الانسحاب السعودي من لبنان يقلق واشنطن .. طهران تملأ الفراغ: ابراهيم ناصرالدين
هل هو تسليم بالخسارة على الساحة اللبنانية؟ هل هو انسحاب من المواجهة؟ ام مقدمة لمعركة مفتوحة على كل الاحتمالات؟ هي الاسئلة الحائرة المطروحة على بساط البحث والتشريح لدى الدوائر المحلية والاقليمية والدولية، الحليفة، والمعادية للملكة العربية السعودية ، حتى الان لا اجوبة حاسمة، خصوصا عند الحلفاء، لكن لكل اجابة محتملة تداعيات لا يعرف احد حتى الان مداها وحدودها في الزمان والمكان، وبالانتظار يعود تيار المستقبل الى «لعبته» المفضلة بصفته التيار الاكثر «انتهازية» وحبا لاقتناص الفرص الضائعة، عله يخرج «منتصرا» من الحرب الخليجية المفتوحة على حزب الله؟ فهل يستطيع ذلك؟ ام انه سيكون امام خيبة أمل جديدة؟
طبعا هذه الاسئلة المطروحة تحتاج الى الاجابة عن سؤال جوهري يرتبط بما تريده المملكة من «كسر الجرة» مع حزب الله، ربما بعدها يسهل الاجابة عن بقية الاسئلة، فالحيرة لا تقتصر على الحلفاء في لبنان وانما على «الرعاة» الدوليين حيث تعاظمت الاسئلة الديبلوماسية الغربية وفي الولايات المتحدة الاميركية بشكل خاص، بحثا عن اجابات دقيقة حول الاهداف المضمرة وراء القرارات السعودية، ووفقا للمعلومات لم تتلق الادارة الاميركية حتى الان توضيحات مقنعة حول خلفية «الغضبة» السعودية التي ترجمت بمنع المساعدات العسكرية عن الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي، كما ان باريس تنتظر ايضاحات مماثلة من ولي العهد محمد بن نايف، من الصعب ان يحمل اجابات مقنعة حول هذه المسألة، بحسب اوساط دبلوماسية غربية، رجحت ان لا يكون الامير السعودي مدركا لطبيعة قرار يقدم خدمة مجانية لحزب الله اتخذه ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، لكن يبقى الاهم بالنسبة لهذه الدوائر معرفة «الخطوة» السعودية المقبلة لما لها من تداعيات على الاستراتيجية الغربية غير الراغبة بالحاق لبنان بالدول «الفاشلة» في المنطقة.
وبحسب تلك الاوساط فان القرار خطر بكل المقاييس ويفتح العديد من الاحتمالات، فالنقلة السعودية في نظر البعض توازي قرار دخول الحرب في اليمن، أو هي بالأحرى استكمال لذلك القرار، والتوقيت يثير الريبة، فالاميركيون يستغربون هذه الاندفاعة السعودية الان، خصوصا ان الساحة اللبنانية مرت بظروف صعبة جداً على حلفائها، لم تؤد الى قرارات سعودية مماثلة، فالرياض لم تصنف حزب الله ارهابيا حتى بعد اسقاط حكومة الحريري خلال وجوده في البيت الابيض، كما لم تفعل ذلك في 7 ايار2008 حين اسقطت حكومة السنيورة في الشارع، يومذاك قررت السعودية زيادة الدعم للجيش بالتنسيق مع الولايات المتحدة وفرنسا، وكان التبرير دعم المؤسسة الشرعية القادرة على ملء الفراغ، ومواجهة تعاظم قدرات الحزب العسكرية، فما الذي تغير؟ لا شيء على العكس من ذلك زادت القناعة الغربية بضرورة دعم المؤسسة العسكرية في ظل رهان جدي على دور الجيش في مواجهة التحديات الأمنية ومواجهة المد التكفيري، فهل بقطع المساعدات عن الجيش يمكن اضعاف حزب الله؟ ام العكس هو الصحيح؟ وهل هكذا يمكن محاصرة الارهاب؟ وهل هذه الخطوات ستخرج قوى 14 آذار من حالة الاحباط المتعاظمة؟ وهل السياسة الخليجية الجديدة تؤمن حماية لوحدة واستقرار لبنان؟
واذا لم يكن التصرف السعودي انكفاء أو انسحابا، فكيف يمكن الانتصار في مواجهة لا تبدو ادواتها جاهزة على المدى القصير والمتوسط؟ واذا لم تنتصر السعودية في سوريا او اليمن فكيف ستحقق ذلك في لبنان حيث يفتقر الحلفاء الى مقومات الصمود السياسي والمادي، وهل وصفة «الصبر والصمود» يمكن ان تكون كافية لتحقيق الانجازات؟ من هنا يمكن الاستنتاج ان السعودية قررت «فجأة» ان تخرج من المعادلة اللبنانية دون الاكتراث للنتائج السلبية لقرارها، تاركة وراءها «ايتام» لا يعرفون ما هي الطريقة الفضلى لمواجهة الواقع الجديد، لكن الاكثر خطورة ان السعودية لم تقدم اي بدائل مقنعة، واشنطن غير جاهزة لملء الفراغ، والمثير للدهشة أنها بدل التقدم تراجعت خطوة للوراء ما سيزيد من نفوذ إيران لان ثمة اجماعاً على ان التصعيد الراهن لن ينجح في الضغط على حزب الله، بل سيزيد الضغوط على حلفائها.
وبحسب هؤلاء فان الرياض تركت الحلفاء في بيروت في وضع صعب ومستحيل في مواجهة حزب الله، وهذا ما يعزز الاعتقاد بان السعودية المدركة لهذه الوقائع، غيرت من اولوياتها ولم تعد مهتمة «بالاستثمار» السياسي والامني على الساحة اللبنانية، وتفضل التركيز على ساحات اخرى، وهذا ما يفسر التراجع في الدعم المالي لحلفائها في بيروت، وما اثار حنق السعوديين ان حزب الله لم يقبل تعويم حليفها سعد الحريري من خلال مبادرة رئاسية ظنت انها ستعيد رجلها «القوي» الى السلطة «بصلاحيات» استثنائية، فرغم تراجع السعودية عن ترشيح حليفها في تيّار «14 آذار» رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وقبولها ترشّيح الوزير سليمان فرنجية المحسوب على حزب الله بل والمقرّب من النظام السوري، تمسك الحزب بدعم الجنرال ميشال عون «المغضوب» عليه سعوديا، ما اعتبرته رفضا لتسوية وقرارا مسبقا بالحاق الهزيمة الكاملة بمشروعها السياسي على الساحة اللبنانية.
وامام حالة «التخبط» السعودي في ادارة المعركة على الساحة اللبنانية، يحاول تيار المستقبل الاستفادة مما يعتبره «حشرا» لحزب الله في «الزاوية»، ويتحرك الرئيس الحريري على خط عين التينة مقدما نفسه كـ «المخلص» لما يعتبره «ورطة» قد يكون قادرا على المساهمة في حلها، لكن ثمة «شروط» مطلوبة من الحزب لتسهيل «المهمة»، طبعا المطلوب تنازلان الاول في الملف الرئاسي والثاني في مسألة تشكيل الحكومة المقبلة، وهاتان الخطوتان يرى فيهما زعيم «التيار الازرق» مفتاحاً لاي دور يمكن ان يقوم به في المملكة «لعقلنة» المواجهة على الساحة اللبنانية، وهو يتحدث عن عجز في «كسر» «العناد» السعودي دون تنازلات من الفريق الاخر، واذا كانت مسألة الانسحاب من سوريا امراً غير قابل للنقاش، واذا كان تغيير موقف الحزب من الحرب في اليمن مستحيلاً، فيمكن ان تكون «رسائل» «حسن نية» من خلال الافراج عن الاستحقاق الرئاسي والحكومي «بتفاهم» مع الرياض، خصوصا ان المطروح هو انتخاب الوزير سليمان فرنجية وليس مرشح تحدي للحزب وجمهوره، وبعد الاتفاق على الحكومة والرئاسة، يمكن فتح قنوات الاتصال مع المملكة لابعاد تداعيات الملفات الاقليمية عن لبنان، اي العودة الى «المربع الاول» ما قبل التصعيد الاخير.
طبعا طروحات مماثلة لن تجد سوى الاذان «الصماء» لدى حزب الله، المدرك لحالة الوهن لدى حلفاء المملكة، وانعدام قدرتهم على التاثير في قراراتها، كما ان الحزب ليس في صدد تقديم جوائز ترضية لاحد، وليس في موقف ضعيف لتقديم تنازلات غير واقعية، ومن يظن انه يمكن ان يحقق مكاسب من خلال سياسة «لي الاذرع» فهو واهم، وبعد ساعات ستكون هناك مواقف واضحة للسيد نصرالله في هذ السياق. قبل يومين قال مسؤول إيراني بارز لصحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية «يشعر السعوديون بأن إيران تكسب وهم يخسرون» إيران في صعود والعالم العربي في عالم النسيان، ولذلك يقوم السعوديون بلعب لعبة غاضبة وعنيفة»… هذه الكلمات تشرح ببساطة طبيعة المعركة الراهنة وتقدم الاجابة للذين يتساءلون عن خلفيات التصعيد السعودي ضد حزب الله…
(الديار)