عن المبادرة الفرنسية: شمعون شتاين وشلومو بروم
منذ بداية 2014، في أعقاب فشل محاولات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التوسط لاتفاق إسرائيلي ـ فلسطيني، تسعى فرنسا لأن تملأ الفراغ الناشيء مع قرار الادارة الأمريكية الامتناع عن محاولة اخرى لاحياء المسيرة السياسية الإسرائيلية ـ الفلسطينية وتعمل على نحو حثيث بهدف استئناف المسيرة بمبادرتها.
في إسرائيل يسمع الادعاء بان مصدر سلسلة المبادرات الفرنسية التي اطلقت في السنتين الاخيرتين يعود إلى التطلع الشخصي من جانب وزير الخارجية الفرنسي المنصرف، لوران فابيوس، لان يخلف إرثه على السياسة الخارجية الفرنسية. ولكن المبادرة بقيت بعده ايضا ويبدو أنها في اساسها نتيجة احباط مستمر وانتقاد للجمود السياسي (الموجه أساسا ضد سلوك حكومة إسرائيل)، نتيجة تخوف من استمرار الوضع الراهن دون أن يلوح منظور ما لاستئناف المفاوضات الثنائية بين إسرائيل والفلسطينيين، وكذا نتيجة العنف في المناطق، والذي لا تبدو له نهاية. بل ويحتمل أن تكون اعتبارات سياسية داخلية هي التي تدفع الحكم الفرنسي لان يبدي هذا النشاط.
منذ نهاية 2014 قررت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي المداولات التي سبقت التصويت اوضح وزير الخارجية فابيوس بانه إذا فشلت الجهود لايجاد حل سيتعين على فرنسا «ان تؤدي واجبها» فتعترف بفلسطين بلا ابطاء. وفي مناسبة اخرى، عندما بحث في الاقتراح لعقد مؤتمر في صيف 2016 للبحث في حل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بهدف الوصول إلى اتفاق على حله في غضون سنتين، أوضح فابيوس بانه إذا لم يسوي الطرفان حتى ذلك الحين خلافات الرأي بينها فان فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية. وكتعبير عن تصميمها فكرت فرنسا في كانون الاول 2014 ان تتقدم بمشروع قرار إلى مجلس الامن في الامم المتحدة، كان يفترض به أن يفصل جدولا زمنيا للمفاوضات ويحدد موعدا نهائيا لاقامة دولة فلسطينية. وقد سحبت الفكرة في أعقاب قرار الفلسطينيين العمل على اقرار مشروع قرار آخر في مجلس الامن، يضع هدف الانسحاب الإسرائيلي في غضون سنتين. في بداية 2015 عادت وطرحت الفكرة، حين أعلنت فرنسا عن نيتها الشروع في محادثات في مجلس الامن بغاية تبني مشروع قرار جديد حول استئناف المفاوضات بين الطرفين. وحتى عن هذه النية تراجعت فرنسا في أعقاب ضغط مارسته إسرائيل وقد فعلت ذلك بدعوى المعارضة لفرض حل من الخارج، ولكن ايضا كنتيجة لتحفظات فلسطينية على مضمون مشروع القرار المقترح.
لقد كانت زيارة وزير الخارجية فابيوس في حزيران 2015 في إسرائيل وفي السلطة الفلسطينية جزء من الجهد لتحقيق اجماع دولي لاتخاذ قرار في مجلس الأمن يفصل مبادئ المفاوضات في ظل تحديد جدول زمني للمحادثات بين الطرفين، تجري في اطار دولي ينعقد لاطلاق المحادثات.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي رفض المبادرة للعمل على مشروع قرار في مجلس الأمن، كرر موقف إسرائيل حول الحاجة إلى مفاوضات مباشرة دون محاولات اكراه. اما الطرف الفلسطيني، بالمقابل، فقد أعرب عن تأييده للخطوة، والتي تخدم فكرته بشأن تدويل النزاع وتدخل الاسرة الدولية في حله.
اما الولايات المتحدة، التي لم ترفض على ما يبدو المشروع الفرنسي رفضا باتا، فقد أوضحت بانها غير معنية في البحث في مسألة المسيرة السياسية في الشرق الأوسط حتى انتهاء المفاوضات في موضوع النووي مع إيران. فابيوس، انطلاقا من الوعي بأهمية موقف الولايات المتحدة، أوضح بان فرنسا لن تطرح مشروع قرار في مجلس الأمن إذا كانت واثقة من أن الولايات المتحدة من جهتها ستسخدم الفيتو ضده. وفي مناسبة أخرى رد فابيوس الادعاء بان فرنسا مصممة على العمل على نحو مستقل وكرر الدور المركزي الذي أدته وتؤديه الولايات المتحدة في ايجاد حل للنزاع.
في شباط 2016، قبل وقت قصير من اعتزاله، اعلن فابيوس بان فرنسا تعتزم عقد مؤتمر دولي في تموز من ذات السنة، بهدف اعادة تحريك المسيرة وانقاذ حل الدولتين.
ويفترض بالمؤتمر ان يكون المرحلة الثالثة في المبادرة، فيما أن المرحلة الاولى ستتضمن المشاورات مع الطرفين ومحافل اخرى في المنطقة وخارجها، وفي اعقاب ذلك، حتى ايار على ما يبدو، يفترض أن تعقد لقاءات تمهيدية لمجموعة المتابعة لاعداد المؤتمر. وكدليل على ان هذا ليس مجرد طموح شخصي لفابيوس، بل هي مبادرة يدعمها الرئيس الفرنسي ايضا ووزير الخارجية الوافد، جان مارك ايرو، تبناها هو الآخر.
بعد وقت قصير من تسلمه مهام منصبه عقد ايرو زيارة إلى عدد من الدول العربية لنيل تأييدها لجهود استئناف المفاوضات حسب الخطة وأوضح في اثنائها بان فرنسا لن تعترف تلقائيا بدولة فلسطينية إذا ما فشل المؤتمر الذي تنوي عقده. وعلى حد قوله، فان هدف فرنسا هو تجنيد الأسرة الدولية لتأييد الحل الوحيد الممكن، أي حل الدولتين، فيما أن الاعتراف بدولة فلسطينية ليس شرطا مسبقا لعقد المؤتمر، فضلا عن أنه لا يمكن استبعاد هذه الامكانية.
وبقراره هذا الغى أيرو نية سلفه، مثلما اعلن عنها في اثناء مؤتمر صحافي مشترك عقده فابيوس مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل، للاعتراف بدولة فلسطينية إذا ما فشلت محاولة اعادة تحريك المسيرة السياسية ـ النية التي اثرت انتقادا حادا من جانب نتنياهو، والتي وصفها حتى بـ «الغريبة».
واستمرارا لزيارة وزير الخارجية ايرو إلى الدول العربية وكجزء من الجهود لتطبيق المرحلة الاولى من المبادرة ثلاثية المراحل ـ المشاورات مع الاطراف ذات الصلة ـ عين كمبعوث له هو بيير فيمونت، دبلوماسي مقدر وخبيرة، سبق أن زار المنطقة، وعقد محادثات في عدة عواصم في الاتحاد الأوروبي وفي واشنطن ايضا. ويمكن ان نفهم من محافل أوروبية مطلعة على هذه المشاورات بان الخطة الفرنسية ليست متبلورة بما يكفي وانه لم يكن لدى فيمونت اجوبة واضحة على اسئلة محددة طرحت عليه. وعليه، ففي بعض من العواصم الأوروبية، فضلوا الانتظار لتلقي تفاصيل اخرى قبل أن يحددوا موقفا في هذا الشأن. كما علم أنه في المحادثات التي اجريت في واشنطن لم يتلقَ فيمونت مؤشرا على موقف الولايات المتحدة في المسألة. يبدو إذن أن فرنسا ستجد صعوبة في ان تلتزم بالجدول الزمني الذي قررته لتطبيق لقاء مجموعة المتابعة، فما بالك بالهدف الطموح لعقد مؤتمر لتحريك المسيرة في الصيف القريب القادم.
في ضوء ذلك من الصعب تقدير فرص المبادرة الفرنسية للاقلاع. نجاحها متعلق، كله او بعضه بعدد لا بأس به من العوامل، لا تأثير لفرنسا عليها او قدرة على فرض سياستها عليها.
المبادرة ثلاثية المراحل تعبر عن احساس بان النهج الذي قادته الولايات المتحدة بشكل حصري حتى اليوم فشل، وانه يجب محاولة تبني نهج مختلف، في مركزه تبني مشروع قرار في مجلس الامن. ويحل مشروع القرار هذا عمليا محل قراري 242 و 338، وسيتضمن مبادىء لحل النزاع من خلال اقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وتشكيل مجموعة دعم دولية تساعد الطرفين وترافقهما في اثناء المفاوضات. هذه المجموعة، التي ستحل محل الرباعية، ستضم حسب الاقتراح الفرنسي، فضلا عن اعضاء الرباعية، بعض اعضاء الاتحاد والدول العربية ايضا.
واضح أن موقف الولايات المتحدة حرج لنجاح المبادرة. وفي هذا السياق تجدر الاشارة إلى أن ما قاله مؤخرا الرئيس اوباما حول الشرق الاوسط (في المقابلة مع جيفري غولدبرغ من مجلة أطلنتك) كفيل بان يؤدي بفرنسا إلى الاستنتاج بان الادارة الحالية قد لا تستخدم الفيتو على مشروع القرار، الذي سينسق مضمونه وتوقيته معها. وبالنسبة لإسرائيل، واضح ان المبادرة الفرنسية تتعارض وموقف الحكومة، وذلك حتى بعد أن ازيلت العلاقة التي بين فشل المؤتمر او عدم انعقاده وبين الاعتراف بدولة فلسطينية.
ولكن حتى فشل المبادرة الفرنسية لا يعني نهاية الجهود الدولية لتحقيق حل للنزاع. فالمبادرة تعكس القلق الذي يشارك فيه الكثيرون في الاسرة الدولية بان الطريق المسدود قد يؤدي إلى نهاية امكانية تحقيق حل الدولتين والذي بغيابه، كما يرون، سيستمر الصراع وسفك الدماء بين الطرفين.
ان الوضع الراهن السياسي، إلى جانب استمرار العنف في المناطق والخوف من التصعيد، كل هذا يضمن وضع مبادرات دولية اخرى، بما فيها امكانية مبادرة جديدة من الرئيس اوباما في الفترة الزمنية التي بين الانتخابات للرئاسة في الولايات المتحدة وبين تسلم الادارة الجديدة.
ان المبادرة الفرنسية تجسد مرة اخرى حقيقة أنه بغياب قرارات إسرائيلية ومبادرات إسرائيلية، فان مآل الفراغ ان يمتلىء باقتراحات من جهات اخرى، لن تلبي بالضرورة احتياجات إسرائيل.
فضلا عن ذلك، فانه ليست مضمونة الحماية الدبلوماسية الأمريكية في وجه مثل هذه الاقتراحات، حين يسود في الأسرة الدولية احساس بأن العائق الاساس امام التقدم نحو الاتفاق هو الرفض الإسرائيلي. وعليه، فان السبيل الأكثر نجاعة لمواجهة هذه التحديات هو اقتراح مبادرات إسرائيلية، تتضمن خطوات لاستئناف المفاوضات، اقتراحات لتغيير صيغة المحادثات ومواضيعها، وكذا خطوات احادية الجانب في اتجاه التسوية.
نظرة عليا