بقلم غالب قنديل

نايل سات والموقف المصري

غالب قنديل

نايل سات هي شركة مملوكة بالكامل من الدولة المصرية وقراراها الإداري هو قرار سياسي مصري مئة بالمئة والخطوة التي اتخذت بوقف بث قناة المنار هي قرار صدر في القاهرة وبيان الشركة الذي شرح الحيثيات لم يقدم حجة واحدة منطقية تفسر ماجرى او رواية يمكن الاتكال عليها لتبرير تدبير تعسفي جاء استجابة للضغوط السعودية والأميركية .

فالكلام عن بث القناة لتقرير اليونيسيف حول الأطفال القتلى نتيجة الغارات السعودية على اليمن او عرضها لتقرير دولي آخر عن التعذيب في المملكة السعودية هو تعبير عن الأسباب الفعلية لقرار نايل سات مؤداه معاقبة المنار على عدم تقيدها بالتعتيم المطلوب على اخبار ومواقف تزعج المملكة السعودية التي تعمل لتعليب الرسالة الإعلامية العربية وإخضاعها لمصالحها ولسياساتها التي تفتك بالوضع العربي كما يجري في دعمها للإرهاب التكفيري في سورية وفي عدوانها على اليمن عدا عن تصميمها على حجب انتفاضة فلسطين ومقاومتها الفتية عن الراي العام العربي كما هو الحال في منصات البث الفضائية الممنوعة عن قنوات المقاومة والمفتوحة امام قنوات التكفير والفتنة ومسارح اللهو والعبث والإثارة والخصي الثقافي.

مطالبة القنوات التلفزيونية بحجب تقارير لمنظمات دولية تعنى بحقوق الإسنان عن اليمن وشبه الجزيرة العربية تحت طائلة منعها من البث هو جوهر القرار الذي اتخذته نايل سات وقبلها شركة عرب سات وفحوى هذا القرار مصادرة كل النوافذ الإعلامية الكاشفة لوقائع في شبه الجزيرة العربية واليمن ومنع أي خبر او معلومة عن أي جهة صدرت تكشف تلك الحقائق امام الراي العام العربي الذي يحظر عليه الاطلاع والمعرفة بوقائع متاحة ومنشورة عالميا على اوسع نطاق لأنها صادرة عن جهات دولية رسمية فرسالة وقف بث المنار كما قدمتها الشركة المصرية جهارا : ممنوع على المشاهد العربي اخذ العلم بعدد القتلى من ضحايا العدوان على اليمن او ضحايا التعذيب في السجون السعودية اما العنوان الذي اختارته الشركة كذريعة فلا يمت بصلة إلى مضمون ما فصلته من وقائع فأين إثارة النعرات في بيان اليونيسيف او في غيرها من المنظمات العالمية لحقوق الإنسان مع العلم ان الميزة الفارقة في محتوى رسالة المنار الإعلامية هي التبشير بالإخاء والشراكة بين المؤمنين من جميع الديانات والمذاهب ومقاومة التطرف والعصبيات والتصدي للعنصرية الصهيونية وللخطاب التكفيري ولكل دعوات الفتنة المذهبية والطائفية بجميع نسخها وتعبيراتها.

إذا كان التحكم السعودي بشركة عربسات يفسر قرارها ضد المنار رغم كون المملكة تمارس سلطتها على الشركة خلافا لقواعد عملها النظامية بوصفها “اتحاد اإذاعات الدول العربية” الاسم الأصلي للمؤسسة التي تساهم فيها الدولة اللبنانية نظريا ولم تتحرك بحقوق العضوية لتعترض على حجب المنار فإن شركة نايل سات مصرية بالكامل وهي تعكس في قرارها وحيثياته التي تشكل فضيحة كاملة قرارا مصريا بالخضوع للمشيئة السعودية وهذا ما ينسف جميع الروايات التي يتناقلها متحمسون عن همس الكواليس والصالونات القيادية المصرية بالتصميم على تمسك القاهرة بمسافة تفصلها عن خنادق الحروب السعودية المدمرة في المنطقة وبصورة تضمن تمايزا مصريا واضحا في الموقف السياسي والعملي من الحروب السعودية المتنقلة خصوصا في سورية واليمن.

الرسالة التي وجهتها القاهرة بقرار إنزال قناة المنار عن قمر نايل سات تنفي الصورة التي سعت القيادة المصرية إلى تقديمها عن مواقفها وخياراتها في الواقع العربي خارج الاستقطاب العدائي الذي تقوده المملكة السعودية وهي صورة كانت موضع تساؤل بعدما جرى في مجلس الجامعة بدون أي اعتراض مصري على وسم للمقاومة بالإرهاب.

طوال الفترة الماضية تبارى العديد من السياسيين في لبنان بترويج صورة عن مواقف وخيارات القيادة المصرية تبشر بتبنيها للعروبة كهوية ولنهج مستقل عن الهيمنة الأميركية ومنظومتها الصهيونية الرجعية في المنطقة وبالغ بعضهم بالذهاب إلى الحديث عن انبعاث الناصرية على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي وهم كانوا يلتمسون الأعذار للقاهرة في مسايرتها للسلوكيات السعودية العدائية بسبب متاعبها الاقتصادية والمالية وحاجتها إلى المعونات والهبات نتيجة الظروف المصرية الصعبة وقد تعاملت قيادة المقاومة بإيجابية مع تلك الوعود التي تبلغتها ونقلها حلفاء وأصدقاء لبنانيون خفتت اصواتهم كثيرا في الدفاع عن المقاومة ضد الافتراءات التي استهدفتها منذ قرارات مجلس التعاون الخليجي ومجلس الجامعة ضد حزب الله فهل سيتخذ هؤلاء موقفا من وقف بث قناة المنار وهل سيذهبون إلى القاهرة لإبلاغ احتجاجهم على إسكات قناة وقفوا يشيدون بها مرارا ويؤكدون على دورها في نصرة قضية فلسطين ونشر ثقافة المقاومة ؟.

لقد مارست القيادة السورية وقيادة حزب الله أقصى درجات الحرص مع القاهرة وتحاشت إحراج السلطات المصرية او مطالبتها بأي موقف يخرج عن حدود قدرتها التي رسمتها بنفسها اما ان تتحول السياسة المصرية نفسها إلى تنفيذ المشيئة السعودية كما حصل في قضية المنار فهذا تصرف غير حكيم يرسم إشارات استفهام كثيرة وهو يفترض بالرواة والمبشرين ان يعودوا بأجوبة ومواقف واضحة من جانبهم على الأقل إذا فشلوا في إقناع القيادة المصرية بالتراجع عن خطوة عدائية مستهجنة ومرفوضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى