النفاق الأميركي والتورط السعودي
غالب قنديل
تسير الإمبراطورية الأميركية في نهجها التقليدي فتخلع حلفاءها وتتنصل من المسؤولية لتلقي عليهم منفردين تبعات تورطهم في خططها ومشاريعها الاستعمارية بل إن الأنكى هو سير الولايات المتحدة إلى التسويات والمصالحات حين ترى مصلحة لها في ذلك دون اعتبار لمن ورطتهم خلفها في الحروب والصراعات هكذا تنظر القيادة السعودية إلى حصيلة سبعة وثلاثين عاما من الحصار والقطيعة مع إيران وهي تعتبر الاتفاق النووي الذي عقدته المجموعة الدولية مع الجمهورية الإسلامية نوعا من الغدر الأميركي بينما المملكة متورطة في حروب تقدمها على انها مواجهة مفتوحة مع التغلغل الإيراني ومما يضاعف الحشرجة السعودية تهافت القادة الغربيين إلى العاصمة الإيرانية حتى من غير الوقوف على خاطر السعودية التي انفقت ثروات طائلة في جهود تطويق إيران واستنزافها لحساب الولايات المتحدة ودول الغرب .
الغصة السعودية نفسها تتحرك مؤخرا على وقع تقارير ومقالات تشغل مساحات واسعة في الإعلام الأميركي محورها معلومات عن تورط مسؤولين سعوديين في تمويل مجموعة القاعدة التي نفذت هجمات الحادي عشر من أيلول .
طبعا لا مجال لتخيل ان الحكومة السعودية تقف خلف تلك الهجمات لكن تورط مسؤولين سعوديين في تكوين القاعدة واحتضانها بالشراكة مع قادة اميركيين هو أساس تلك الوقائع فـ “الجهاد العالمي” كان وما يزال منتجا اميركيا سعوديا تركيا مشتركا وما من احد في العالم لا يعرف قصة الشراكة بين واشنطن والرياض في صناعة القاعدة وتحريكها قبل أكثر من ثلاثين عاما وهجمات 11 أيلول كانت من أعراض الخروج عن السيطرة وارتداد الإرهاب على صانعيه.
تتنصل الولايات المتحدة من مسؤوليتها الرئيسية في إطلاق وحش الإرهاب ويتحدث رئيسها الحالي ببساطة عن الجانب السعودي من هذه الشراكة ليطمس كون القيادة الأميركية عملت خلال العقود الماضية في توجيه فصائل الإرهاب وإعادة توجيهها تبعا لحاجات خططها الاستعمارية متجاهلا ان إدارته كررت في سورية خطيئة إدارة رونالد ريغان فالذباحون والمفجرون وأكلة القلوب في سورية هم الذين وصفتهم واشنطن بلسان بارك اوباما وهيلاري كلينتون وجون كيري على انهم “فرسان الحرية والديمقراطية ” كما فعل ريغان وديك تشيني ودونالد رامسفيلد قبل ذلك في الحديث عن “المجاهدين” الذين باتوا شياطين القاعدة الذين ضربوا واشنطن ونيويورك في الحادي عشر من أيلول الدامي .
بلا رحمة قد تقود التداعيات الداخلية في الولايات المتحدة إلى تطورات مفاجئة لمجاراة الرأي العام الأميركي بعد افتضاح القليل عن خفايا كثيرة فالراهن في الإعلام الأميركي ومراكز الدراسات الأميركية هو الحديث عن مأزق العلاقات السعودية الأميركية في ضوء ترقب إعلان نص التقرير الموجز لتحقيقات هجمات الحادي عشر من أيلول وما سيلي ذلك من توصيات تسعى عائلات القتلى الثلاثة آلاف إلى البناء عليها لاتخاذ صفة الإدعاء امام المحاكم للمطالبة بالتعويض العادل وهو ما اعتبر تهديدا عمليا بتدابير حجز احتياطي على الأصول السعودية في الولايات المتحدة .
تشعر المملكة السعودية بخيبة كبيرة من إدارة باراك اوباما منذ إعلان الرئيس الأميركي تراجعه عن قرار ضرب سورية حيث لم تبخل القيادة السعودية ببذل كل ما لديها من قدرات ضمن الحملة التي قادها اوباما شخصيا وأدارها مدير استخباراته ديفيد بيترايوس الذي اتفق مع نظيره بندر بن سلطان على حشد القاعدة وجميع الفصائل الأخوانية المتطرفة بالتعاون مع حكومات قطر والأردن وتركيا وفشلت حتى اليوم جميع الرهانات على إسقاط الرئيس بشار الأسد وهنا بيت الوجع السعودي الذي تضاعف آلامه خيبة اخرى في الحرب على اليمن التي كانت فيها إدارة اوباما شريكا رئيسيا يجني المال من مبيعات السلاح وفواتير الخدمات المعلوماتية والتقنية ومن استئجار مرتزقة بلاك ووتر بينما ترسم اليوم لنفسها صورة الوسيط الذي يحث المملكة على التعقل.
رغم كل ما تقدم يبدو ان التحالف الأميركي السعودي صامد وغير معرض لخطر الانتكاس بقوة الاضطرار وهكذا أعلن البيت الأبيض ان الرئيس لن يوقع قانونا يتيح محاكمة المتورطين السعوديين في تمويل مفجري أيلول في محاولة لسحب التهديد الذي نقله عادل الجبير حول الأصول السعودية عشية وصول باراك اوباما إلى الرياض وقبل انطلاق جولة جديدة من النفاق الأميركي السعودي عن مكافحة الإرهاب وعن الحلول السياسية التفاوضية بينما شحنات سلاح واموال جديدة تحت الرعاية الأميركية تنقل إلى سورية عبر الحدود التركية والأردنية وتفجر اتفاق وقف القتال الهش والضعيف بانتظار الانتباه الروسي لخديعة جون كيري الخبيثة.