بين ضمّ الجولان والتصعيد التركي السعودي
ناصر قنديل
– في اللحظات التاريخية الحرجة التي ترسم فيها الخرائط النهائية لتوازنات القوة، ومساحات التفاوض، وفي ربع الساعة الأخير من الحروب، وحيث تقف الدول الكبرى بكلّ ثقلها وحضورها، لا مكان للمصادفات، خصوصاً في الرسائل التي يحملها التزامن في الأحداث النوعية التي تأتي بمبادرة كاملة من أصحابها، وهنا يمكن لأيّ متابع أن ينتبه أنه لم يكن يضع في حسابه، تهديدين متزامنين، بمبادرات بلا مقدّمات، إعلان الحكومة الإسرائيلية عن ضمّها نهائياً للجولان إلى الأراضي المحتلة التي يُقام عليها الكيان، وإعلان جماعة الرياض المعارضة المزدوج عن نيّتها الانسحاب من محادثات جنيف بداعي عدم التقدّم في المحادثات من جهة، وعن نيّة فصائلها المسلحة الانسحاب من أحكام الهدنة بداعي الردّ على ما تسمّيه انتهاكات تتهم الجيش السوري بارتكابها.
– في القراءة التفصيلية للسياقات الخاصة بكلّ من الإعلانين، لا يبدو ما يكفي لتفسير كلّ منهما متوفراً، فلا جديد في الجولان يمكن ربطه بحجم القرار «الإسرائيلي» ومعناه السياسي التصعيدي الكبير، ولا جديد مفاجئاً في خلافات محادثات جنيف، ولا في رفض الوفد الرسمي السوري لمناقشة مصير الرئاسة، أو هيئة الحكم الانتقالي، كما أن لا جديد ولا مفاجآت في الوضع الميداني الذي تفجّر في أرياف حلب من قبل «جبهة النصرة» ببيان رسمي بعد تحرير الجيش السوري لتدمر، وسقوط رهانات «النصرة» على قدرة «داعش» على خوض حرب استنزاف طويلة في وجه الجيش السوري تؤجل معارك إدلب وتوفر الحماية لجماعات «النصرة» في أرياف حلب طالما ترفع أعلام ما يسمّى بـ«الجيش الحرّ» بتقاسم أدوار مع جماعة الرياض يفيد الطرفين، فتظهر المعارضة ذات وزن عسكري تضمّه إلى أحكام الهدنة ويمنح «النصرة» فرصة حماية مواقعها من الحرب، والطبيعي مع تبلور نتائج معركة تدمر لجوء «النصرة» إلى تفجير الوضع في أرياف حلب، وأن يكون الردّ كما قال الروس من ضمن أحكام الهدنة طالما أنّ «النصرة» خارج أحكام الهدنة، وبالتالي لا تستطيع جماعة الرياض الادّعاء بأنّ شيئاً ما سياسياً كبيراً وغير متوقع قد حدث، يستدعي منها اتخاذ قرار كبير بحجم الانسحاب من جنيف، أو أنّ شيئاً عسكرياً كبيراً قد وقع وغير متوقع يبرّر الخروج من أحكام الهدنة، وفي المقابل لا تستطيع «إسرائيل» الادّعاء بأنّ شيئاً ما قد حدث بحجم يبرّر الذهاب لقرار تصعيدي بحجم الضمّ النهائي للجولان والتلويح بالحرب لحماية هذا القرار، فهل يمكن لجمع المقدّمات معاً تقديم التفسير؟
– عندما نضع على محرّك غوغل للبحث كلمات «إسرائيل، الجولان، المعارضة، سورية، حلب، جنيف، تركيا، السعودية»، سنكتشف أنّ اسم «جبهة النصرة» سيظهر معنا كنتيجة تلقائية للبحث، فهي الجامع المشترك بين خطط «إسرائيل» للجولان وخطط تركيا والسعودية في سورية، وبنية المعارضة في شمال سورية، فخطة «إسرائيل» الأصلية في الجولان قامت على السعي لإقامة حزام أمني تتولاه «جبهة النصرة»، أعلنت «إسرائيل» عنه مراراً بصورة رسمية، وخطة السعودية وتركيا لسورية كانت دائماً دمج «جبهة النصرة» بالعملية السياسية السورية وضمّها إلى جنيف وإلى أيّ هدنة واستثنائها من لوائح الإرهاب. وفي المقابل معلوم أنّ جسم المعارضة الهشّ عسكرياً يقوم منذ ثلاث سنوات على معادلة خداع بصري وتقاسم وظيفي، بين هذه المعارضة كواجهة سياسية إعلامية وبين «جبهة النصرة» كقوة عسكرية، فـ»النصرة» تقاتل ولا تمانع برفع رايات المعارضة حيث الانتصارات تُحرج حلفاءها «الإسرائيلي» والتركي والسعودي، لأنها تحرج الغرب، لأنّ «النصرة» كانت ولا تزال الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سورية، وعندما تريد «النصرة» الاختباء للإفادة من الهدنة ترفع الرايات المعارضة، وهكذا تكسب المعارضة حجماً ليس لها وتكسب «النصرة» غطاء ليس لها، ولذلك يمكن القول إنّ «النصرة» هي كلمة سرّ الشراكة «الإسرائيلية» التركية السعودية، ودور المعارضة كواجهة سياسية لهذه الشراكة.
– بعد انتصارات الجيش السوري في تدمر، بدا واضحاً من نوعية وسرعة الانتصار أنّ ما سيتمّ لاحقاً في الميدان سيكون شبيهاً بها من حيث السرعة ونوعية الانتصارات، كما كان واضحاً أنّ الجهة اللاحقة التي ستستهدفها الحرب على الإرهاب ستكون «جبهة النصرة»، وأنّ إدلب ستكون الوجهة المقبلة، ضمن مفهوم أحكام الهدنة التي تستثني «النصرة» و«داعش» من أحكامها، فكانت الحرب الاستباقية لـ«النصرة» شرارة البدء في أرياف حلب. وهنا أيضاً كان واضحاً أنّ ما تفعله معارك أرياف حلب يؤجّل لأيام وأسابيع معركة إدلب، لكنه لن يغيّر وجهة الحرب ولا نتيجتها، لكن كان واضحاً أنّ روزنامة جنيف ستتغيّر لمصلحة منطق الدولة السورية والدعوة لتشكيل حكومة موحدة في ظلّ الرئاسة السورية عملاً بأحكام القرار الأممي 2254، بينما سيكون الميدان محسوماً في الحلقات التالية للمعارك للجيش السوري، ويظهر كشريك أحادي وحتمي في أيّ مشروع جدّي للحرب على الإرهاب. وفي المقابل ستكون المعارضة جسماً هزيلاً مكشوفاً بلا وجود، وستخرج تركيا والسعودية نهائياً من الجغرافيا السورية، وسيكون مصير وجود «النصرة» على حدود الجولان وما تبقى من جنوب سورية، مسألة وقت ليس إلا لتجد «إسرائيل» أنها عارية من أيّ غطاء وبلا رهانات راهنة.
– التصعيد المتزامن عنوانه «جبهة النصرة»، والحرب الاستباقية التي يخوضها التحالف «الإسرائيلي» التركي السعودي لحمايتها كحصان رهان مشترك، أو فرض تعديل بقواعد التفاوض وشروطه وشركائه بتعديل تركيبة جنيف يضمن بحث تأمين ضمانات بديلة لمرحلة ما بعد «النصرة» للأطراف التي استثمرت على دورها، والمقصود أثمان وضمانات لكلّ من «إسرائيل» وتركيا والسعودية لمستقبل أدوارهم ومصالحهم وأمنهم، كما يرونها وقبل أن ينهار كلّ شيء صنعوه في سورية. والرسالة هنا هي أنّ ثمن رأس «النصرة» أكبر من مقاعد في حكومة سورية موحّدة تضمّ تمثيلاً للمعارضة، قد تكون جنيف موازياً يضمّ الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بتداعيات الحرب في سورية، لترسيم وترصيد حسابات المصالح والضمانات، بعدما صار ثابتاً وفقاً للكلام الروسي الجوابي الضمني المكرّر والدائم، أنّ الدولة السورية استعادت عافيتها، وتستعيدها أكثر فأكثر كلّ يوم، وأنها عادت لاعباً لا يُستهان بحضوره المقبل في الإقليم.
– تبدو جولة مقبلة ضرورية قد لا يكون بعيداً عنها نوع من الشراكة «الإسرائيلية» الأشدّ وضوحاً من قبل، بخلفية قرار الضمّ، وقوفاً وراء «جبهة النصرة»، ومثلها في جبهات الشمال، بحضور تركي أشدّ وضوحاً، بينما تقدّم السعودية التمويل وغطاء المعارضة بالتصعيد السياسي، ومعارك متنقلة لميليشيات الوهابية مثل «جيش الإسلام»، لترتسم عبرها الصورة النهائية لتوازنات ربع الساعة الأخير.
(البناء)