بقلم ناصر قنديل

الانتخابات الرئاسية المُبكِرة

ناصر قنديل

– قدّم مشهد الطوفان الشعبي في الانتخابات الرئاسية السورية قبل عامين، ما يكفي ليعترف العالم بأنّ الرئيس السوري بشار الأسد لا يواجه معضلة في شرعيته الشعبية تستدعي الاحتكام لانتخابات رئاسية مبكرة، فإذا كان وجود أغلبية تنتخبه في مناطق سيطرة الدولة السورية ومؤسساتها موضع أخذ وردّ في ظروف حدوثه ودرجة توافر شروط الحرية والنزاهة فيه، فإنّ السوريين الذين زحفوا لمنحه أصواتهم بعشرات الآلاف نحو مبنى السفارة السورية في الحازمية شرق بيروت، هم كما تقول تقارير المنظمات الأممية والجمعيات اللبنانية التي تهتمّ لأمرهم، من الذين يفترض أنهم تركوا بلدهم إما لعجزهم عن الاستمرار في مناطق تسيطر عليها مؤسسات الدولة، خشية تعرّضهم للملاحقة بسبب مواقفهم المعارضة، أو من سكان المناطق الواقعة خارج نطاق سيطرة الدولة وجيشها والمعرّضين لمخاطر الحرب التي يخوضها الجيش لاستردادها. وبالتالي هم وفقاً للتوصيف المجمع عليه جمع ناقم على الدولة التي يشكل الرئيس الأسد رمزها، والانتخابات في لبنان حيث الإعلام الفاعل عموماً معادٍ للدولة السورية، وساخر مما يسمّيه مهزلة الانتخابات، بما في ذلك بعض المؤسسات الإعلامية الصديقة للمقاومة، وفي لبنان قيادة الحكم بيد قوى الرابع عشر من آذار التي خاضت بشراسة معركة إسقاط الدولة في سورية وجاهرت باستيعاب مَن أسمتهم فائض ضحايا «الثورة» في سورية، وفي أسوأ التحليلات يشكل التوازن اللبناني بين مؤيدي ومعارضي الرئيس الأسد بيئة نموذجية لحرية النازحين السوريين في ممارسة خياراتهم الانتخابية.

– المشككون بصدق الحديث عن شعبية الرئيس السوري وشرعيته، هم الذين يُفترض أن يجعلوا التحدّي بينهم وبينه تحت شعار مطالبته بقبول الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة تحسم الجدل حول مَن يريد السوريون، وتنهي حمّام الدم الذي يفترض أو يدّعي الكثيرون أنه يجري بين الدولة السورية ومعارضيها، وتمنع دخول تنظيمات إرهابية على خط الاستغلال وفقاً لتوصيف وزيرة الخارجية الأميركية السابقة والمرشحة الرئاسية الحالية هيلاري كلينتون، في تفسيرها لتدفق مقاتلي تنظيم «القاعدة» إلى سورية بالقول إنّ الأصل هو بطش أجهزة الدولة بشعبها، وما يترتب عنه من غضب متعدّد الوجوه، يحمل معه تطرفاً معاكساً لا يعدو كونه ردّ فعل مفهوم سيزول بزوال أسبابه، فطالما كلّ خصوم الدولة ورئيسها من واشنطن إلى حسن عبد العظيم يوصفون ما تشهده سورية منذ خمس سنوات بأزمة تختصرها الرئاسة السورية، ويرون الباقي تداعيات جانبية وفرعية، من حضور الإرهاب وفروعه إلى التدخلات الخارجية التي جعلت سورية ساحة للصراعات الدولية والإقليمية وعقدت أزمتها أكثر وأكثر، لماذا لم نسمع أحداً منهم يتحدّث عن أنّ الحلّ هو في اللجوء إلى انتخابات رئاسية مبكرة، في ظروف وشروط وضمانات تتيح لها أن تحمل إلى الرئاسة مَن يريده السوريون، وتكون الضمانات والشروط والظروف هي موضوع التفاوض، هذا من الزاوية المبدئية. أما من الزاوية المصلحية، فالسؤال للمعارضين المفترض أنهم حريصون على شعبهم ويريدون حقن الدماء وتوفير التضحيات، ويشكون من عدم توازن القدرات بينهم وبين الدولة التي يخاصمون رئيسها في الميدان العسكري، وواثقون من اختلال معاكس في الميدان الشعبي، وطالما هم أيضاً واثقون من أغلبية كاسحة من الشعب السوري ستقف معهم بمجرد أن تتاح لها الفرصة، فلماذا لم ينادوا بانتخابات رئاسية مبكرة، ويجعلوا محور العملية السياسية منذ مهمة كوفي عنان عام 2011 في كيفية توفير هذه الفرصة للسوريين؟

– قد يسأل البعض لماذا لما يبادر الرئيس وفريقه لتقديم هذا الطرح سابقاً، والجواب سهل وبسيط، يطالب بالسؤال مَن يوافق على توصيف الأزمة كحرب بين موالاة ومعارضة، أما مَن يقول منذ يومها الأول إنها في القرار حرب عالمية إقليمية لتغيير موقع سورية في الجغرافيا السياسية للمنطقة، وإنها في الميدان حرب يخوضها الإرهاب بالوكالة عن أصحاب القرار الدولي والإقليمي من جهة، حتى يتمكّن ويتجذّر ليخوضها عندها بالأصالة عن نفسه ليخطف سورية إلى ضفة ثالثة في الجغرافيا السياسية للمنطقة، هي غير الضفة التي تقف عليها كقاعدة لخيار المقاومة، وغير الضفة التي يريدها أصحاب قرار الحرب، وتصير قاعدة الإرهاب نحو أوروبا غرباً وروسيا شمالاً والصين شرقاً، ومَن يكون هذا توصيفه لا يكون العلاج الذي يعرضه انتخابات رئاسية مبكرة، بل حرب ضروس تثبت موقع سورية في الجغرافيا السياسية كقلعة مقاومة، وتحميها من خطر الإرهاب لتقدّمها نموذجاً يحمي العالم من مخاطره الداهمة، وعندما يتحقق لها ذلك وتتحقق من بلوغ رسالتها هذه يأساً من الرهان على إسقاطها لدى أصحاب قرار الحرب عليها، وشعوراً بالتشارك بخطر الإرهاب ورغبة بالتعاون لمحاربته، وثقة بقدرتها على قيادة هذه الحرب، عندها تصير سورية ورئيسها معنيّين بتسهيل الانخراط معها على خصوم الأمس وشركاء الغد بتقديم وصفة تريحهم من أعباء وقيود شعارات رفعوها وباتت قيوداً وأغلالاً تحول بينهم وبين موقعهم الطبيعي المقبل، لذلك ليست الدعوة مجرد صدفة توقيت بعد النجاح الباهر والمثال المبهر اللذين حملتهما معركة تدمر بكلّ ما حملت من معانٍ وأبعاد وأجوبة ونموذج وخارطة طريق.

– استعداد الرئيس بشار الأسد لانتخابات رئاسية مبكرة نصف النصر الذي تحقق في تدمر.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى