بقلم ناصر قنديل

انتصار تدمر يفتح باب الرئاسة اللبنانية: هل يمهّد جعجع للتراجع عن ترشيح عون؟

ناصر قنديل

– يتخطى انتصار الجيش السوري في المعركة التاريخية والمفصلية في تدمر أبعاده الجغرافية السياسية والعسكرية الناتجة عن موقع تدمر في نقاط الربط والوصل بين مناطق سورية ومحافظاتها، وموقعها في خطة داعش لتقطيع أوصال جغرافيا انتشار الجيش السوري ببلوغ القلمون ووصله بالزبداني وصولاً للقنيطرة. كما يتخطى في الأهمية ما أكده من رسائل حول مفهوم الهدنة ودورها في حصر الحرب لمرحلة حاسمة بالقتال ضد داعش وجبهة النصرة، جرى حشد قدرات الجيش لخوضها وأثبتت فعاليتها. كما أظهرت حقيقة ما أرادته موسكو من الإعلان عن الانسحاب وما أظهرته معارك تدمر من شراكة روسية فاعلة، تؤكد عزم روسيا على تقديم كل الدعم اللازم لتمكين الجيش السوري من تحقيق انتصاراته المرسومة.

– تقول معارك تدمر بالبسالة والخطط والسرعة التي اتسمت بها أن الجيش السوري وعلى رأسه القائد الأعلى للقوات المسلحة في سوريا، وهو رئيس الجمهورية، يقدمان نموذجاً لإمكانية القضاء على تنظيم داعش دون تحقيق الشروط شبه المستحيلة التي طرحها الغرب ومن ورائه حلفائه بربط الحرب على داعش بخريطة جديدة للشرق الأوسط، ويتكفَّل الجيش السوري بالقول إن الخرائط التقسيمية لن تصمد عندما يقترب الجيش من تحقيق أهدافه، وهذا ما تتوقف أمامه بصفته إعجازاً عسكرياً وسياسياً يقطع دابر النقاش بالحديث عن وظيفة المسار التفاوضي لحل سياسي كشرط لضمان الفوز بالحرب على الإرهاب، وتستعيد سوريا عبر هذا النصر مكانتها كأول قوة إقليمية تستطيع تحقيق نصر بائن كامل وسريع وجهاً لوجه على التنظيم الذي يقلق أوروبا والغرب على مستقبل أمنه.

– خلال الشهور المقبلة ستتكرر نماذج شبيهة بتدمر، فيما جنيف يدخل جولته الخامسة والسادسة وسيحل الصيف والرئيس الأميركي يحتاج نصراً يشترك فيه على داعش يمنح حزبه نقاطاً ذهبية في الانتخابات الواقفة على مفترق، والحلفاء الإقليميون يشكلون أحلاف الحرب على الإرهاب وعينهم على حزب الله وقلوبهم مع داعش والنصرة. وهذا ما يعرفه الأميركي جيداً، وستصير الشراكة الأميركية مع سوريا حاجة أميركية ولو تأخرت روزنامة الحل السياسي، وتأخر الالتحاق السعودي بقطار التسويات عن ساعة التوقيت الأميركية.

– خلال الأسابيع المقبلة ستفتح معركة تدمر معارك عرسال وجرود رأس بعلبك، لأن ظهر الجماعات المسلحة كُسِر، وتقطعت خطوط الإمداد، وقد يجد الأميركي وفقاً للمعلومات الآتية من واشنطن، في تشجيع الجيش اللبناني على التواصل مع الجيش السوري والتنسيق معه ومع حزب الله أولى الرسائل الجديدة التي ستغير المشهدين الإقليمي واللبناني، وأن واشنطن التي تصنف حزب الله إرهابياً منذ زمن من موقع تمسكها بمقتضيات الأمن «الإسرائيلي»، ترى أنشطته الجنوبية إرهاباً، وأنشطته الشمالية والشرقية كفاحاً ضد الإرهاب، كما يكرر جيفري فيلتمان لأصدقاء لبنانيين يطلب منهم التوسط لإيصال هذه الرسائل إلى حزب الله.

– من الرسائل يقول فيلتمان إن الرئاسة في لبنان عادت شأناً للرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصرالله الكلمة الفصل فيه، بعدما مرت فرصة تشرين الثاني ولم تنجح محاولة تمرير انتخاب النائب سليمان فرنجية ضمن تسوية تحرج الرئيس الأسد والسيد نصرالله وتنتزع موافقتهما على مضض، بالتخلي عن ترشيح العماد ميشال عون. وأن تمسُّك السيد نصرالله والرئيس الأسد بعون فاجأ الجميع وأفشل الرهان الذي صار إعلامياً، وأن فرنجية فاجأ الجميع أيضاً بوضع علاقته بحزب الله في مكانة متقدمة على الانضمام لحلف سياسي يدعم بلوغه قصر بعبدا.

– ماذا سيفعل رئيس القوات سمير جعجع تجاه كل هذه المعلومات التي تتدفق أمامه سوى التصعيد ضد حزب الله والسيد نصرالله وتحميلهما مسؤولية عدم إيصال العماد عون للرئاسة تمهيداً لإعلان الانسحاب من الترشيح، والعودة إلى حظيرة الرابع عشر من آذار للمناداة برئيس وسطي، بعدما «فعل المستحيل لإيصال عون وثبت أن حزب الله لا يريده رئيساً»، وكل ذلك استباقا لتحول عون مرشحاً وحيداً يملك أسباب وإمكانيات الوصول إلى بعبدا، ليكون الترشيح في الأصل عملية انتحارية لمنع وصول فرنجية الذي كان كل شيء يقول باستحالة رفضه خياراً رئاسياً بديلاً من جانب حزب الله، لترشيح العماد عون، ويمكن لتشكيل فيتو مسيحي بتحالف عوني قواتي تعويض انضمام حزب الله إلى داعمي ترشيح فرنجية أملاً بمنع وصوله، في استعادة تاريخية لكيفية إسقاط الاتفاق الثلاثي عام 1985.

– كان جعجع يعرف أن انضمامه لترشيح عون ليس بسبب ما قاله من أسباب، فكلها قائمة قبل سنة ونصف من الإعلان. وهو لم يقدّم جواباً وحيداً مقنعاً عن التوقيت الذي يفسر وحده اللجوء إلى معسكر عون الرئاسي، بعد سنة ونصف من الفراغ، والتوقيت هو ترشيح جدي لفرنجية يخشى جعجع أن يتبناه حزب الله، ولو كان واثقاً من موقف حزب الله سلفاً لتفادى هذا التموضع الذي سيصبح عبئاً بعد شهور، كما يعلم أن انضمامه لمعسكر عون لم ينفع لتقريب وصوله إلى بعبدا، لأن جعجع جعل خصومته مع حزب الله قضيته التي تتفوّق على ما يفترض أنه استحقاقه الراهن، فلم يبذل جهداً مع حلفائه وعلى رأسهم تيار المستقبل لمجرد فتح الحوار مع العماد عون، وكان يكفي أن يقيم بين حليفه الرئيس سعد الحريري ومرشحه العماد ميشال عون علاقة تشبه تلك التي يقيمها حزب الله بين حليفيه الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، لكن جعجع قال الكثير بحق مَن يشاركه الترشيح ولم يقل كلمة بحق من يرفضون هذا الترشيح، ما يحسم الجدل حول أن قضيته انتهت باستبعاد انتخاب فرنجية رئيساً، وهو يعلم أن الفضل بذلك يعود لحزب الله وليس لانضمام جعجع إلى معسكر عون الرئاسي، الذي قد لا يدوم طويلاً لما بعد تدمر.

– النائب وليد جنبلاط الذي تمهّل في تحديد خياره الرئاسي يبدو الأكثر جدية في دراسة المتغيرات، ولو من موقع القلق. لكن له قول قديم، مفاده أنه إذا كان علينا قبول المجيء بالعماد عون رئيساً فلنفعل ذلك بما يبدو خياراً طوعياً لبنانياً قبل أن يظهر خضوعاً لمشيئة خارجية يكون الرئيس السوري أساسياً في صياغتها.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى