مفاوضات سرية!: براك ربيد
إسرائيل والسلطة الفلسطينية تجريان في الشهر الاخير مفاوضات سرية من اجل الاعادة التدريجية للسيطرة الأمنية في مدن في الضفة الغربية إلى الاجهزة الأمنية الفلسطينية. وحسب موظفين إسرائيليين رفيعي المستوى ومطلعين على الاتصالات فقد اقترحت إسرائيل أن يتوقف الجيش الإسرائيلي عن الاعمال في مناطق أ باستثناء حالات وجود «قنبلة موقوتة». واقترحت إسرائيل في المحادثات أن تكون رام الله وأريحا اولى المدن التي يخرج منها الجيش الإسرائيلي. واذا نجحت هذه الخطوة فتوسع إلى مدن اخرى في الضفة. حسب شخصيات رفيعة المستوى في إسرائيل، المفاوضات علقت بسبب الشروط وضعتها القيادتان السياسيتان في الطرفين. لكنهم أضافوا أن الفرصة لم تفوت بعد.
مناطق أ التي تشمل المدن الفلسطينية الكبرى والقرى المحيطة بها تشكل خُمس اراضي الضفة الغربية. وحسب اتفاقات اوسلو فان المسؤولية المدنية والامنية على هذه المناطق في يد السلطة الفلسطينية. ولكن منذ عملية «السور الواقي» في 2002 توقفت إسرائيل عن احترام الجزء الخاص بمناطق أ في الاتفاق حيث يعمل الجيش الإسرائيلي في هذه المناطق بشكل يومي وبدون قيود.
الخطوة الحساسة التي تحدث عنها موقع «هآرتس» للمرة الاولى هي مبادرة من منسق العمليات في المناطق، الجنرال يوآف مردخاي، وقائد المنطقة الوسطى، روني نوما. وقد وضع كل من رئيس الاركان غادي آيزنكوت ووزير الدفاع موشيه يعلون ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في صورة الاتصالات. وقد صادقوا على اجرائها.
موظفون رفيعو المستوى في القدس أشاروا إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى منع الحاق الضرر بالتنسيق الامني بين الجيش الإسرائيلي وبين الاجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية وايجاد استقرار في الميدان وتقليص الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلي والسكان الفلسطينيين.
النشر في «هآرتس» أثار ردود شديدة من اليمين. وزير الاستيعاب وعضو المجلس الوزاري المصغر السياسي الامني، زئيف الكين، قال إن الاتصالات تمت من وراء ظهر اعضاء الكابنت وطلب من يعلون «وقف أي تقدم في هذا الاتجاه الخطر». وحسب اقواله «السلطة هي مصدر المشكلة. وبيقين ليست هي الحل». ايضا في محيط وزير التعليم ورئيس البيت اليهودي، نفتالي بينيت، قالوا إنه سيكافح هذا الامر بكل قوته، واعتبروا ذلك «اعادة انجازات عملية السور الواقي إلى الوراء وتصدير أمن المواطنين الإسرائيليين للسلطة الفلسطينية». واضاف وزراء في الكابنت: «نتنياهو ينجر وراء يعلون على اعتبار أن الفلسطينيين هم الحل لمشكلة الإرهاب بدلا من اعتبارهم المشكلة. وليس غريبا أنه مع موقف كهذا لا يمكنهم وقف الإرهاب».
وقد شارك في المحادثات من الطرف الفلسطيني وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ. ورئيس المخابرات العامة ماجد فرج. ورئيس الامن الوقائي زياد هب الريح. شخص آخر كان مطلعا على الاتصالات هو المنسق الامني الأمريكي الجنرال فريد رودشهايم لكنه لم يكن وسيطا بين الطرفين اللذين أجريا المحادثات المباشرة. ومع ذلك قام الطرفان في وضعه في صورة الوضع حيث كان يقدم الافكار والاقتراحات الخاصة به.
بدأت الاتصالات قبل أكثر من شهر. ففي 9 شباط كان هناك تنسيق أمني حضره من الطرف الإسرائيلي مردخاي ونوما ومن الطرف الفلسطيني الشيخ وفرج هب الريح. وأشارت شخصيات فلسطينية رفيعة المستوى إلى أن الفلسطينيين أكدوا لنظرائهم الإسرائيليين أنه إذا رفضت إسرائيل اعادة المناطق أ و ب إلى الوضع الذي كان سائدا قبل الانتفاضة الثانية ووقف اعمال الجيش الإسرائيلي في المناطق أ فان السلطة ستقوم بتجميد التنسيق الامني بين الطرفين. مناطق ب التي تشكل خمس اراضي الضفة والمسؤولية المدنية فيها بيد الفلسطينيين، أما إسرائيل فهي المسؤولة أمنيا عنها. وتقوم إسرائيل اليوم بتقييد النشاط المدني للسلطة الفلسطينية فيها.
تجميد التنسيق بين الجيش الإسرائيلي والاجهزة الأمنية الفلسطينية قد يؤثر بدرجة كبيرة على الوضع الامني في الضفة. في 20 كانون الثاني قال رئيس المخابرات العامة الفلسطينية، ماجد فرج، في مقابلة نادرة مع موقع «ديفينس نيوز» إن اجهزة الامن في السلطة أحبطت في الاشهر الاخيرة 200 عملية ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية.
في أعقاب الرسائل من الجانب الفلسطيني حدثت عدة نقاشات في الاجهزة الأمنية الإسرائيلية. وتركزت النقاشات في كيفية الحفاظ على التنسيق الامني. وكانت النتيجة اقتراح إسرائيلي تم تقديمه للفلسطينيين في عدة لقاءات جرت في الاسابيع الاخيرة. وقد تم أحد هذه اللقاءات في 25 شباط. يعلون ونتنياهو اللذان وضعا في صورة الرسالة الفلسطينية حول التنسيق الامني، وافقا على الاقتراح مبدئيا قبل عرضه على الفلسطينيين. وحسب اقوال موظفين رفيعي المستوى في القدس، الاقتراح الإسرائيلي شمل القضايا التالية:
الوقف الكامل تقريبا لدخول الجيش الإسرائيلي إلى مناطق أ باستثناء حالات الطواريء. وقد أوضحت إسرائيل أنها ستحتفظ بحق العمل في مناطق أ في حال وجود «قنبلة موقوتة»، لكنها سترفع بشكل ملحوظ مستوى المصادقة على عملية كهذه. واذا كان الآن مطلوب مصادقة قائد الكتيبة على دخول القوات الإسرائيلية إلى مناطق أ، فانه حسب الاقتراح الإسرائيلي سيكون مطلوبا مصادقة قائد المنطقة أو مستوى أعلى منه.
اقترحت إسرائيل بأن يكون تقليص عمليات الجيش الإسرائيلي في رام الله وأريحا بمثابة تجربة أولى. واذا كانت النتيجة ايجابية واستقر الوضع الامني فسيتم تقليص نشاط الجيش الإسرائيلي في مدن اخرى في الضفة الغربية، بالتنسيق مع الفلسطينيين.
طلبت إسرائيل أن تعمل الاجهزة الأمنية الفلسطينية بشكل حاسم في حال توفرت معلومات عن جهات إرهابية تعمل أو توجد في المناطق أ.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون تبنيا هذا الاقتراح، لكنهما أضافا مطالب اخرى من الفلسطينيين مثل العمل ضد التحريض. والطلب الاساسي لنتنياهو كان تفاهمات سياسية مع السلطة تشمل اعتراف السلطة بحق إسرائيل في العمل في مناطق أ.
وبعد قيام مردخاي ونوما بنقل الاقتراح لنظرائهما الفلسطينيين، قام الفلسطينيون باطلاع الرئيس عباس عليه. شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى أشارت إلى أن الاقتراح أثار الخلافات في الجانب الفلسطيني. فرؤساء الاجهزة الأمنية أيدوا الخطوة على اعتبار أنها ستساهم في تهدئة الاوضاع. وهذه فرصة لعرض هذا الانجاز على الجمهور الفلسطيني. أما الرئيس عباس واعضاء آخرين في القيادة السياسية تحفظوا من هذا الاقتراح لأنهم لم يوافقوا على الاعتراف رسميا بحق إسرائيل في العمل في مناطق أ، وخلافا لما جاء في اتفاقات اوسلو.
وأشارت شخصيات إسرائيلية رفيع المستوى إلى أن المفاوضات تجد صعوبات بسبب الاعتبارات السياسية في الطرفين. نتنياهو لم يوافق على دعم الخطوة بدون الحصول على مقابل من الفلسطينيين حتى يستطيع اجازتها في الكابنت. ومن جهة اخرى فان المقابل الذي طلبه نتنياهو أدخل عباس إلى وضع صعب حيث طلب منه الموافقة رسميا على عمل قوات الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية، الامر الذي يعني التنازل عن السيادة. وأضافت هذه الشخصيات أنه رغم الصعوبات في المفاوضات فان المبادرة ما زالت على الطاولة، «لكن هذا لن ينفذ إذا لم نحصل على المقابل من الفلسطينيين».
هآرتس