لماذا التنسيق مع الأجانب ضدّ الإرهاب مسموح … سورية ممنوع؟ د. عصام نعمان
أوقفت مخابرات الجيش اللبناني أخيراً إحدى ناشطات تنظيم «داعش» المدعوة سجى حميد الدليمي مع ثلاثة من أولادها وسائق، كذلك اعتقلت إحدى ناشطات «جبهة النصرة» المدعوة إلاء العقيلي مع ولدها وشقيقها.
وضعُ اليد بالحلال وبموجب القانون! على سجى الدليمي تمّ بعد ورود معلومات موثوقة لمخابرات الجيش تقاطعت مع معلومات مماثلة لدى أحد أجهزة الاستخبارات الغربية، قيل إنه بريطاني التابعية. اما وضع اليد على إلاء العقيلي، فتمّ بجهد استخباري لبناني مركّز بعدما غادرت الى لبنان، بتوجيه من زوجها أنس شركس المعروف بأبي علي الشيشاني، أحد قادة «النصرة» في جرود القلمون السورية، وذلك عَقب مداهمة الجيش اللبناني مخيماً للنازحين السوريين في عرسال حيث كانت تقيم.
كِلتا الناشطتين صيد ثمين للجيش، لكن سجى الدليمي هي الصيد الأثمن، لأنّ التحقيقات معها كشفت باعترافها أنها كانت متزوجة من ابراهيم البدري السامرائي الذي يعتقد المحققون أنه الاسم الحقيقي لـِ»الخليفة» أبي بكر البغدادي. هذه الشبهة أكّدتها لاحقاً فحوص الحمض الريبي النووي D.N.A. بالتنسيق مع المخابرات العراقية وأجهزة غربية.
وضعُ اليد على هاتين الناشطتين الخطيرتين من شأنه تمكين الجيش اللبناني من الحصول على معلومات فائقة الأهمية منهما عن شبكات «داعش» و«النصرة» وخلاياهما النائمة كما الفاعلة في لبنان والأشخاص المتعاملين معها. غير أن الأهم من ذلك ان اعتقالهما يضع في يد الحكومة ورقتين بالغتي الأهمية للمقايضة بالعسكريين اللبنانيين الـ 26 المحتجزين لدى «النصرة» و«داعش». ونُسب إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم قبل أيام تهديدٌ مفاده أن الحكومة ستقوم بتنفيذ حكم الإعدام بإرهابيين معتقلين في سجن روميه مقابل كل عسكري لبناني مخطوف تتجرأ «النصرة» أو «داعش» على ذبحه، ويبدو أن هذا التهديد فعل فعله، فتوقفت «النصرة» عن ذبح الدركي المخطوف علي البزال.
وإذ يتفاءل بعض الأوساط السياسية بتزايد فرص تحرير العسكريين المخطوفين بعد اعتقال زوجة البغدادي أو مطلقته وأولادها وزوجة أبي علي الشيشاني وشقيقها، فإن ثمة بين أهل السلطة من يخشى أن تتعقد الأمور بعد اعتقالهم، مشيرين بقلق إلى ما حدث في جرود رأس بعلبك غداة إعلان الجيش توقيفهم. فقد هاجم مقاتلو «النصرة» دورية للجيش أثناء قيامها بمهمة مراقبة ما أدى إلى استشهاد ستة من عناصرها. وفي اليوم التالي قاموا بتفجير عبوة في وادي عطا بمحيط عرسال ذهب ضحيتها شهيد آخر للجيش.
قبل هاتين العمليتين، لوحظ وجود تباطؤ من قبل الوسيط القطري المكلف بتسهيل المفاوضات بين الحكومة و«النصرة» للإفراج عن العسكريين المختطفين، ما حمل رئيس الوزراء تمام سلام على الاتصال بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني طالباً منه «تفعيل الوساطة القطرية لمساعدة الحكومة في تحرير العسكريين المخطوفين ورفع المعاناة عن أهاليهم».
كل هذه التطورات فرضت أسئلةً مقلقة:
أولاها، لماذا تنسق أجهزة لبنان الأمنية مع أجهزة استخبارات غربية لمواجهة التنظيمات الإرهابية داخل البلاد وفي منطقة الاشتباكات على الحدود مع سورية، بينما تمتنع بتوجيه من الحكومة عن التنسيق مع الأجهزة السورية في هذا المجال؟ أليس العدو مشتركاً؟ أم أن التنظيمات الإرهابية تشترط عدم تعاون لبنان مع سورية لمتابعة المفاوضات؟
ثانيتها، هل تستمر «النصرة» في التفاوض غير المباشر مع الحكومة اللبنانية بعد عمليتيّ راس بعلبك وعرسال واعتقال زوجة أو مطلقة أبي بكر البغدادي وزوجة أبي علي الشيشاني؟ أم أن هذه المهمة ستؤول إلى «داعش»؟ وهل تبقى قطر مرجعية صالحة للتوسط بين الطرفين إذا ما انتقلت إدارة المفاوضات إلى «داعش» أم أن مرجعيات بديلة سيُطلب تدخلها، ومن تُراها تكون؟
ثالثتها، لنفترض أن المفاوضات بين الطرفين لم تفضِ إلى نتيجة ايجابية، فهل تجد الحكومة اللبنانية نفسها مضطرة إلى اعتماد مقاربة مغايرة لتحرير أسراها؟ وهل يدفعها ذلك بالضرورة إلى التنسيق مع سورية في حال اعتماد حل عسكري؟
رابعتها، يبدو أن «النصرة» لم تكن جادة في التفاوض مع الحكومة اللبنانية لإطلاق عسكرييها المخطوفين ربما لأنها تخطط لمهاجمة لبنان مجدداً بغية الحصول على ملاذات آمنة ودافئة، تقي مقاتليها شر الصقيع والبرد في مرتفعات القلمون، فهل تضع الحكومة هذا الاحتمال في حسبانها؟ وكيف يرد الجيش اللبناني على «النصرة» وأخواتها من دون التنسيق مع الجيش السوري؟
خامستها، أيّاً كانت مخططات التنظيمات الإرهابية، ألا تعتقد الحكومة والقوى الوطنية المناهضة للإرهاب أن المواجهة الفاعلة لهذا الخطر المتفاقم ليست أمنية فقط بل سياسية أيضاً؟ وفي هذه الحال، ما الخطط والإجراءات المطلوبة لتنظيم مواجهة متكاملة للإرهاب تكون موضع توافق ومشاركة اللبنانيين بكل مذاهبهم ومشاربهم؟
إضافة إلى ذلك كله، ثمة سؤالان إضافيان يقلقان اللبنانيين، مسؤولين ومواطنين: لماذا لم تُنفَّذ بعد الاتفاقية السعودية- الفرنسية ثلاثة مليارات دولار لتزويد الجيش اللبناني سلاحاً ثقيلاً ومتطوراً؟ وماذا ستفعل دول «التحالف الدولي ضد الإرهاب» بعدما أعلنت منظمة «برنامج الأغذية العالمي» تعليق مساعداتها التي يستفيد منها أكثر من 1,7 مليون لاجئ سوري في لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر وذلك بسبب «نقص في الوسائل المالية»؟
الحقيقة أن لبنان، حكومة وشعباً وجيشاً، التزم جدياً مواجهة تحدي الإرهاب وهو يقوم بواجبه بقدْر ما يطيق ويستطيع. لكن جيشه لا يمكنه الاضطلاع بمهماته القتالية بنجاح من دون أسلحة ثقيلة، برية وجوية، تتطلبها مواجهته الصعبة للتنظيمات الإرهابية الأقوى بأسلحتها الأكثر تطوراً. فهل يُعقل أن تطالبه الولايات المتحدة وسائر أطراف «التحالف الدولي» بعدم التنسيق مع سورية لمواجهة الإرهاب ولا توفّر له الأسلحة اللازمة ليقوم بهذه المهمة ذاتياً ومن تلقاء نفسه؟
ثم كيف يستطيع لبنان البالغة مديونيته العامة أكثر من 65 مليار دولار أن يقوم بأعباء شعبه مع اضطراره إلى احتضان نحو 1,500,000 لاجئ سوري لا تشارك وكالات الأمم المتحدة إلّا في إغاثة ثلثهم، ومع ذلك أعلنت أخيراً تعليق مساعدات «برنامج الأغذية العالمي»؟
إن جميع الدول والقوى المعنية مدعوة لتقديم أجوبة مقنعة وذات جدوى عن هذه الأسئلة. وحكومة لبنان، كما قواه الوطنية الحية، مدعوة أيضاً، في ضوء الأجوبة المنتظرة، إلى أن تبني على الشيء مقتضاه وأن تتخذ القرارات المصيرية اللازمة بلا إبطاء.
(البناء)