مقالات مختارة

الخوف… من يسير خلفنا: ايتان هابر

 

في الزمن الاخير يشعر كل اسرائيلي يسير على قدمين هكذا: نحن نسير في الشارع في ساعة لا يكون فيها ضوء او ظلام، فيها ـ مع اعادة صياغة بكلمات بيالك: «بات ممكنا التمييز بين الازرق والابيض، بين الذئب والكلب» ـ ونسمع طرقات الخطى خلفنا. نحن لا ننظر إلى الوراء، كي لا تلتقي النظرات. من هذا؟ قد تكون لديه سكين في اليد؟ قد نشعر على الفور بلهيب تلك السكين تنغرس في قذالتنا؟ كيف يشعر المرء حين يحصل أمر كهذا؟ أليم؟ نموت على الفور؟

نحن نغذ الخطى مسارعين، ويخيل لنا دوما بان حتى المجهول من خلفنا يغذ خطاه ايضا. ننظر يمينا ويسارا، وليس إلى الوراء أبدا، فلعل ثمة احد ما في الجوار. ولكن في هذه الساعة المبكرة من الصباح، من سيأتي لنجدتنا؟ وعندها، يأتي لنا الخلاص: الشخص الذي كان يسير من خلفنا أدركنا في خطاه. ننظر اليه بطرف العين. يرتدي بدلة أنيقة، يبدو على ما يرام تماما. ولكن تفكير لحظي جدا يطرأ على عقولنا: لعله هكذا دوما يبدو القتلة؟ يلبسون باناقة؟ والان ينبغي الاستعداد للاسوأ. دور السكين حل. «عفوا»، يقول، «اين هنا شارع متسادا؟».

دوما تقريبا، بعد الحدث نحب أن نروي كم كنا ابطالا وكم أننا لم نخف. هناك من يميلون لان يرووا بان الملاك جبريل وقف إلى يمينهم، الملاك رفائيل على يسارهم وسور اسرائيل وخلاصه خلفهم. عندما سأل ذاك اياه أين شارع متسادا يتبين ان ذاك الذي سار خلفنا كان مهاجرا جديدا من روسيا، ولكننا نصر على أن نقول انه كانت له لكنة عربية. نحن لا نعرف عنه شيئا، ولكننا نصر على التفكير (والرواية، إذا كان لدينا من نروي له) بانه جاء هذا الصباح من رفح في قطاع غزة (والتشديد دوما على «غزة»)، او من قباطيا التي في السامرة (ودوما سيكون لنا ما نقوله عن المستوطنات). كان يحمل في يده كيسا من الخبز، وخيل لنا انه برز منه حد السكين.

لعل هذا هو المكان لان نستخدم باعادة صياغة القول الذي جاء في سياق آخر وزمن آخر لرئيس الوزراء نتنياهو: نحن «خ ا ئ ف و ن». إذا كان للانتفاضة الثالثة انجاز ما، فهذا هو الانجاز. استخدام الاطفال، في توزيع جغرافي وبالسكاكين جعلنا نخاف. وليس للهدوء النسبي في هذه اللحظة أي معنى. موجة الإرهاب تأتي، وموجة الإرهاب تذهب.

من المهم الاشارة إلى أن عرب المناطق واسرائيل ايضا، معا وكل على حده، خائفون. القصة على المخرب من تل روميدة، الذي تضرج بدمائه على الطريق دقائق طويلة قبل أن يطلق الجندي النار عليه، مرت من بيت إلى بيت. الجندي قد يذهب إلى السجن، وقد لا يذهب اليه، ولكن في نهاية المطاف الفلسطيني اياه مات.

هناك قدامى في اسرائيل يشتاقون للايام ما بعد حرب الايام الستة. العرب تخوفوا في حينه من كل ما بدا لهم يهوديا واسرائيليا. كان هنا من شعروا بذلك وأظهروا طابعهم البشع. فقد نكلوا بالعرب، سلبوا ونهبوا، اهانوا، عذبوا وحتى سطوا عليهم. كان هناك من شعروا باننا انتصرنا على من نهضوا لابادتنا وحاسبوا العرب «حتى النهاية». وبالتوازي، أخرجنا لانفسنا اسم جيش انساني، وكأن ثمة جيش أخلاقي ورحيم. في المظليين يروون حتى اليوم عن الملازم د. اوري فرند الراحل الذي هرع تحت النار ليولد امرأة اردنية، بينما كان رفاقه يحررون البلدة القديمة في القدس.

الاستنتاج الاهم الذي يتعين علينا أن نتعلمه مما يجري اليوم هو ان العرب في معظمهم كفوا عن الخوف. في عناصر القتال هذا معطى هام للغاية. وامثلة عن ذلك رأيناها في الانتفاضتين السابقتين وفي الحملات العسكرية الاسرائيلية فيما بينها ـ من السور الواقي وحتى الجرف الصامد. صحيح ان لكل واحد منا قصص اخرى تماما عن هؤلاء العرب، ولكن من المهم اعطاء الرأي في التغيير الذي طرأ لديهم. من يعتقد بانه من الجانب الاخر الكل انذال أو عديمي الحيلة، سيدفع ثمنا باهظا.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى