حقائق في زحمة التهويل
غالب قنديل
في حمى التحريض السعودي على المقاومة ودورها في حماية لبنان عبر التصدي للعدو الصهيوني وللتهديد التكفيري الإرهابي يستمر داخليا التهويل على الرأي العام اللبناني في الخطاب الضاغط لاسترضاء المملكة السعودية ولتوصيف “غضبها ” ونتائجه المتوقعة على لبنان واقتصاده وعلى أحوال مهاجرين لبنانيين يعملون في الخليج ويتواجد جلهم مع عائلاتهم هناك ويدور كلام كثير عن خطر ترحيلهم على دفعات بينما شرعت تظهر مؤشرات وخطوات في هذا الاتجاه.
أولا ينتشر الكلام عن الهبات السعودية او ما درج المتزلفون على تسميته بالمكرمات وكأنها سر اقتصاد لبنان وقيامته منذ اتفاق الطائف وواقع الحال الراهن كما أفاد الخبراء ينطوي على مساهمة متواضعة للوديعة السعودية لدى مصرف لبنان التي تم تسديد معظمها بعدما دفعت الخزينة فوائدها بانتظام في حين لا تشكل الودائع السعوديةالأخرى سوى نسبة ضئيلة من المجموع الفعلي لموجودات القطاع المصرفي ولا يمكن لأي تدبير سعودي ان يهدد الاحتياط النقدي لمصرف لبنان ولا مجال بالتالي لتهديد الاستقرار المالي .
حظيت المملكة بأمرائها ومجموعاتها المالية والاستثمارية بتسهيلات كبيرة وكانت خلال سنوات الحرب الأولى تحت حماية منظمة التحرير الفلسطينية ثم في عهدة حكومات الرئيس أمين الجميل وحصدت بعد الطائف أرباحا هائلة من خلال مجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي تركز معظمها في سندات الخزينة وأسهم سوليدير وأنشطة عقارية ومصرفية كثيرة حظيت بالاعفاءات والتسهيلات بمراسيم غب الطلب في مجلس الوزراء، ويعلم الرأي العام اللبناني كيف تم إقرار صيغة سوليدير وكيف اشتريت أسهمها على سعر منخفض وجنى المساهمون الكبار أرباحا خيالية من تلك الأسهم على حساب أصحاب الحقوق المقهورين الذين اختنقوا بمظالم حملة شرسة نزعت ملكياتهم ومدخراتهم وثمار شقاء عائلاتهم لأجيال بصيغة جبرية وثمة اكثر من رواية عن ظلم التخمينات وعن تمويل تدمير وسط بيروت عشية الطائف بعطايا وهبات سعودية قدمت لبعض الميليشيات لخدمة تلك العملية ( كتاب الضوء الأصفر للسفير السابق عبدالله بوحبيب ) كما قيل الكثير عن تصميمات سوليدير التي أنشئت بمعايير خدمة التطبيع مع إسرائيل بعد إقلاع الخطة الأميركية السعودية للتسوية الإقليمية التي أعقبت عاصفة الصحراء وليس بمعايير وظيفتها كوسط لعاصمة الشعب اللبناني وذاكرته وتاريخه وهذا ما شكل محتوى دراسات هندسية اجتماعية وثقافية واقتصادية علمية نقدية للمشروع برمته والذي جرى تهديد واستهداف معارضيه في حينه وتم شطبهم تباعا من المعادلة عبر الاستقواء بالدور السوري الذي احاطه المستفيدون بحملات تسول سياسي وقصائد ويافطات عن العروبة لا تقل صخبا عن الضجيج الذي يجتاح أسماع اللبنانيين حاضرا حول “مملكة الخير “.
ثانيا لبنان كان بعد الطائف ميدانا مفتوحا أمام الأمراء والمشايخ ومجموعاتهم وشركاتهم لجني الأرباح الخيالية التي حققتها مجموعات مالية سعودية من الفوائد على سندات الخزينة بلغت أرقاما قياسية وهي بمثابة فوائد ربوية يحظرها القانون اللبناني ( وينبذها العرف الديني والأخلاقي على سبيل التنويه) وقد بلغت تلك الفوائد معدلات غير مسبوقة تخطت الأربعين بالمئة في سنوات التسعينيات وتقول بعض التقديرات المتحفظة ان مجموعها يتخطى عشرين مليار دولار من مجموع كتلة الدين العام دفعت لمجموعات جلها سعودي اشترت سندات الخزينة على سعر الفائدة المرتفع وهي ممولة من الشعب اللبناني الذي يتحمل عبئها المتراكم ( البعض يقدرها بأربعين مليار دولار ) وكان يمكن تحاشي هذه اللعبة بخيار اقتصادي مختلف طرحه واقترحه ودافع عنه خبراء مرموقون تحولوا إلى ضحايا للترهيب المخابراتي والتنكيل السياسي كالرئيس الدكتور سليم الحص والوزير الدكتور الياس سابا والوزير المهندس هنري إده والمهندس مالك سلام وغيرهم الكثير من ضحايا المشروع الإعماري الذي فرضته المملكة بمعونة جناح في الإدارة السورية ثبت تآمره على بلاده لاحقا لحساب الحلف الأميركي السعودي.
إن الحضور السعودي المعزز في لبنان كان مصلحة سعودية لا منة على اللبنانيين وما سمي بالدعم السعودي صرف نفوذا سياسيا للمملكة ولحليفها الأميركي ودورا مباشرا قادت عبره السنيورية المالية هيكلة جديدة للقطاع المصرفي حذفت بموجبها مصارف لبنانية كثيرة وكتلة كبيرة من المتمولين اللبنانيين الذي سحقوا وجرى تفليسهم حال رفضهم عروض الشراء وفي هذا السياق اعيد رسم خريطة الوكالات التجارية اللبنانية في المنطقة العربية لصالح شركات ومجموعات استثمار سعودية بالتوازي مع التدخل السافر في تكوين السلطة السياسية اللبنانية وتوازناتها الداخلية وكذلك في سياسة لبنان الخارجية فالنشاط السعودي المالي ابتغى الربح والنفوذ وفي خدمته وحمايته كان التدخل السياسي السعودي خلال أكثر من أربعين عاما والهبات الضئيلة كانت تغطية لحصاد الأرباح الجزيلة.
ثالثا لم يسبق ان دعي اللبنانيون للسفر والعمل في الخارج بداعي الإحسان إليهم لتقديم منة فرصة العمل ويستحق اللبنانيون الذين قصدوا الدول الخليجية الشقيقة عرفانا لدورهم الممتد في عمران الخليج بالشراكة مع أشقاء آخرين من سورية وفلسطين ومصر شكلوا معا منذ اكثر من سبعين عاما جيشا من المهندسين والمقاولين والأساتذة والعمال والمدراء والموظفين والمترجمين والخبراء وكانوا هم طليعة العمران الخليجي وكوادر الشركات والمؤسسات المحلية والأجنبية العاملة في المملكة السعودية والكويت والإمارات وقطر وآلاف اللبنانيين الذين يعملون في تلك الدول تعلموا بكد عائلاتهم وحصلوا على شهادات علمية متقدمة وراكموا خبراتهم وكدحوا بعرقهم وأبدعوا في عملهم وتفوقوا ولم يكونوا عالة على عائلة حاكمة لتمن عليهم بحسنات فكل قرش حصله اللبنانيون في الخليج كان ومايزال حاصل كد وجهد وعرق وكفاح يخدمون فيه اقتصاد البلدان الشقيقة التي هاجروا إليها كما خدموا عائلاتهم وبلدهم بعائداتهم وتحويلاتهم ومما لا شك فيه ان أشقاءنا من الناس العاديين في الدول الخليجية يعرفون هذه الحقيقة ويعيشونها بينما بعض الحواشي النافذة لا تعرف غير سماسرة الصفقات ورواد التسول ومتعهدي المجون من الملحقات اللبنانية التي تشكلت في صفوفها جوقة رديئة من المبخرين المعتاشين على فتات الموائد الملكية والأميرية اما المنتجون والكادحون اللبنانيون في الخليج فهم أصحاب إنجازات مشرفة تستدعي التكريم والعرفان وليس التنكيل والانتقام بفعل حسابات خاطئة تنتج فشلا يستدعي المراجعة بدلا من التنفيس بمحاولة تحطيم لبنان وشعبه وسلمه الأهلي.