ضحايا أيلول وزيارة اوباما
غالب قنديل
منذ هجمات الحادي عشر من أيلول تكشفت معلومات كثيرة حول خفايا العلاقات الأميركية السعودية بعدما اعتبر التهديد القاعدي ثمرة عقود من الشراكة بين واشنطن والرياض في رعاية الجماعات الإرهابية والمتطرفة واستعمالها لتنفيذ مخططات سياسية تخدم المصالح الأميركية في العالم.
حتى الأمس القريب صمدت تلك الشراكة في إنتاج الإرهاب التكفيري واستعماله ضمن استراتيجية استنزاف الخصوم والمنافسين ومن خلال إشعال حروب بالواسطة تتكفل بها شبكات إرهابية متطرفة منتشرة عالميا بتمويل سعودي رئيسي وبتكوين عقائدي وهابي تكفيري شاركت في نشره جماعة الأخوان المسلمين العالمية ومعاهد ومراكز إسلامية انتشرت في الغرب وعلى امتداد العالم الإسلامي بتمويل سعودي قطري وبالتعاون مع تركيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وحكومات الناتوعموما وقد شكلت الحرب على سورية نموذجا لهذه الشراكة وتجلياتها العملية.
ظهرت في الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية مجموعة من الكتب التي ألفها مسؤولون سابقون في الإدارات الأميركية المتعاقبة ومنهم موظفون سابقون في وكالة الاستخبارت المركزية ووزارة الخارجية كشفوا العديد من الأسرار التي تحيط بالشراكة الأميركية السعودية في إنتاج الإرهاب ورعايته واستعماله وتطرق بعضها إلى الكثير من وجوه العلاقات بين الرياض وواشنطن وما ارتبط بها من ملفات وصفقات ورشاوى من مبيعات السلاح والشراكة في تمويل الإرهاب وإلى دور الأمراء السعوديين في تمويل النخب السياسية ومراكز صنع القرار الأميركي.
بالمقابل ظهر تيار سياسي قوي في النخبة الأميركية الحاكمة ومن صفوف الحزبين الجمهوري والديمقراطي يوجه انتقادات حادة لما وصفوه بتبعية الولايات المتحدة للمملكة السعودية وقد وضع برنامج التنقيب عن النفط الصخري برمته خلال السنوات الماضية في خانة السعي الأميركي لتقليص حاجة الولايات المتحدة إلى النفط السعودي لاستهلاكها المحلي ورغم كل ما تقدم مازالت المملكة تعامل بوصفها الحليف الرئيسي للإمبراطورية الأميركية وفي التصريحات الأخيرة للرئيس باراك اوباما التي نشرت في مجلة اتلانتيك أبدى انتقادا حادا وتبرما من ارتكاز السياسة الخارجية الأميركية للمنطقة العربية ( الشرق الأوسط) على اعتبار العلاقة مع كل من السعودية وإسرائيل أولوية حاسمة وركنا لا يتزعزع في صلب القرار الأميركي وتحدث بصراحة عن دور التمويل السعودي كمحفز لنشر الإرهاب والتطرف في العالم الإسلامي وفي تجمعات المهاجرين العرب والمسلمين داخل دول الغرب .
كما يروي جيفري غولدبرغ في نصه ” عقيدة اوباما ” ان كبار موظفي البيت البيض سمعوا مرارا يرددون أمام الزوار الأجانب ان “مهاجمي الحادي عشر من أيلول كان سعوديين ولم يكونوا إيرانيين ” وذلك في معرض المجادلة بوجاهة دعم الرئيس الأميركي للاتفاق النووي الإيراني وما تبعه من إلغاء العقوبات وفك الحصار عن إيران.
وقد روى روبرت باير ( ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية ) في كتابه “النوم مع الشيطان” ان أموالا سعودية ساهمت في تأمين نفقات هجمات نيويورك وواشنطن ومن بينها “تبرعات” من زوجة الأمير بندر بن سلطان حين كان سفيرا فوق العادة في واشنطن وهو الذي شارك مع مستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريجنسكي والرئيس السابق للمخابرات السعودية الأمير تركي الفيصل في تأسيس مكتب المجاهدين الأفغاني وفقا لرواية بريجنسكي الذي تباهى بالمساهمة في تقويض الاتحاد السوفيتي في حصيلة الحرب الأفغانية .
ذلك المكتب نفسه بات يعرف بعد ذلك بشبكة القاعدة نسبة إلى قاعدة البيانات المحفوظة لديه عن آلاف العناصر المتطرفة التي حشدت من المملكة ومن دول عربية وإسلامية وخصوصا من سورية والأردن ومصر والشيشان والصومال ودول اخرى وباتت في غالبيتها في عداد جيش محترف من الإرهابيين من “مقاتلي القاعدة” بزعامة أسامة بن لادن وورثته في تنظيم داعش ومناصري خليفة بن لادن أيمن الظواهري وتشكيلات اخرى مثل بوكو حرام وغيرها.
التقرير الذي يطالب ذوو الضحايا الأميركيون بنشره ويفترض عرضه على الكونغرس لاتخاذ قرار بملاحقة المتورطين يفترض انه يحوي معلومات كثيرة عن أدوار اجهزة حكومية وشخصيات سعودية رفيعة بينها أمراء ووزراء سابقون في دعم القاعدة عشية هجماتها في الولايات المتحدة وفي حال حصول ذلك سيترتب عليه صدور قانون يجيز لذوي الضحايا رفع دعاوى قد تقود المحاكم الأميركية لاستصدار قرارات بحجز الكثير من الأموال والودائع والأصول السعودية في الولايات المتحدة التي يقدرها بعض الخبراء بتريليون دولار سوف يمنع على المملكة وأمرائها التصرف بها بنتيجة الأحكام القضائية وبينما وجهت المملكة إنذارا استباقيا ببيع تلك الأصول إذا تلاحقت الإجراءات في الكونغرس وهو ما سيرتب مضاعفات كثيرة ومؤلمة على الجانبين السعودي والأميركي.
يأتي هذا التطور الساخن في العلاقات الأميركية السعودية في ظل تأزم كبير تعيشه المملكة نتيجة التحولات الصادمة في المنطقة والعالم وبعد فشل الحروب التي أشعلتها في خدمة خطط الهيمنة الأميركية وخصوصا في سورية واليمن وحيث تعيش المملكة في جو من القلق والتوتر بفعل تراجع الفورة النفطية الذي اضطرها لاتخاذ تدابير تقشفية كثيرة وبالتأكيد يتوقع ان يكون الموضوع مدار بحث بين الرئيس الأميركي وحلفائه السعوديين خلال زيارته المرتقبة للمشاركة في اجتماع مجلس التعاون الخليجي ويطرح السؤال هل ما يتصدر وسائل الإعلام الأميركية هو مؤشر على موجة ضغط اميركية لدفع المملكة في مسار التسويات ولانتزاع المزيد من الأموال ؟ أم إنه لم يبق لدى المملكة ما تقدمه لنجدة الاقتصاد الأميركي غير جزء من أصولها في الولايات المتحدة ؟ وقد حانت لحظة مناسبة بذريعة “مشروعة” لوضع اليد عليها مع تسارع التحذيرات من خطر انهيار مفاجيء داخل المملكة التي توقع تقرير لمعهد بوكينغز اختفاءها .
كانت المملكة السعودية ملتزمة طيلة عشرات السنين بعدم التصرف بودائعها وأصولها الأميركية لأنها منذ البداية حصة من عائدات النفط الضخمة وظفت لدعم الاقتصاد الأميركي وإذا توصلت واشنطن لتسوية سياسية ومالية مع الرياض فماذا ستفعل الإدارة في الضغوط الداخلية المتزايدة لذوي الضحايا بعدما باتت القضية قيد التداول العلني وعنوانا يوميا في وسائل الإعلام؟