولولا القيادة التي واكبته سياسياً ولولا صمود شعب اختارت غالبيته البقاء في سورية بإرادتها، هل كان بالإمكان تلافي الضربة الأميركية على سورية السنة الماضية من جرّاء فبركة ملف الكيماوي في الغوطة الشرقية؟ لو حصلت الضربة حينذاك، ووجّه تحالف دولي إقليمي ضربات لدمشق وبناها التحتية ودمر ما تبقى من منشآت حيوية ومطارات ومصافٍ للنفط في طول البلاد وعرضها، ما هو تصرفك يا من تطالب بحق الرد وتستهزئ بجيش بلادك؟ هل تتخلى عن أعمالك؟ هل تتخلى عن إقامتك؟ هل تتخلى عن جنسيتك الجديدة وتعود إلى سورية؟ هل تتخلى عن الوجبة التي تقدم لك في «الكامب» لتقاتل دفاعاً عن أرضك بدلاً من أن يكون الطعام المقدّم لك ثمناً لصمتك عن تدمير بلادك؟ هل تتجرّأ أن تنظم مظاهرةً في دولةٍ أنت تقيم فيها وعسكرها يقصف عاصمة بلادك؟
الموالون للدولة السورية من أصحاب السلاح البراق والسيارات الفارهة: هؤلاء يريدون محاربة الجميع من وراء مكاتبهم وشاشات هواتفهم اللوحية، فيما سلاحهم لامع لم يستخدم ولا لمرة، لعل وعسى يفتح لهم باب إثراء جديد غير مشروع. وهم الأخطر على سورية دولةً وشعباً، هم خرق خطر في كيان الدولة يشابه هذا الخرق الصهيوني الذي ما كان له ليتم لولا ميليشيات مسلحة عميلة غيّرت بعضاً من الواقع الميداني العسكري على الأرض السورية واستهدفت بشكل ممننهج قواعد الدفاع الجوي والمطارات العسكرية السورية. ولعل في الربط بين ما جرى في مطار دير الزور العسكري والغارة الصهيونية على الديماس ومطار دمشق الدولي في بيان القيادة العامة للقوات المسلحة. ما يؤشر إلى حقيقة الحرب القذرة التي تستهدف سورية.
إن الردّ على عدم إسقاط الطائرات «الإسرائيلية» التي لا تقوم بغاراتها سوى في توقيت وزمان مناسبين لها، إذ البلاد في أوج مأساتها، هذا الردّ لا يحتاج إلى محلّلين استراتيجيين ولا إلى سيناريوات افتراضية تحاول تشويه صورة الواقع بنظريات ما أنزل الله بها من لسان. الردّ مستمر في صمود سورية وجيش من الأسود يحارب على كامل الأرض السورية. الردّ في جندي عقائدي فقير يقاتل ذلك المستلب بعقيدة الموت والحوريات. الردّ مستمر فعلى مدى أكثر من 40 شهراً يدرك المقاتل السوري أنه مشروع شهيد جديد في عائلته الصغيرة قبل الكبيرة، إن جيشاً عوائله كافة من عوائل الشهداء لا يهاب «إسرائيل»، جيش يقاتل الموت القادم من ثمانين أو مئة دولة لن يعجز عن مواجهة كيان طفيلي.
(البناء)