الأحزاب “الإسرائيلية” صورة طبق الأصل د . فايز رشيد
مثلما كان متوقعاً، ولحسابات حزبية داخلية بحتة، قام نتنياهو بحل الكنيست الحالية، وتحديد موعد لإجراء انتخابات تشريعية جديدة . بالطبع، تتسارع التحركات السياسية للقيام بتحالفات حزبية بين الأحزاب، لخوض الانتخابات، ومحاولة تحقيق أعلى نسبة من الفوز . حتى اللحظة فإن المؤشرات تشي بإمكانية إبرام اتفاق بين أحزاب: “العمل” و”كاديما” برئاسة شاؤول موفاز، و”الحركة” برئاسة تسيبي ليفني واحتمال انضمام حزب “يوجد مستقبل” برئاسة يائير ليبيد لهذا التحالف . استطلاعات الرأي في الكيان (آخرها استطلاع أجرته صحيفة “يسرائيل هيوم” الجمعة 5 ديسمبر/كانون الأول الحالي) تشي بأن، الحد الأقصى لقوة هذا الحلف في الكنيست القادمة سيكون بحدود 46 مقعداً . التحالف الثاني المحتمل: هو بين “الليكود” بزعامة نتنياهو، وحزب :”إسرائيل بيتينيو” بزعامة ليبرمان، مضافاً إليهما المتدينون المتزمتون . هذا التحالف سيحقق فوزا في الانتخابات، ويرشحه استطلاع الصحيفة للفوز ب 64 مقعداً، أي أن الفوز سيكون لمصلحة الاتجاه الأشد تطرفاً وفاشية في الكيان، وهذا ما أكدته كل الإحصاءات السابقة عن اتجاه الشارع الصهيوني .
بداية، فإن الوقت ما زال طويلاً، حتى موعد الانتخابات في 17 مارس/آذار المقبل، أي أننا سنكون خلال الفترة القريبة المقبلة أمام مناورات حزبية كثيرة، وانسحابات وانشقاقات، منها مثلاً: انسحاب موشيه كحلون من حزب الليكود، وتشكيله حزباً جديداً لم يعلن بعد عن اسمه، وترشح الاستطلاعات فوزه ب 10% من عدد مقاعد الكنيست، أي 12 مقعداً ولم يسم كحلون أعضاء كتلته النيابية . إمكانية تشرذم حزبي المستوطنين “البيت اليهودي” و”شاس”، والمنشقون عن الحزبين سيقومون: بتشكيل حزب مشترك جديد يخوض الانتخابات التشريعية المقبلة . جملة القول: إن المراقب غير قادر حالياً على إعطاء رأي محدد عن شكل التحالفات الحزبية المقبلة . كما أن من الممكن حدوث تجاذبات حزبية وسياسية تغير أيضاً من شكل التحالفات .
على صعيد آخر، ينشغل البعض من المحللين السياسيين، والحزبيين، والكتّاب، والصحفيين والمختصين العرب، باحتمالات فوز نتنياهو وتشكيل حكومته الرابعة (الثالثة على التوالي)، وانعكاس ذلك على الصراع العربي – الصهيوني، ويتمنون في دواخلهم نجاح تحالف ما يسمونه ب “التيار المعتدل” في الكيان . وفي الرد نورد بعضاً من الحقائق في الشارع “الإسرائيلي” منها أن التباينات بين كافة الأحزاب تتمحور في أغلبيتها حول: السياسات المتعلقة بالشأن الداخلي المحض .
أما التباينات حول السياسة الخارجية للكيان، وتحديداً حول رؤية الصراع، والتسوية مع الفلسطينيين والعرب فحقيقتها، أنها هامشية بين الأحزاب، وغالباً ما تتلاشى أمام اتفاقها على الموقف من الفلسطينيين والعرب ومن التسوية معهم، فالعداء لهم والتنكر لكل حقوقهم الوطنية، هو القاسم المشترك الأعظم الذي يوّحد أغلبية الشارع الصهيوني بأغلبية أحزابه . أغلبيتهم متفقون على جوهر التسوية وهو “الحكم الذاتي المنزوع من أية سيادة” للفلسطينيين، لكنهم مختلفون في أدوارهم على المسرح، فالبعض يقوم بحركات سياسية ناعمة بهدف إعلامي ليس إلا، حتى يقال: إن هناك حركة سياسية في المنطقة، ومن أجل أن يجري الحديث عن “الاستعداد “الإسرائيلي” الكبير للسلام” . إنها لعبة أدوار في مسرحية هزلية، ليس إلا . كل حكومات الكيان مجبولة على التطرف والشراسة منذ إنشائها وحتى اللحظة . وليس هناك من تمييز حقيقي فارق بين مواقفها ولا وجود مطلقاً لمصطلح “اليسار” في الكيان، فكون الأحزاب صهيونية فذلك ينفي صفة “اليسار” عنها . الاستثناء الوحيد “الحزب الشيوعي” فقط، لأن أغلبية أعضائه من الفلسطينيين العرب .
من الحقائق أيضاً، بأننا نسمي كل حكومة “إسرائيلية” أثناء عملها ب “أنها الأكثر تطرفاً” من سابقتها، التي تم وصفها في حينه بأنها الأشد تطرفاً، تماماً مثلما نقول عن الإدارات الأمريكية وإن كل إدارة فيها رئيس جديد، هي الأخلص ل”إسرائيل”، الحقيقة تتمثل فيما: أن كافة الحكومات “الإسرائيلية” هي متطرفة . تطرفها ينبع من اعتناقها للإيديولوجيا الصهيونية . على الصعيد السياسي فإن بعض قادة الأحزاب “الإسرائيلية” يحرص على ارتداء قفازين من حرير يغطي بهما قبضتيه الحديديتين، يقول كلاماً ناعماً وكأنه (يعشق السلام) لكنه في حقيقة أمره، غاية في التطرف، خذ مثلاً، نتنياهو ووزير الخارجية ليبرمان . حكومات الكيان كلها مجبولة على التطرف والشراسة منذ إنشائها وحتى اللحظة . ما يميز الحكومات الأخيرة، أن الأحزاب الأكثر تطرفاً وفاشية، والممثلة لعتاة المستوطنين والدمويين الأكثر حقداً على كل من هو فلسطيني وعربي وإنساني ستحقق المزيد من النجاحات في الانتخابات التشريعية المقبلة .
ولنتعظ من التحولات الحقيقية الجارية في الكيان، ولنضع احتمالات الخطر الممكنة ليس على الفلسطينيين فحسب إنما على الأمة العربية بأكملها، وجوداً ومصيراً، أمناً وأرضاً واستقراراً . ذلك أفضل من الانشغال بأي من التحالفات سيفوز بمقاعد تؤهله لتشكيل حكومة الكيان القادمة .
(الخليج)