نقاش في الانتخابات السورية
غالب قنديل
نطالع كثيرا من التنظير على السوريين بمناسبة انتخاباتهم التشريعية التي تتخذ صفة وطنية حاسمة في زمن العدوان الاستعماري الذي يستهدف استقلال سورية وسيادتها وثمة من يعاين التجربة السورية بمقاييس معلبة فيغمز من ديمقراطية هذه الانتخابات التي لوحظ اتساع الإقبال على الترشح إليها وهو ما يعني رسوخ التعددية السياسية والحزبية وإقبال شرائح عريضة في المجتمع على خوض التجربة الانتخابية وفقا لما جرى من تعديلات على الدستور وقانون الانتخاب وقانون الأحزاب.
حجم الأحزاب الجديدة التي أعلن عنها ومقدار شعبيتها أمر له صلة بقدرتها على جذب الأنصار والمؤيدين على أساس برامجها وهي لاتزال عموما تجمعات صغيرة فعلى الرغم من التحفيز الحكومي لتأسيس منظمات وأحزاب جديدة لم تظهر قوى شعبية وازنة الحضور في الواقع السياسي من خارج ما كان يعرف بأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية باستثناء ما أبرزته الأحداث من وزن جماهيري للقوميين السوريين بتشكيلاتهم الحزبية المتعددة ولا تضاهيهم من حيث الحجم والتأثير قوى تقدم نفسها معارضة كمثل ناصريي هيئة الإنقاذ ويساريي جبهة التغيير الذين يحاولون بمقاطعة الانتخابات احتلال موقع “أقصى المعارضة ” السياسية وخيار المقاطعة هنا يخدم الواجهات المرتبطة بالخارج والتي تعتبر العملية السياسية طريقا لنقل السلطة إليها بقوة الراعي الأميركي الخليجي التركي بينما هي لا تمتلك أي سطوة على محاربي الفصائل المتطرفة التي تخرج من وقف العمليات القتالية تباعا بالأمر السعودي التركي وهذه الواجهات تعتبر ان على الدولة الوطنية ترك موعد الانتخابات لما بعد التوصل إلى تفاهمات في مفاوضات جنيف السورية بينما منطق الدولة الوطنية يقول بعدم الربط بين الأمرين : الانتخابات والعملية السياسية فصمود الدولة الوطنية يرتبط باحترام المواعيد الدستورية وبإجراء الانتخابات وحين يتم التوصل إلى اتفاق سياسي سيكون من اليسير إجراء المقتضى الدستوري والقانوني في حينه على صعيد الانتخابات النيابية.
لا بد من رسوخ التجربة السياسية واستقرارها لسنوات حتى تقود إلى تبلور واقع حزبي وسياسي جديد وفي ضوء قدرة القادة والزعماء السياسيين على ملامسة المصالح الشعبية واستقطاب المناصرين وهي مباراة سياسية وإعلامية يحتكم في حصيلتها إلى صناديق الاقتراع وهذا اختبار حقيقي وغير يسير يواجه حزب البعث نفسه في اختبار تجدد لغته السياسية وإبراز الكوادر الذين اجتازوا الاختبار في التصدي للعدوان واظهروا التصاقا بالجماهير فكسبوا ثقتها.
إضافة إلى ما يشبه الإجماع السياسي حول الدولة الوطنية السورية في خيارها القومي والوطني ومعركتها ضد العدوان الاستعماري وقوى التكفير يتركز الخطاب الانتخابي على عناوين اقتصادية اجتماعية تطال أمورا كالفساد وارتفاع الأسعار وتعثر الخدمات العامة تمثل اولويات راهنة في الشارع السوري وحيث يتركز النقد على السلوك الحكومي في إدارة الاقتصاد والخدمات والمرافق العامة في زمن الحرب الذي يطغى على وجوه الحياة السورية وله ما يفسره في الحرب نفسها.
تثبت التجربة التاريخية وجود خصوصيات وطنية في كل بلد تطبع تجربته السياسية واستحالة إملاء النماذج والطرق التي يجري بها تداول السلطة السياسية عبر الانتخاب او تلك التي تميز التشكل السياسي المتعدد وقد أبرزت تجربة ربع القرن الماضي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ان الوصفات الأميركية المعلبة حول الديمقراطية والانتخابات ليست سوى أداة لفرض التبعية الاستعمارية ولضرب إرادة الاستقلال الوطني فالغريب والمستهجن هو أنه بالتزامن مع خطط مزعومة لنشر الديمقراطية في العالم تتمسك الإمبراطورية الأميركية نفسها بنظام انتخابي هو الأشد تعقيدا وبيرقراطية والأبعد عمليا عن فكرة الانتخاب المباشر بحيث يوضع القرار الأخير في ما يدعى بالمجمع الانتخابي الذي يجري تكوينه وفقا لسلم تمييزي بين الولايات الأميركية واحجامها التمثيلية ومكانتها في الدولة الاتحادية وهو سلم معياري موروث من زمن الحرب الأهلية ويغلب على جوهره العميق أثر التمييز العنصري الباقي خلف ستار الكثير من مظاهر الحياة السياسية الأميركية.
لمن يحاكمون الانتخابات السورية الجارية اليوم بغير المعايير الواقعية ودون اعتبار لخصوصية المعركة الوطنية الاستقلالية نقول : واشنطن ليست عاصمة جمهورية أفلاطون ولا حصانة لها في الديمقراطية وتطبيقاتها النخبوية بما يعطيها حق الوعظ والتبشير والبلهاء الذين يفترضون ذلك مستلبون بدعاية إيديولوجية ينشرها الغرب مستثمرا في حقول العته السياسي والشبك التجسسي والارتهان النفطي داخل ما يسمى بالنخبة العربية التي يتصدرها سماسرة وعملاء.