الحملة الممنوعة من الصرف
غالب قنديل
منذ انطلاق الحملة السعودية العدائية ضد حزب الله طرحت في وسائل إعلام اجنبية وعربية تفسيرات وتأويلات عديدة بخصوص الاحتمالات المتوقعة كنتيجة للتحريض الواسع داخل لبنان وكذلك لسلسلة الإجراءات والتدابير والتهديدات السعودية والخليجية .
برزت المشكلة في حقيقة الخيارات التي طرحت على تيار المستقبل وقوى 14 آذار لاتقاء الغضب السعودي الذي كان في جله موجها إلى هذا الفريق المتهم من رعاته السياسيين والماليين بأنه مقصر في التصدي لدور حزب الله وفي كبح تنامي حجمه الفعلي داخل لبنان والمنطقة رغم كل ما تلقاه من دعم مالي وسياسي.
الرغبة السعودية كانت بالتأكيد تتخطى حدود استرضاء المملكة عبر الحملات الكلامية والتحريضية التي شنتها هذه الأطراف ضد حزب الله منذ عودة الرئيس سعد الحريري وقد بدت واقعيا عاجزة عن صرف الغضب السعودي بخطوات عملية تغير المعادلات السياسية اللبنانية فالتوازنات الميدانية لا تحتمل المغامرة التي قد تقود إلى عكس المطلوب وتتسبب بما لا تحمد عقباه ولذلك ظهر التخبط على هذه الأطراف في تلمس السبيل السياسي الذي يراد به صرف التعبئة التحريضية التي خضت الشارع اللبناني وأثارت كثيرا من القلق في صفوف المواطنين بمن فيهم من محازبي قوى 14 آذار ويمكن تمييز ثلاثة خطوط للتصعيد طرحت نفسها واقعيا.
الخط الأول وهو الإطاحة بالحكومة من خلال استقالات جماعية ذهب وزير العدل منفردا لتدشينها افتراضيا بينما فتح النقاش بإمكان تعيين بديل له بدلا من اللحاق به برزمة استقالات كما تخيل وسرت في منتديات 14 آذار وإعلامها فكرة كانت معروفة وهي أن استقالة الحكومة على الصعيد الدستوري لا تساوي شيئا لتعذر فتح الباب امام تشكيل حكومة جديدة نتيجة الشغور الرئاسي وجل ما في الأمر ان استقالة الحكومة اللبنانية لا تساوي في الوضع الدستوري الراهن غير انتقالها إلى تصريف الأعمال وهي اصلا بنتيجة الاستعصاء السياسي بالكاد تقوم بذلك في ادائها المتعثر .
الخط الثاني تعطيل الحوار السياسي الجاري في مقر رئاسة المجلس النيابي بين مختلف الكتل النيابية أو الحوار الثنائي بين المستقبل وحزب الله في المقر نفسه واظهرت التجربة أنه لا يمكن الاستغناء عن هذه القناة لاحتواء التشنجات المحتملة في الشارع مع انفلات التحريض السياسي والإعلامي الذي حركته وبادرت إليه قوى 14 آذار وبصورة خاصة المستقبل والقوات مع تسجيل التحفظ الكتائبي الواضح في موضوع المطالبة بالاعتذار للسعودية.
انكفات قوى 14 آذار من جديد بعد التصعيد الذي قامت به صوب خطوط المساكنة الممكنة في الحكومة ودوائر الحوار لأنها اكتشفت عقم الرهان على تعديل التوازنات بترجمة الغضب السعودي إلى فرط الحكومة التي سوف تكون محكومة دستوريا بمواصلة حمل الحد الأدنى من المسؤولية حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية ولكن الأهم هو ان معلومات سياسية أشارت إلى تحذير أميركي وفرنسي مباشر من ارتكاب حماقة سياسية تصعيدية فالإدارة الأميركية اعتبرت سابقا ومنذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام انها وفرت سقفا واقعيا للاستقرار بعدما فرضت على المملكة السعودية وحلفائها اللبنانيين التراجع عن الفيتو المعلن ضد مشاركة حزب الله في حكومة واحدة وكانت واشنطن تقيم في ذلك حسابا لتوقع الشغور الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان الذي فشلت محاولة تسويق التمديد لولايته الرئاسية والتي شكلت الدافع للهبة السعودية المخصصة للجيش التي أعلنت المملكة إلغاءها بعد سنة من المعلومات المتضاربة حول مصيرها بين الرياض وباريس وبيروت .
الخط الثالث لترجمة التصعيد السعودي كان افتراض قيام تركيا والسعودية بالرد المباشر على التحولات المتراكمة في الميدان السوري ولاسيما في محافظة حلب عبر تفجير عسكري في الشمال اللبناني ينطلق بمجموعات من داعش والنصرة تخترق الحدود وتتوسع نحو طرابلس وحيث يراهن مروجو هذا الاحتمال من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ( الذين يتبين من يفحص نصوصهم انه اغبياء يجهلون الجغرافية التي يتحدثون عنها ) وقد أغوتهم الفكرة بهدف الرهان على إرباك حزب الله والجيش السوري لوقف التقدم في حلب وما لم يوضع في الحساب هو استعصاء الواقع العسكري والأمني داخل سورية وفي المناطق المحاذية للحدود اللبنانية من جهتي الشرق والشمال والرفض الشعبي اللبناني للتورط مجددا في معمعة امنية وعسكرية كالتي سبق ان عاشتها طرابلس وعكار بفضل تورط تيار المستقبل والجماعة الإسلامية وتشكيلات متطرفة كثيرة في الحرب على سورية وما حصل من ارتدادات امنية دفع ثمنها الناس وما زالوا يذكرونها وقد أقفلها تحرك الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الذي فرض الأمن في طرابلس وجوارها بالقوة تحت غطاء التوافق السياسي الذي انتج الحكومة .
في الخلاصة يتضح مما تقدم ومن التداعيات السياسية الإقليمية لاستمرار الحملة السعودية التي حفزها القرار الأميركي بالتصعيد ضد حزب الله من خلال قانون الكونغرس الأخير بهذا الخصوص أن وظيفتها الفعلية هي توفير الغطاء التمهيدي والمسبق لحرب إسرائيلية قادمة يستمر الإعداد لها منذ هزيمة إسرائيل وشركائها العرب في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في تموز 2006 وبمعونة قوى 14 آذار من الداخل اللبناني بهدف التخلص من حزب الله لكن التبصر في نهضة قوى ونقابات وأحزاب وحكومات في العديد من الدول العربية لرفض اتهام حزب الله بالإرهاب ولتمجيد دوره القومي والوطني يقود إلى القول إن الحملة السعودية تغوص في لجة اليأس والفشل.