ماذا لو رفضت السعودية التسويات؟
ناصر قنديل
– نريد أن نصدّق عادل الجبير بأن اللقاءات التي جمعت الوفد السعودي بوفد من الحوثيين ليس لها أي أبعاد سياسية وتنحصر في الحرص السعودي على إيصال مواد استشفائية لليمنيين، رغم الإعلان عن تهدئة ستشمل وقف الغارات الجوية للمرة الأولى، ونريد أن نصدق قول الجبير وجماعة الرياض فرع حجاب نعسان أن المفاوضات التي يُجريها جيش الإسلام حول الهدنة الخاصة بمناطق معينة من ريف دمشق مجرد بحث تقني لترتيب تبادل أسرى ومعتقلين ومخطوفين، وأن الحرب ستستمر بقيادة السعودية حتى تسقط سوريا بيد السعودية وجماعتها سياسياً أو عسكرياً، ونريد أن نصدّق أن الجبير ومجلس التعاون الخليجي يخيّرون حزب الله بين الويل والثبور وعظائم الأمور أو التوبة عن إزعاج السعودية، وأن على إيران أن تتأدّب وتلتزم ما قاله الجبير وإلا فعليها أن تتوقع الأسوأ، وأن ما قيل عن اتصالات لوسطاء مع إيران وحزب الله ليس إلا جزءاً من هذا التبليغ.
– إذا صدّقنا الجبير وجوقته، فهذا يعني أن السعودية قررت منفردة مواصلة الحرب على جبهات المواجهة المفتوحة على إيران وسوريا وحزب الله واليمن، رغم أن الأميركيين ليسوا بوارد خوض حروب ويبحثون عن تسويات تم جزء كبير منها مع إيران من وراء ظهر السعودية وجزء آخر تم ويتم يومياً مع روسيا ومن وراء ظهر السعودية، وثمة ما يستعد له الأميركيون للتواصل مع الدولة السورية، كما تقول تقارير واشنطن الموثوقة بمصادرها.
– نريد أن نصدّق الجبير بأن حكومة الحزم تستطيع أن تحزم أمرها وتعامل أميركا بالمثل فتقرر السير بحربها من وراء ظهر أميركا، كما سارت أميركا بتفاهماتها من وراء ظهر السعودية، رغم أننا سمعنا الجبير يقول في آب العام الماضي أن أميركا ستدفع غالياً ثمن ارتكابها الخطأ القاتل بالقبول بالتفاهم النووي مع إيران وسمعناه في أيلول يقول بعد لقاء ملكه مع الرئيس الأميركي أن التفاهم النووي يشكل أحد ضمانات استقرار المنطقة، وسنعتبر الأمر كأنه لم يكن ونسأل ماذا يمكن للسعودية أن تفعل إن قررت رفض التسويات؟
– في سوريا تستطيع السعودية أن تواصل فعل ما تفعله اليوم، وأن تنسحب جماعاتها من وقف النار وحوار جنيف وتتواصل الحرب معهم ويستمر الحوار ووقف النار بدونهم، والإجماع الدولي اليوم على كون المعارضة التي تقاتل داعش والتي تحتاجها الحرب على الإرهاب هي تلك التي استثنتها السعودية من مؤتمر الرياض والمكوّنة من الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية. وما سيحدث هو أن مسار الانتصارات التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه سيتواصل، لأن جماعة السعودية الذين يحتمون بجبهة النصرة ظهرت قدراتهم ومن ورائهم النصرة وتركيا وأميركا إضافة للسعودية قبل مؤتمر فيينا، ولولا هذه الانتصارات لما كان فيينا ولا التموضع الجديد للأميركيين ومَن ومعهم. وذلك فإن الحوار سيكون أفضل بدون جماعة السعودية وأسهل، وسترى حكومة جديدة النور تحظى بالاعتراف الدولي وتسحق جماعة السعودية وتصير خارج المعادلة.
– في اليمن ستستمر الحرب وتدخل عامها الثاني ويجلب السعوديون مزيداً من المرتزقة لحماية حدودهم، ويحددون المزيد من المواعيد لنصر موهوم، وستتواصل المعارك وتستمر المذابح السعودية بحق الأبرياء، ويستمر الصمود ويعرف السعوديون أنهم لن يحصدوا نصراً في اليمن، فالذي يحدث سيستمر بالحدوث، وهو توسّع جغرافيا الغزو وتوسع ميدان العمليات والقصف الصاروخي، ويتوسع في خلفية السيطرة السعودية حضور القاعدة وداعش، ويظهر أن لا قدرة لجماعتها بقيادة منصور هادي على إقامة حكم للمناطق التي يسيطر عليها السعوديون، وهم لا يسيطرون إلا اسمياً، ولا إمكانية في نهاية المطاف لبناء استقرار أمني وعسكري بدون استقرار سياسي بوابته تسوية مع الحوثيين تنتج حكومة وتنتهي بانتخابات، والموازين اليمنية قبل التدخل السعودي تكشف الأحجام والأوزان للفريقين المؤيد والمعارض للسعودية في اليمن، حيث لم تقاتل كتيبة يمنية دفاعاً عمّن يفترض أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس الجمهورية الذي فرّ هارباً من صنعاء إلى عدن إلى خارج البلاد خلال شهر واحد. والمقارنة بينه وبين الرئيس السوري ووضعية كل منهما بوجه من يحملون السلاح ضده، رغم فوارق المال والسلاح الآتي عبر الحدود في حالة من يقاتلون في سوريا ومعهم السعودية ومَن يقاتلون في اليمن وتحاصرهم السعودية من كل جهة.
– مع إيران ستبقى السعودية تصرخ، وهي التي عجزت ومعها إسرائيل وتركيا عن تعطيل التفاهم الدولي مع إيران، وستعجز عن لعب دور يحدّ من الأدوار الإيرانية الداعمة للعراق وسوريا واليمن ولبنان وما تسميه السعودية تصاعد النفوذ الإيراني، ومثلما لم تجرؤ السعودية وإسرائيل على خوض اختبارات القوة مع إيران فلن تجرؤ على ما سيكون الحريق الكبير والسريع الذي ينتهي بنتيجة مدمّرة للسعودية، طالما إيران تقابل بالحكمة الجنون السعودي، وبالتالي سيكون الضمور والتآكل نصيب السعودية ونهوض وتنامي مصادر القوة الإيرانية.
– مع حزب الله صار كل شيء واضحاً، سياسة السعودية لحس مبرد، كل ما يتسبّب بالمزيد من الضغط على حزب الله هو ضغط على لبنان أدواته تبدأ بإلحاق الأذى بجماعة السعودية من جهة وبتخلي السعودية عن نفوذها في لبنان المستند إلى المال حصراً وليس إلى الحكمة التي تنضح بها موسوعات المؤلفات الفلسفية لملوكها، والأهم هو أن السعودية تكتشف تدريجاً أن مكانة الدولة المهابة في المنطقة بدأت تذبل، وصارت دولة صغيرة مثل تونس تتجرأ عليها وتقول لا، في تمرين أولي للمواجهة مع حزب الله خلال اجتماع وزراء الداخلية العرب.
– عادل الجبير يشبه مذياعاً مرتفع الصوت يأتي من الوادي الذي تدهورت إليه السيارة التي تحمله وتحطمت، ولا زال صوته يوهم المارة أن السيارة المتدهورة تشتغل.
(البناء)