اوراق ضغط سعودية ذروتها وقف التعاون الامني وفرع المعلومات ابراهيم ناصرالدين
لم يعد مهما معرفة الاسباب الكامنة وراء التصعيد السعودي على الساحة اللبنانية، الاسباب كثيرة وتحمل في طياتها الكثير من تقاطع الاسباب الداخلية والاقليمية، لكن السؤال الاهم المطروح راهنا يتعلق بمعرفة حدود هذا التصعيد ومخاطره على الاستقرار اللبناني «الهش»، خصوصا ان حلفاء المملكة في بيروت اظهروا حالة من «الضياع» الشديد، ولم يقدموا اي اشارات توحي بانهم جزء من خطة ممنهجة تواكب التصعيد الخليجي، وهذا ما يزيد من مخاطر الانزلاق نحو نتائج غير محسوبة. فما هي السيناريوهات المتوقعة؟ وما هي خيارات قوى 14آذار لمواكبة مرحلة «الكباش» الذي لا يملك احدا اجوبة واضحة عما اذا كان سيتحول الى مواجهة مفتوحة.
وفي هذا السياق، حاولت اوساط ديبلوماسية غربية في بيروت الحصول على اجابات واضحة من عدد من الدبلوماسيين الخليجيين حول حدود تصعيد المملكة العربية السعودية على الساحة اللبنانية، ولم تحصل على اجابات محددة في هذا الاطار، حيث سمعت كلاما غير مقنع عن تدرج في المواقف «الارتجالية» تبعا لاستجابة الافرقاء اللبنانيين للمطلب السعودية، مع العلم ان ثمة قناعة لدى السفارات الغربية بوجود خطة سعودية ممنهجة للضغط على حزب الله عبر سلسلة اجراءات لن تقف عند حدود الضغط المالي والسياسي.
ووفقا للمعلومات، فان الهيئات الدبلوماسية الاوروبية «القلقة» على الاوضاع الامنية على الساحة اللبنانية كثفت في الساعات القليلة الماضية اتصالاتها مع السفارة الاميركية في بيروت وسط ارتفاع المخاوف في «القارة العجوز» من انهيار امني متسارع على الساحة اللبنانية يؤدي الى موجة نزوح كبيرة للاجئين السوريين الى اوروبا، ولذلك ابدى هؤلاء السفراء حرصا شديدا على عدم انفلات الامور، وضبطتها في سياق تصعيد سياسي لا يؤدي الى انهيار الحكومة ولا الى وقف اعمال طاولة الحوار، لكن الدبلوماسيون الاميركيون لم يقدموا اجوبة واضحة حول قدرة واشنطن على «لجم» التصعيد السعودي والحد من مخاطره.
وفي هذا السياق تتوقع اوساط ديبلوماسية عربية ان تكون الخطوة الاولى التي قد تتخذها السعودية والإمارات ومعهما البحرين، ليس فقط ترحيل عدد من العائلات اللبنانية، بل التوقف عن منح تأشيرات زيارة او عمل للمواطنين اللبنانيين خلال الأيام القليلة المقبلة. ويلاحظ حتى الان وجود انقسام خليجي حول الاجراءات ضد لبنان، وثمة ضغوط سعودية جدية على دولتين خليجيتين شريكتين مع السعودية في مجلس التعاون، وهما قطر والكويت، فهما لم تعلنا عن موقف مؤيد للقرارات السعودية، ويعتقد أن السبب وراء عدم إعلان قطر تأييدها للقرار السعودي سياسي وامني يتعلق بمصالح للدوحة في لبنان، وكذلك الأمر بالنسبة للكويت فإن اسباب عدم التأييد تعود للتعقيدات الداخلية في الامارة، وكذلك المصالح العقارية الكبيرة للكويتيين، لكن يبقى السؤال حول قدرتها على مقاومة الضغوط السعودية؟.
اما السؤال الاهم المطروح من قبل الحلفاء في بيروت فيرتبط بالادوات التي يجب استخدامها لوقف ما تسميه الرياض «مصادرة حزب الله لإرادة الدولة»، فالغضب السعودي من الحلفاء لا يزال على حاله بعد ان اخفقوا بعد سبع ساعات من المداولات في مجلس الوزراء في تحقيق المرتجى، وهم لم ينجحوا سوى بالخروج بموقف »مائع « في التعبير عن الوقوف مع المملكة، وازاء ذلك لا يتوقع أن تعطي الحكومة السعودية موعدا قريبا للزيارة التي اقترح رئيس مجلس الوزراء تمام سلام أن يقوم بها على رأس وفد وزاري إلى السعودية للتعبير عن تضامن لبنان مع المملكة. ولا تلوم الرياض سلام في هذا الموقف «المائع» الذي صدر، بقدر ما تلوم به عدم قدرة وزراء تحالف 14 آذار على الوقوف بشكل قوي أمام استمرار ما تسميه «هيمنة حزب الله» على الأوضاع السياسية في لبنان وعلى القرار السياسي للدولة اللبنانية. لكن ما العمل؟
بحسب اوساط سياسية مطلعة، فانه امام صعوبة اتخاذ قرار بفرط عقد الحكومة بغياب البديل، فان احد الخيارات المطروحة على بساط البحث لدى رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري «تجميد» الحوار الثنائي مع حزب الله الى اجل غير مسمى، كخطوة تبدو مرجحة لمواكبة التصعيد السعودي، فهو سمع كلاما واضحا من السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري ابلغه فيه ان ما صدر من مواقف رسمية وغير رسمية خلال الساعات القليلة الماضية لن يؤدي الى تراجع المملكة العربية السعودية عن قرارها اجراء «مراجعة شاملة» للعلاقات مع لبنان، لان تبديد الغضب السعودي لا يمكن «امتصاصه» فقط بالنيات الطيبة لرئيس الحكومة وفريق 14آذار، الازمة اكبر بكثير من ذلك، وما تريده المملكة اجراءات حاسمة تنعكس عمليا تراجعا من قبل حزب الله عن استراتيجيته المعادية للسعودية، اقله الاعلان عن وقف الحملات السياسية والاعلامية، وعدم انتقاد المملكة في الحرب التي تخوضها في اليمن، او التدخل في ازمة البحرين، والاهم من كل ذلك التعهد باجراء مراجعة جدية لتدخل الحزب العسكري في سوريا. طبعا يدرك رئيس «المستقبل» ان هذه الشروط السعودية تعجيزية غير قابلة للتنفيذ، ومرة أخرى، السؤال الموجه إلى القيادة السعودية، ماذا بعد؟ وكيف يمكن منع حزب الله من القتال في سورية؟ وكيف سيتم اقناع الحزب بالتخلي عن تحالفه الوثيق مع ايران؟ طبعا لا جواب واضح حتى الان…
لكن ما يثير القلق يرتبط بخطوتين امنيتين يمكن ان تؤديا في حال حصلتا الى نتائج «كارثية» على الداخل للبناني، الاولى ترتبط بوقف التعاون الامني الاستخباراتي الخليجي حول المجموعات الارهابية التي يشكل المواطنون الخليجيون معظم افرادها،، ما سيسهل عبور هؤلاء الى الاراضي اللبناني والقيام بعمليات تفجيرية وامنية تهدف الى زيادة الضغوط على حزب الله ضمن بيئته، واستدراج ردود فعل يمكن ان تؤدي الى اغراق لبنان في فوضى تجبر الحزب على العودة الى «الداخل اللبناني»، هذا السيناريو وضع في دائرة الاهتمام الشديد لدى الاجهزة الامنية الرسمية وغير الرسمية، وتجري متابعة خيوط ومعلومات جدية حول هذا الامر ومن المرتقب ان تشهد الايام المقبلة عمليات استباقية نوعية في مناطق مصنفة بانها «حساسة».
اما الخطوة الثانية التي تحتاج الى متابعة دقيقة فترتبط باداء فرع المعلومات، فثمة خشية من حصول انتكاسة جديدة في العلاقة بين «الفرع» وامن المقاومة واستخبارات الجيش، تعيد «عقارب الساعة» الى الوراء بعد التحسن المطرد وارتفاع مستوى التنسيق في مواجهة المجموعات «التكفيرية»، وهناك من يخشى دخول سعودي على خط هذه العلاقة من خلال استخدام نفوذ تيار المستقبل لوقف التعاون بين هذه الاجهزة، وهذا ما سيترك انعكاسات سلبية ويوسع دائرة الثغرات الامنية في البلاد، وسيكون بمثابة انتكاسة سيصعب ترميمها بسهولة.
وفي الخلاصة لا تبدو الامور على خير ما يرام، الرياض بشروطها وسياستها «الفوقية المتهورة» تزيد الشرخ بين اللبنانيين وتغامر بالاستقرار وتراهن على قطف اثمان غير واقعية، ويبقى الرهان على ضغوط غربية «تعقلن» السياسة السعودية، وقلة «حيلة» الحلفاء في بيروت، كعاملين مؤثرين في الحد من التصعيد.
(الديار)