تحرير تدمر نتائج وأبعاد
غالب قنديل
شكل تحرير مدينة تدمر نقطة تحول في مسار القتال الذي يخوضه الجيش العربي السوري وحلفاؤه ضد عصابات الإرهاب التي ولدها الحلف الاستعماري ودعمها لتدمير سورية ويمكن القول إن سورية وحلفاءها قدموا امثولة للعالم في كيفية إلحاق الهزيمة بداعش وفي الميدان ظهرت الكفاءة العالية للقوات العربية السورية ودرجة التنسيق والتناغم مع الوحدات الحليفة التي شاركت جوا وبرا في المعركة التي لفت بعض الخبراء إلى انها استغرقت وقتا قصيرا بالقياس لمعركة كوباني التي قادها التحالف الأميركي الدولي واستمرت لأربعة أشهر وهذا هو أحد وجوه الفاعلية النوعية التي يحوزها الجيش العربي السوري والقوى المؤازرة والحليفة .
أولا أظهر اداء الجيش العربي السوري في المعركة كفاءة عالية في التخطيط والتعامل المرن مع التقنيات الحديثة والأسلحة المتطورة التي حصل عليها منذ الحملة الجوية الروسية المساندة وهذا ما سمح باسترجاع قلعة تدمر في عملية مدروسة تحكمت بها توصية القيادة السورية بالحرص على إلحاق أقل ضرر ممكن بالآثار التاريخية في المدينة وقد لفتت سرعة تحرك الدولة الوطنية السورية لتحضير ورشة ترميم القلعة وبالمؤازرة الروسية التقنية وهي خطوة انتزعت ثناءا دوليا وساهمت في صدور الكثير من المواقف الدولية المرحبة بإنجازات الجيش العربي السوري وخصوصا البيان الصادر عن الخارجية الأميركية وأمين عام الأمم المتحدة الذي عمم خطابا احتفاليا بتحرير تدمر وقلعتها المصنفة من كنوز التاريخ العالمي ( هو غطاء ملائم للتراجع في الموقف من سورية دافعه الهزيمة والفشل وليس هاجس حفظ التراث الإنساني عند الحكومات الغربية وموظفها بان كي مون ولعل هذا يكشف سر اختيار القيادة السورية لتدمر برمزيتها هدفا له الأولوية العسكرية وجرى التمهيد لتحريرها منذ فترة من خلال حركة الوحدات المقاتلة ).
تضاعفت قيمة الحدث بالتزامن مع هجمات بروكسيل التي زادت من تطلع الرأي العام الغربي إلى صد خطر داعش الذي يتهدد الدول الغربية بأسرها مما ولد تعاطفا جديا مع سورية ورئيسها وقواتها المسلحة وهو ما سيمثل دافعا لمطالبة الحكومات الغربية بمراجعة سياستها ومواقفها اتجاه سورية وسوف يسرع بالتالي في وتيرة التحول الاحتوائي الذي يتجه إليه المسؤولون الأميركيون بقيادة اوباما وتحت الرعاية الروسية بعد فشل العدوان على سورية فليس الكلام الجديد صحوة ضمير بل إذعان لتوازنات تغيرت.
ثانيا أسقط تحرير تدمر خرافة التقسيم وكذبة “سورية المفيدة” واكد تمسك الجمهورية العربية السورية وقواتها المسلحة وبدعم من حلفائها بتحرير آخر حبة تراب يحتلها الإرهابيون التكفيريون الذين ساندهم الغرب بقيادة الولايات المتحدة وبالشراكة مع الحكومات التابعة في المملكة السعودية وإمارة قطر وتركيا والتنظيم العالمي للأخوان حاضن الإرهاب القاعدي والداعشي في العالم بأسره.
بعد تحرير تدمر أيقن كثيرون ان الجيش العربي السوري سوف يواصل عملياته في اتجاه دير الزور والرقة وحيث تفتح القيادة السورية أبواب التعاون المحتمل مع أي جهات في العالم والمنطقة تلتزم جديا بالقتال للتخلص من داعش وجبهة النصرة ومثيلاتهما من الشبكات الإرهابية وحيث ينظر إلى نموذج عمل الجيش العربي السوري بعد تحرير تدمر بانه الحل العملي وسوف تتصاعد نبرة حلفاء سورية في الدعوة إلى دعم القوات المسلحة السورية والقوى الحليفة التي أثبتت قدرتها على دحر داعش وتمزيق الخرافة الأميركية الغربية التي نسجت حولها.
ثالثا تحرير تدمر هو بالذات نتيجة مباشرة لاستراتيجية الرئيس بشار الأسد في قيادة الحرب الوطنية لتحرير سورية من الإرهاب والتي ارتكزت إلى العناية الخاصة بالجيش العربي السوري وتماسكه وعقيدته الوطنية القتالية وقدراته وقد بات متداولا ان الرئيس الأسد أشرف شخصيا على عملية إعادة الهيكلة التي شهدها الجيش العربي السوري في إطار التكيف مع ظروف المعارك المتحركة ضد الإرهاب على امتداد الجغرافيا السورية وهو من اولى اهتماما خاصا بتحديث قدرات الجيش وتطوير عتاده الحربي بما يلبي احتياجاته التقنية والميدانية ولذلك يتحدث بعض الخبراء العسكريين بإعجاب عن براعة ضباط وجنود الجيش العربي السوري وتناغم الوحدات المقاتلة مع القوى المؤازرة جوا وبرا .
الاستراتيجية التي وضعها الرئيس بشار الأسد لقيادة حرب التحرير الوطنية تحقق اهدافها وتراكم الإنجازات في ملحمة صمود صعبة وقاسية على جميع الأصعدة وفي قلبها تحالفات استراتيجية مهمة نسجها الرئيس الأسد طيلة السنوات الماضية وطورها عما كانت عليه إلى شراكات عميقة وهذا ما ينطبق على علاقات سورية بكل من إيران وروسيا وحزب الله التي شكلت سندا قويا لصمود سورية في وجه العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي كما يجسد مضمون العلاقة السورية الصينية .