الإنسحاب الروسي : والمفاجأة ناصيف ياسين
إعلانُ روسيا انسحاب جزءٍ من قوّاتها العاملة في سوريا ، شكّل مفاجأةً ، تراوحت تفسيراتُ حيثيّاتها حسب توجّهات الأطراف المتصارعة ، ووجهات المراقبين ، وربّما رغبات المراهنين : سلبًا وإيجابًا.
عودة سريعة لقرار بوتين دخول الحرب – التي حُدِّدت مدّتها ، يومها ، بأربعة أشهر – ربّما تُعينُ على تفسير حيثيّات ما جرى : لقد راهنت أمريكا وحلفاؤها ، في 30 أيلول ، على أنّ روسيا ستغرق في الحرب السورية مثلما حدث لها في شعاب أفغانستان ومُنعرجاتها ، وستقع رهينة التخبّط والهزيمة.
غير أنّ الوقائع أثبتت عكس ذلك :
– فقد انقلب المشهد بدخول الروس ، نحو الأفضل ، لصالح النظام السوريّ وحلفائه : من الدفاع إلى الهجوم ، واكتساح مواقع مهمّة كان الإرهابيون قد اغتصبوها بدعمٍ من رُعاتهم الإقليميّين ، وتواطؤٍ وتسهيلٍ من قوات التحالف الذي تقوده أمريكا ، التي فُرِضَ عليها ،بعد ذلك ، إعادةُ حساباتها ، فانطلقت مؤتمراتُ جنيف 1 و 2 و 3 بمراحله الراهنة . ما يعني أن الإنسحاب الروسي ، جاء من موقع القوة والإنتصار ، وليس الهزيمة .
– إذا كان بوتين قد فاجأ الخصوم ، بقرار الإنسحاب الجزئيّ ، مثلما فاجأهم بالدخول ، إلّا أنه من غير المنطقيّ ، أن يقوم بعملٍ كهذا ، دون التشاور والتنسيق مع حلفائه الذين عمِلَ معهم للمصالح المشترَكَة ، وجازف بأعماله الحربية إلى جانبهم .
علمًا ، بأنّ دوافع الروس الموجِبة لدخولهم المعارك في سوريا، لم تكن هامشيةً أو ثانوية ، بل اعتُبِرَت من صميم الأمن الروسيّ ، والهمّ المشترَك مع النظام في مكافحة الإرهابيّين القادمين من بلدان آسيا الويطى ، والخطِرِين – إذا ما عادوا إلى بلادهم – على روسيا ذاتها . هذا من جهة ، ومن جهةٍ أخرى ، ليس للروس غير سوريا مكانًا لتواجدهم في شرق المتوسّط ، بعدما اكتسح الحلف الأطلسيّ بقية البلدان المُشاطئة لهذا البحر .
– مهما بدا الموقف ضبابيًّا للمُراقب ، من الخارج ، تجاه حال الجيش العربيّ السوريّ وحلفائه ، بعد الخطوة الروسية إلّا أنّ المعقول ، هو الأخذ بعين الإعتبار ، أثر التدريب الروسيّ ، وتواجد خبراء إيران في اكتساب ذلك الجيش ، ما يؤهّلُه ويُمكّنه من اتّكاله على قدراته الذاتية – بمعونة حلفائه – بما حصل عليه من سلاحٍ وعتادٍ جديد كفيلٍ بالمحافظة على المُكتسبات ، إلى أنْ يتبيّنَ الخيطُ الأبيض من الأسود في مؤتمر جنيف ، ويظهر للعلن ، وبالملموس ، ما ستُقدّمه أمريكا – مقابل ذلك – بالضغط على حلفائها و ” محاربتها ” لِ ” داعش ” و “النّصرة ” ؟!
كما أنّ النظام السوريّ يُراهن ، في الوقت نفسه ، على مزاج الشعب في الداخل ، الذي تعِبَ وانكشفت أمامه صورة المأساة التي أوقعته فيها ما يُسمّى بِ ” المعارضة ” ، فبدا ميّالًا للمصالحات التي اعتبرتها دمشق جزءًا من مهمّاتها للعودة إلى الهدوء وإضعاف البيئة الحاضنة للإرهاب التكفيريّ .
ستبقى هذه المبادرات رهن استجابة واشنطن ومَن معها ، ممّا يجعل الوضع برمّته في ” غرفة الإنتظار ” ، ويوجب على الرئيس الأسد : الإستعداد لكلّ الإحتمالات ، ولكن ، على قاعدة ” ما حكّ جلدَكَ مثلُ ظفرك ” ؟؟!