«داعش» يضرب في تونس: معركة كسر حدود مع ليبيا؟ دمشق – عبد الله سليمان علي
عملية إلغاء مفاعيل «كسر الحدود» بين سوريا والعراق، التي تتولاها على الأرض «قوات سوريا الديموقراطية»، بغطاء جوي أميركي لقطع خطوط إمداد تنظيم «داعش» بين البلدين، قابلها صباح أمس مشهد معاكس جاء من الحدود الليبية ـ التونسية، وتحديداً من مدينة بن قردان التي كانت مسرحاً لهجوم مسلح واسع قام به مقاتلون محسوبون على «داعش».
وقد أظهر الهجوم مدى هشاشة الوضع الحدودي بين تونس وليبيا، وأن كل الإجراءات التي اتخذها الجانب التونسي، ولا سيما إقامة الساتر الترابي على طول حدوده مع ليبيا، لم تكن مجدية لدرء تونس من تجرع كأس الإرهاب الذي تعاني منه جارتها طرابلس، لكن الأخطر أن الهجوم أعاد إلى الأذهان مشهد «كسر الحدود» الأول الذي جرى بين الموصل في العراق ودير الزور في سوريا منتصف العام 2014.
وقال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ما يؤكد هذه المقارنة، حيث أكد، في تصريح تلفزيوني، أن «هذا هجوم غير مسبوق ومنظم ومنسق، وكانوا يقصدون منه ربما السيطرة على الأوضاع في هذه المنطقة والإعلان عن ولاية جديدة».
وقد ظهرت في سوريا والعراق ملامح خطة أميركية تسعى لإغلاق الحدود بين البلدين، يتولى تنفيذها على الأرض فصائل مدعومة أميركياً مثل «قوات سوريا الديموقراطية» و «جيش سوريا الجديدة». ونجحت هذه الخطة إلى الآن في السيطرة على جزء لا يستهان به من هذه الحدود وبعض المعابر المهمة، خصوصاً السيطرة على منطقتي الهول والشدادي في سوريا ومنطقة سنجار في العراق.
وما زالت العملية مستمرة، من دون الإعلان عنها صراحةً، وقد تمثلت آخر خطواتها بهجوم «جيش سوريا الجديدة» على معبر التنف، الأسبوع الماضي. ومع أن الهجوم فشل وتمكن «داعش» من المحافظة على هذا الشريان الحيوي بين البلدين، غير أنه شكل دليلاً على أن الولايات المتحدة، التي تقود التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، تضع نصب عينيها هدف إقفال الحدود بين البلدين تحضيراً لمعركتي الموصل والرقة اللتين كثر الحديث حولهما مؤخراً.
وكان تنظيم «داعش» قد أعلن عن «كسر الحدود» بين سوريا والعراق في شهر حزيران من العام 2014 على لسان المتحدث الرسمي باسمه أبو محمد العدناني، متخذاً من هذه الخطوة مرتكزاً أساسياً لإعلان «دولة الخلافة».
وبغض النظر عن النيات الأميركية من وراء إغلاق الحدود، وفي أي سياق تحاول وضعها، وهل تدخل في إطار التنسيق بينها وبين موسكو، أم بالعكس؟ فإنها تشير إلى ارتفاع حدة التنافس بينهما، خصوصاً فيما يتعلق بمعركة الرقة، التي سبق للجيش السوري أن أعلن عن معركة التوجه إليها، فإنه مما لا شك فيه أن إغلاق الحدود كان سيشكل لو تم ضربة قاصمة لتنظيم «داعش» قد تكون البداية الفعلية لافتتاح مرحلة نهايته، لا سيما أن ذلك يتزامن مع استمرار الهدنة السورية للأسبوع الثاني على التوالي، ووقف إطلاق النار مع كل الفصائل المسلحة باستثناء «داعش» و «جبهة النصرة»، ما يعني أن التحالفين، اللذين تقودهما موسكو وواشنطن، سيكونان متفرغين بالدرجة الأولى لقتال «داعش»، كون مناطقه معزولة عن مناطق باقي الفصائل بخلاف «النصرة».
لذلك كان من المفاجئ أن يأتي الهجوم على مدينة بن قردان في هذا التوقيت، الذي كان مفترضاً فيه أن يشكل ذروة الضغط على تنظيم «داعش» من كل النواحي، العسكرية والأمنية والاقتصادية. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول إستراتيجية محاربة تنظيم «داعش» وما الجدوى من التحالفات التي تعقد لهذا الهدف، في ظل انقسام دول العالم وامتناعها عن التعاون والتنسيق في ما بينها من أجل وضع إستراتيجية واحدة تعمل جميع الدول على تنفيذها ضمن غرفة عمليات مشتركة؟
وتعد مدينة بن قردان أهم خزان بشري لتنظيم «داعش» في تونس. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن 17 في المئة من التونسيين المنتسبين إليه جاؤوا من هذه المدينة المعروفة بتفشي الفقر، ووجود أعداد كبيرة من الليبيين فيها، وبكونها تعتاش على التهريب بين البلدين. وهي ذات موقع استراتيجي مهم لوقوعها على الحدود مع ليبيا، التي تشهد تصاعداً ملحوظاً في انتشار وقوة «داعش» فيها، وكذلك لقربها من جزيرة جربة السياحية التي شهدت في العام 2012 تفجير كنيس يهودي أودى بحياة 6 ألمان وفرنسي وعشرات الجرحى.
ومن غير المستبعد أن يكون تنظيم «داعش» قد أجرى تعديلات جذرية على إستراتيجيته العسكرية لاحتواء ملامح الهزيمة التي بدأت تطل بقرنها عليه في سوريا والعراق، نتيجة اقتراب العمليات العسكرية من معقليه الأساسيين، الموصل والرقة. وهو بلا شك سيحاول الاستفادة من الثغرات التي تفتحها أمامه تناقضات المصالح بين الدول التي تحاربه، بهدف التسلل منها، وتأخير نهايته قدر الإمكان. ومن أهم معالم هذه الإستراتيجية الجديدة محاولة نقل ثقله العسكري إلى دول أخرى، لفتح جبهات واسعة تضطر الدول الكبرى جراءها إلى تأجيل عملياتها ضده في سوريا والعراق، ما يكسبه المزيد من الوقت.
وقد بدا هذا واضحاً من خلال تحضيراته للقيام بعملية كبيرة في مدينة إربد في الأردن، والتي تمكن الأمن الأردني من إحباطها بعد ساعات طويلة من الاشتباكات غير المسبوقة. وكذلك تصاعد العمليات في شبه جزيرة سيناء في مصر، والهجوم الأخير على المدينة التونسية بن قردان، وقبلها الهجوم في أندونيسيا وغيرها.
فهل ينجح «داعش» في «كسر الحدود» مجدداً، أم أن دول العالم ستدرك قبل فوات الأوان أن الخطر الذي يمثله هذا التنظيم أكبر من أن يجري استثماره في أجندات كيدية بين بعضها بعضاً؟.
(السفير)