اشتباك «التشريع»: خطوط تماس تشطر الدستور!: عماد مرمل
شاءت الأقدار أن تتأجل جلسة طاولة الحوار الوطني التي كانت مقررة اليوم الى موعد آخر، بسبب وفاة والدة الرئيس تمام سلام (تميمة مردم بك ابنة الأسرة الدمشقية العريقة)، لكن الملفات الخلافية «المعمّرة» بين أقطاب الطاولة تبدو من أعمارها طويلة جداً تقاوم الحلول وتستنزف اللبنانيين، من دون هوادة .
ومن بين الملفات المستعصية العائدة من تحت الطاولة الى فوقها، مسألة «تشريع الضرورة» التي كان الرئيس نبيه بري يتهيأ لطرحها على المتحاورين، على قاعدة أن «الأمن التشريعي القومي» الذي أملى عقد جلسة تشريعية سابقة في ظل غياب رئيس الجمهورية، هو ذاته يملي حاليا تكرار السيناريو، استناداً الى الأسباب الموجبة ذاتها.
لكن المفارقة أن «خط الاستواء» السياسي الذي كان يفصل بين المواقف المتعارضة حيال مبدأ التشريع وسط الشغور، في المرة الماضية، عاد ليمتد بين ضفتي الـ «مع» والـ «ضد»، وكلٌ يتسلح بالدستور لتبرير موقفه وتحصينه، في إشارة إضافية الى أن الدولة في لبنان هي مزرعة.. بدساتير كثيرة.
وبينما يتخبط الحوار الداخلي بمآزقه، فضّل الرئيس سعد الحريري حواراً من نوع آخر، مع عاصمة تساهم في صناعة القرار الفعلي، «لأنك إذا أردت ان تعرف ماذا سيجري في بيروت فقد بات عليك ان تعرف ماذا يجري.. في موسكو». ومن المقرر ان يلتقي الحريري اليوم في العاصمة الروسية وزير الخارجية سيرغي لافروف، يرافقه وفد يضم الوزير نهاد المشنوق والمستشار غطاس خوري ومدير مكتب رئيس «المستقبل» نادر الحريري.
وفي انتظار اتضاح اتجاهات الريح الدولية والإقليمية، أعادت «السفير» تظهير حقيقة مواقف اقطاب الحوار من «تشريع الضرورة» الذي يتقدم على جدول الأعمال المحلي، فكانت هذه الحصيلة التي تعكس انقساماً حاداً يتجاوز في دلالاته إطار عمل مجلس النواب الى بنية النظام الهشّة التي تفرز مع كل «فصل» سياسي أزمة جديدة.
السنيورة.. والمثل الشعبي
فقد أكد الرئيس فؤاد السنيورة لـ«السفير» تأييد «كتلة المستقبل النيابية» مبدأ «تشريع الضرورة»، كما كان موقفها في السابق، لأنه لا يمكن القبول بتوقف عجلة الدولة عن الدوران.
وحول الاعتراضات من قبل البعض على عقد جلسة تشريعية، في ظل غياب رئيس الجمهورية، أشار الى ان «تيار المستقبل» يشدد في أدبياته السياسية على أن الأولوية هي لانتخاب الرئيس، لكن، أما وإن ذلك لم يحصل بعد، فهل نعطل المؤسسات الدستورية الأخرى؟
وأضاف: إن واقع الحال ينطبق عليه المثل الشعبي القائل: «صحيح ما تقسم، ومقسوم ما تاكل، وكول لتشبع».. ممنوع انتخاب الرئيس وممنوع التشريع.. فما هو المسموح؟
جنبلاط: مع التشريع
وقال النائب وليد جنبلاط لـ «السفير» إن المشهد اليوم يشبه كثيراً ذاك الذي كان سائداً عشية الجلسة التشريعية في العام الماضي، لافتاً الانتباه الى انه لا بد من عقد جلسة جديدة، على قاعدة «تشريع الضرورة» التي اعتمدت سابقاً، لأن هناك مشاريع ملحّة وحيوية ينبغي إقرارها.
وأشار الى اهمية العرض المقدم من الأمم المتحدة والبنك الدولي لمنح مبالغ من أجل تحسين أوضاع النازحين السوريين والمحيط اللبناني المضيف، مشدداً على وجوب عدم إضاعة هذه الفرصة.
وتعليقاً على تخوف «التيار الوطني الحر» من توطين اللاجئين السوريين، قال جنبلاط: أنا لا أرى توطيناً، ولا أجد مبرراً للذهاب الى النظريات القصوى، وأعتقد أنه عندما تستقر الأوضاع في سوريا فإن اللاجئين سيعودون اليها.
وحول قانون الانتخاب، لاحظ ان الاتفاق حوله لا يزال متعذرا، ولذلك فمن الافضل اعطاء الاولوية لانتخاب رئيس الجمهورية، حتى يكون له رأي في قانون الانتخاب.
وعن مسار التعامل مع ملف فضيحة الانترنت، أبدى جنبلاط خشيته من الضغط الذي يمكن ان تمارسه على القضاء مجموعة المصالح الامنية والوزارية والتجارية والاعلامية، وهي مصالح كبرى جدا، ما يتطلب من القضاء ان يكون محصنا في مواجهتها.
ارسلان: إنها مهزلة
وأكد رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان لـ «السفير» أن التئام المجلس النيابي في جلسة تشريعية أمر ضروري يتصل بقضايا الناس الحيوية، متسائلا: كيف يمكن للبعض ان يضغط من أجل تفعيل عمل الحكومة وصولاً الى التهديد بالاستقالة، ثم يرفض تفعيل عمل المجلس النيابي.. وكيف لهذا البعض ان يُحلّل ويحرّم كما يشاء فيقبل تنشيط مؤسسة ويرفض تنشيط أخرى.. ما هذه المهزلة التي لا تشبه إلا اقتراح نصاب «النصف + 1»؟
واعتبر ان تعطيل المؤسسات في انتظار انتخاب رئيس الجمهورية ليس سوى جريمة بحق الشعب اللبناني، مشيرا الى ان كل طرف يعارض «تشريع الضرورة» إنما يخالف الدستور وينطلق في عمقه من حسابات شخصية، داعياً الى الكف عن استباحة القانون وتفصيل الدستور على قياسات فردية.
ورأى ان المخالفات والانتهاكات المتراكمة للدستور تؤكد اننا امام ازمة نظام، علينا ان نواجهها بجرأة.
الجميل: الرئيس أولاً
أما رئيس «حزب الكتائب» النائب سامي الجميل، فأبلغ «السفير» انه لا يزال عند موقفه المبدئي بعدم جواز التشريع في ظل غياب رئيس الجمهورية، قائلا: كان بودي ان أحضر جلسة تشريعية، ولكن لا يحق لي ان أخالف الدستور الذي يؤكد بوضوح ان المجلس في غياب الرئيس يتحول حصرا الى هيئة انتخابية مهمتها انجاز الاستحقاق الرئاسي.
وحين قيل له ان الضرورات تبيح المحظورات أحيانا، نبّه الى ان العمل بهذه القاعدة على مستوى الواقع اللبناني سيفتح ابوابا من المخالفات والهرطقات الدستورية التي لا تنتهي، لانه بحجة هذه القاعدة يمكن للبعض تبرير فعل أي شيء والذهاب بعيدا في الاجتهادات غير الدستورية، تحت شعار ضرورة معالجة هذه المشكلة او تلك.
وحذّر من ان الحوار الوطني انحرف عن وظيفته الاصلية المتمثلة في التفتيش عن مخرج لانتخاب رئيس الجمهورية، ملاحظا ان الحوار بات يبحث في كيفية معالجة المشكلات المترتبة عن الشغور الرئاسي بدل إيجاد حل لهذا الشغور.
وأضاف: إذا كان دورنا على طاولة الحوار سيتحول من محاولة التفاهم حول رئاسة الجمهورية الى ادارة شؤون الدولة فإننا نكون قد ضيّعنا الهدف الاساسي وغيّرنا مفهوم الحوار، محذرا من ان هذا السلوك يؤدي الى تكريس الشغور والتكيف معه كأمر واقع.
كنعان: هذه هواجسنا
وقال أمين سر «تكتل التغيير والاصلاح» النائب ابراهيم كنعان لـ «السفير» إن معارضة التكتل المشاركة في أي جلسة تشريعية جديدة، يعود الى كونه يرفض استمرار استباحة الميثاق الوطني منذ العام 1990. وأضاف: ليس مقبولا بعد اليوم الاستمرار بالهروب الى الامام من اصل الازمة، وهو الخلل الميثاقي المزمن والمتمادي الى حد ان الاحزاب المسيحية أصبحت مضطرة، على سبيل المثال، لتخوض معركة دفاعا عن حقوق موظف فئة خامسة.
وتابع: المطلوب معالجة المعضلة الفعلية التي تسببت بأزمة النظام وليس التلهي بالقشور، وهذا يستدعي من منتهكي شروط الميثاقية والشراكة ان يعودوا الى احترامها من خلال انتخاب رئيس يعبّر عن بيئته، ووضع قانون انتخاب يحقق التمثيل الصحيح، وإجراء انتخابات نيابية تفرز مجلسا جديدا يعكس الإرداة الشعبية الحقيقية، أما ان يقولوا لنا تعالوا الى التشريع وضعوا جانبا ميثاقية المؤسسات، فهذا لم يعد مقبولا.
ونبّه الى ان تراكم الاحتقان قد يؤدي الى انفجار مجتمعي، مشددا على ضرورة استدراكه عبر تأمين شروط انبثاق السلطة من جديد وفق معايير سليمة، ومفتاح الحل هو في قانون الانتخاب الميثاقي.
وتساءل: الى متى تأجيل احترام عقد الشراكة الوطنية، ومن يحق له تعليق تنفيذه.. باسم مَن وبأمرٍ من مَن؟
بقرادونيان: نعم للتشريع
وأبلغ رئيس حزب الطاشناق النائب آغوب بقرادونيان «السفير» ان الحزب يؤيد عقد جلسة نيابية عامة تحت مظلة «تشريع الضرورة»، لاعتبارات تتعلق بهموم الناس وأولوياتها، معتبرا ان الشغور في الرئاسة لا يجب ان ينعكس شغورا في التشريع ايضا، لأن هناك حاجة الى إقرار قضايا حيوية.
سعادة: الجلسة مبررة
وأكد القيادي في «تيار المردة» والمشارك في الحوار يوسف سعادة لـ «السفير» ان هناك أسبابا ملحّة تحتم عقد جلسة تشريعية وتحريك عجلة المؤسسات، لافتا الانتباه الى انه «ومع تشديدنا على وجوب انتخاب رئيس الجمهورية بأسرع وقت ممكن، نعتبر ان التشريع المدروس ملّح لتلبية احتياجات المواطنين والدولة»، داعيا الى وقف حفلة المزايدات على هذا الصعيد.
وأشار الى ان الرئيس بري حريص على الاسراع في انجاز الاستحقاق الرئاسي وهو يراعي حساسية الوضع الناتج عن الشغور ويعرف ان المجلس النيابي لا يستطيع ان يعمل بشكل طبيعي من دون وجود رئيس للجمهورية، وبالتالي فلن يدفع في اتجاه جلسة تشريعية خارج إطار الضرورة.
زهرا: نتمسك برأينا
وبرغم ان «القوات اللبنانية» ليست ممثلة في هيئة الحوار، إلا ان «السفير» سألت النائب انطوان زهرا عن الموقف الذي ستتخذه «القوات» إذا صمّم بري على المضي في عقد جلسة تشريعية، فأجاب: ان طاولة الحوار ليست بالنسبة الينا المرجع الصالح للبت في قانون الانتخاب ومسألة التشريع، ونحن في كل الحالات عند رأينا القائل بأن «تشريع الضرورة» يرتبط حصرا بانبثاق السلطة والموازنة العامة، واي شيء خارجهما لا يكتسب حاليا الأهمية الفائقة، ونحن نعتبر انه لا يوجد في الوقت الحاضر ما يبرر عقد جلسة تشريعية، والأولوية يجب ان تبقى لانتخاب رئيس الجمهورية.
(السفير)