عقيدة أوباما: تعبير عن رأي مسؤول أنهى خدمته أم ماذا؟ حميدي العبدالله
يعتقد كثيرون أنّ المواقف التي أطلقها الرئيس أوباما في حواره مع مجلة «ذي أتلانتك» تعبِّر عن موقف رئيس أنهى خدمته، وهي لا تعبِّر عن السياسة الرسمية للولايات المتحدة في السنوات المقبلة. وعلى الرغم من أنّ أوباما طبّق في ولايتيه الرئاسيتين، الأولى والثانية، ما بات يعرف بعقيدة أوباما، إلا أنّ الاعتقاد بأنّ آراءه غير ملزمة وغير معبِّرة عن السياسة الأميركية الرسمية هو الاعتقاد السائد لدى الكثيرين. علماً أنّ عقيدة أوباما هي تعبير عن المسلمات التي صاغتها لجنة بيكرـ هاملتون على خلفية فشل الغزو الأميركي للعراق في تحقيق الأهداف التي كانت تسعى إليها الولايات المتحدة.
الحقيقة أنّ المسلمات التي صاغتها بيكرـ هاملتون وعقيدة أوباما هما ثمرة لتحولات جذرية عميقة يصعب الارتداد عنها، ومن أبرز هذه التحولات ما يُجمع عليه أشخاص بارزون في النخبة الحاكمة الأميركية، من أمثال رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس الذي شغل منصب رئيس قسم التخطيط في الخارجية الأميركية في ولاية الرئيس جورج بوش الابن الأولى ومستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس جيمي كاتر زبغنيو برجنسكي اللذين أكدا أنّ تقهقر الدور الأميركي على المستوى العالمي يعود إلى أمرين أساسيين، الأمر الأول تراجع حصة الولايات المتحدة من إجمالي الناتج الدولي. المعطيات الإحصائية، بما في ذلك معطيات صندوق النقد الدولي تشير إلى أنّ كلّ الدول الغربية تساهم في إجمالي الناتج العالمي بحوالى 56 في المئة في حين أنّ إسهامها في النمو الاقتصادي العالمي لا يتجاوز 24 في المئة وبالتالي فإنّ هذه التحولات قادت إلى تغيير في توزيع القدرات الاقتصادية، وانتقال جزء من هذه القدرات من الغرب إلى الشرق، كما يقول برجنسكي، بما أنّ الاقتصاد قاطرة السياسة فبديهي أن تتأثر قوة الدول بتأثر توزيع الثروة العالمية. الأمر الثاني، حروب الولايات المتحدة والغرب المكلفة والفاشلة، سواء في أفغانستان أو العراق أو ليبيا. وقد كبّدت هذه الحروب الولايات المتحدة والدول الغربية خسائر كبيرة، كما أنها أثرت على معدلات النمو بسبب الفوضى والاضطراب الشديد الذي يسميه كبير خبراء صندوق النقد الدولي بالتوتر الجيوسياسي الذي كان لـه تأثير كبير في إبطاء معدلات نمو الاقتصاد على المستوى العالمي.
من المعروف أنّ سياسات الولايات المتحدة على وجه الخصوص، تلعب مصالح الشركات الكبرى دوراً هاماً في رسم معالمها، وبات واضحاً أنّ مصالح هذه الشركات تتأثر سلباً من جراء سياسة الفوضى والتوتر الجيوسياسي والمزيد من الحروب، وهذه النتائج المترتبة عليها هي التي أضعفت معسكر الحرب داخل الولايات المتحدة وجعلت غالبية النخبة الأميركية تجنح إلى كبح جماح هذا المعسكر، ولعلّ نتائج الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية أفضل دليل على التبدُّل في مزاج النخبة الأميركية.
في ضوء هذا التغيير في مزاج النخبة الأميركية، فإنّ عقيدة أوباما، تتحول إلى سياسة جامعة أملتها المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وبالتالي يصعُب على الرئيس الذي يخلف أوباما نقض هذه العقيدة.
(البناء)