مقالات مختارة

التفاهم الروسي الأميركي: إخراج تركيا وفرصة للسعودية؟ ميرنا قرعوني

 

في ذروة التهديدات بإرسال قوات تركية وسعودية الى سورية بعد الاندفاعة القوية للجيش السوري وشركائه بمؤازرة الحملة الجوية الروسية، كانت الاتصالات بين القيادة الروسية والإدارة الأميركية ناشطة لإنتاج تفاهم بين الجبارين أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتبنّته الإدارة الأميركية كإطار لاتفاق تنفيذي حول آلية وقف إطلاق النار في سورية ومواصلة الحرب ضدّ الجماعات الإرهابية التي حدّدت بـ»داعش و»جبهة النصرة» وغيرهما، كما ورد في النص.

وتوالت بعد ذلك الخطوات الروسية – الأميركية المشتركة التي تفصح عن آليات تنفيذية يتقدّم فيها الشريكان الروسي والأميركي بخطة لفرز الجماعات المسلحة ومن خلال صيغة تضفي شرعية دولية لقتال الجيش السوري ضد الجماعات الإرهابية مع شركائه جميعاً على الأرض، وبصورة تضع في الامتحان والفرز الجماعات المسلحة من خلال وضعها أمام اختبار المجاهرة بالاستعداد لمقاتلة الإرهابيين لتحظى بفرصة الهدنة وما يليها من ترتيبات سياسية.

وقد أكد الاتفاق الذي سيدخل نظرياً حيّز التنفيذ ليل الجمعة السبت استمرار القتال ضدّ الإرهاب مجسّداً بالجماعات التي يدرجها مجلس الأمن الدولي ضمن هذا التصنيف.

الاتفاق الأميركي ـ الروسي شكل صدمة محبطة ومربكة لكلّ من تركيا والسعودية، فقد سقطت محاولات تعويم «جبهة النصرة» ومثيلاتها عبر حذفها من قوائم الإرهاب، وبينما لحظت روسيا إمكانية للتعاون مع المملكة السعودية في الآلية المقترحة من خلال اتصال بوتين بالملك سلمان بن عبد العزيز أظهرت ردود الفعل التركية التي صدرت خصوصاً في تصريحات رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو حنقاً كبيراً من الصيغة المطروحة التي تكرّس دور وحدات الحماية الشعبية الكردية كشريك في القتال ضدّ الإرهاب، وظهرت الى جانب ذلك بصورة نافرة وجبات القصف المدفعي التركية للمواقع الكردية على الحدود، وهو ما سيطرح مزيداً من التعقيد في العلاقات الأميركية – التركية، بينما تؤكد المعطيات أنّ الموقف التركي ناتج من مازق داخلي له علاقة باتساع رقعة المواجهة بين حكومة أنقرة وحزب العمال الكردستاني حيث تسجل يومياً اشتباكات ومعارك في الأقاليم التركية التي يوجد فيها الأكراد، وردّد بعض المحللين الأتراك على لسان مصادر حزب العدالة كلاماً صريحاً عن الخوف من انتقال العدوى الى الداخل التركي في حال تكريس أكراد سورية كشريك في محاربة الإرهاب معترف به دولياً على الصعيدين السياسي والعسكري.

يرى بعض الخبراء أنّ خريطة القوى التي يرسمها إطار الاتفاق الروسي ـ الأميركي سوف تقود الى شطب الجماعات المرتبطة بتركيا، بينما تعطي فرصة لاحتواء الجماعات المرتبطة بالسعودية في حال التزامها بأولوية مكافحة الإرهاب.

الكتلة الأساسية من الجماعات المسيطرة في جبهات الشمال السورية تتشكل من «جبهة النصرة «وحركة «أحرار الشام»، وبعض الجماعات الصغيرة وهي ترتبط بتركيا مباشرة، وهي لا تنضوي في جبهة واحدة، وهذا ما يجعل الطابع الرئيسي للتعامل مع جبهات الشمال هو استمرار الحملة العسكرية ضدّ هذه الكتلة التي تغلب عليها سيطرة «جبهة النصرة» و»أحرار الشام»، وحيث لا تملك الجماعات الصغيرة حالة مستقلة ومختلفة في تكوينها التنظيمي والعقائدي، وهذا ما يعني أن اتفاق الهدنة الذي يغطي استمرار العمليات العسكرية يقضي بحذف الجماعات الممثّلة للنفوذ التركي في آلة الحرب على سورية، بينما تحظى السعودية بفرصة أكبر لحماية نفوذها من خلال الجماعات التابعة لها في الجبهة الجنوبية وفي الغوطة إذا ما أصدرت إليها تعليمات واضحة بالقتال الى جانب الجيش السوري وشركائه ضدّ «داعش» و»النصرة» انسجاماً مع شروط الهدنة، وهذا هو الممرّ الإجباري الممكن الى الشراكة في العملية السياسية لاحقاً، ما سيخضع المملكة السعودية لامتحان صعب في القدرة على التكيّف مع التحولات التي فرضها رجحان كفة الجيش السوري وحلفائه بقيادة روسيا.

والسؤال المطروح في ضوء ما ظهر من تفاعلات أعقبت الاتفاق الروسي ـ الأميركي هو: هل تمّ التفاهم الأميركي ـ الروسي على استفراد تركيا وإخراجها من سورية وإغراء السعودية بالدخول ضمن التسوية وتاهيل جماعتها لدخول العملية السياسية؟

كما تمّ التداول سياسياً وإعلامياً بسؤال آخر حول خلفيات ما أعلن عن تحفظات سورية والتصميم على تعيين موعد للانتخابات التشريعية، وتدلّ الوقائع على أنّ مصدر التحفظات يرتبط بعدم تضمّن الاتفاق الروسي الأميركي نصاً صريحاً على إغلاق الحدود التركية والأردنية أمام إرساليات المال والسلاح والمسلحين، بينما يأتي التصميم على إجراء الانتخابات التشريعية بمثابة رسالة حول القرار السوري بعدم انتظار أيّ كان في المجال السياسي بالفصل بين الآلية الدستورية الطبيعية التي صمّم عليها الرئيس الاسد منذ بداية الحرب والعملية السياسية، وما قد تسفر عنه بنتيجة الحوار السوري ـ السوري مع استمرار العمل الجاري لضرب الجماعات الإرهابية.

وفقاً لما تقدّم يبدو أنّ الأحداث في سورية تسلك ثلاثة مسارات واقعية: المسار الروسي ـ الأميركي المعبّر عنه بالاتفاق المعلن الذي يضمن الاعتراف بشرعية الدولة السورية وجيشها وحلفائها في الحرب على الإرهاب، والمسار الروسي ـ السوري الذي يضمن إنجاز فرز سياسي وعملي للتشكيلات المسلحة بهدف تمييز القوى الإرهابية التي ستبقى هدفاً للعمليات العسكرية المستمرة وللجماعات التي تميّز نفسها وتحظى بفرصة التحوّل الى شريك محتمل في العملية السياسية، أما المسار الثالث، فهو المسار المعقد بين الولايات المتحدة وشريكيها التركي والسعودي.

في هذا المناخ السعودية تواجه اختبار الفرصة الذي سيحسم في ضوء نتائج زيارة الملك سلمان المقبلة الى روسيا، بينما تواجه إدارة أوباما تحدّي تأهيل حليفها التركي لهضم نتائج شطب نفوذه في سورية والكفّ عن محاولة تخريب عملية وقف القتال ومكافحة الإرهاب معاً.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى