أمّنا الحنون المقاومة وليست فرنسا العلامة الشيخ عفيف النابلسي
ليست فرنسا أماً حنوناً، كما يحلو للبعض تسميتها. الأم الحنون تنعدم فيها نوازع الأنانية والأذى، وتتعمّق فيها معاني الرحمة والحب والوفاء والتضحية من أجل ولدها أو أولادها.
لكن فرنسا التي تأبى وضع نفسها تحت مجهر التاريخ والمعاينة والتحليل، هي التي احتلت أرضنا وهددتنا بالحديد والنار إنْ لم نرضخ لإملاءاتها، وهي التي سنّت لنا قوانين طائفية لتبقى مهيمنة ولنبقى نحن مأسورين إلى طلب نجدتها ومساعدتها على الدوام.
الأمّ الحنون هذه شاركت في تغذية التصادم بين اللبنانيين طيلة الحرب الأهلية كرمى لعين الكيان الإسرائيلي الذي كان يتزود منها بالطائرات والصواريخ الحديثة ليضرب قرانا ومدننا بحمم قذائفه.
لم تكن الأمّ الحنون مهتمّة بما يجري من أحداث في لبنان وما يتعرّض له الشعب من فقر وحرمان وآلام وفقدان للأمان، فمصالحها وعلاقتها وارتباطاتها لا تسمح لها بأن تدافع عن «ابنها» الذي شوّهته حروب العدوان وكادت أن تقتله لولا فتية آمنوا بربهم وقاموا بوجباتهم لحماية هذا الوطن من توسعية «إسرائيل» وهمجيتها التي امتدت سنوات طويلة.
والأم الحنون هذه لم تُظهر خوفها على لبنان حين بدأ الإرهاب التكفيري يضرب عمقه ويهدد أطرافه بالتفجيرات والاستعدادات لغزوات كبرى ولإنشاء إمارات تجعل البلد في دائرة الفناء، لأنها كانت مشغولة بتقاسم الفوائد والعائدات مع شركاء لها على مستوى المنطقة كلها.
واليوم حين يأتي رئيس جمهوريتها إلى بلدنا، لا يأتي من أجل تأمين الحماية في وجه الإرهابَيْن الإسرائيلي والتكفيري، ومساعدة مؤسساتنا الأمنية على امتلاك أسلحة حديثة لمواجهة أي عدوان أو تهديد يضع لبنان في دائرة التقسيم أو الزوال، وإنما من أجل الاطمئنان على عدم انتقال اللاجئين السوريين إلى بلاده، والإبقاء عليهم في لبنان حتى لو تسبب ذلك بتفجيرات ديمغرافية واختلالات اجتماعية واقتصادية وأخلاقية كبيرة، فلبنان في النهاية ليس وطنه والشعب اللبناني ليس أمته التي عليه واجب الدفاع عنها.
لم يسأل الرئيس الفرنسي نفسه ولا يريد أن يسأله أحد عن دور فرنسا في أزمة اللاجئين ودعمها للمسلحين الذين دمروا سورية وشردوا شعبها في بقاع الأرض المختلفة. ما رغب في طرحه مع المسؤولين اللبنانيين يتمحور حول كبح جماع اللاجئين السوريين الراغبين بالذهاب إلى أوروبا، أما ما نرغب به نحن في قوله من تحميل مسؤولية الأذى الذي لحق ببلدنا وببلد شقيق لنا هو سورية فلا متسع له لأن أولويات «الأم» دائماً متقدمة على متطلبات «الولد الصغير».
لقد تعاملت فرنسا مع لبنان لا كأم حنون بل كساحة من ساحات نفوذها السياسية والاقتصادية والثقافية. وقفت إلى جنب «إسرائيل» ضد وحدتنا وسيادتنا الوطنية، ثم وقفت إلى جانب التكفيريين للغاية ذاتها. ها هي فرنسا التي نعرف سياساتها التي لم تكن إلا وفقاً لمصالحها هي، وما همها كثيراً إن اندلعت في لبنان حرب أهلية شرسة أو تعرض لعدوان خارجي كبير، طالما هي وشركاؤها في مأمنٍ من مصالحهم.
ومجدداً نقول إنّه لولا المقاومة لكان لبنان إما مستوعباً داخل «إسرائيل الكبرى» وإما إمارة من إمارات الخلافة الداعشية الكبرى!
أما الأم الحنون التي نعرفها بحق، فهي المقاومة التي استشعرت مخاطر الاعتداءات والتهديدات فكانت لكل معتدٍ بالمرصاد وكانت لشعب لبنان بكل طوائفه الرحمة والنعمة والحنو لكي يتسنى لهذا البلد أن يكون عزيزاً حراً كريماً ولكي يعيش الناس الألفة والمحبة بالتواصل والحوار والتعاون.
(البناء)