نهاية الحقبة السعودية في لبنان… ماذا عن مصر؟
ناصر قنديل
– المنعطف الذي دخلته العلاقات السعودية في لبنان يمثل تحوّلاً جيوسياسياً خطيراً في رسم المعادلات الداخلية اللبنانية مهما بدا التعامل معه من قبل الكثيرين كأزمة يجري العمل على حلها، أو كغيمة صيف عابرة ناجمة عن حالة غضب أو سوء تفاهم، تفيد بعض المنشطات والمجاملات وحملات العلاقات العامة بجلائها وعودة المياه إلى مجاريها، كما يقول رئيس الحكومة تمام سلام، أو كما يُراهن الرئيس سعد الحريري على تظهير حملة تضامن شعبية وسياسية ترضي غرور حكام الرياض بالتوسّل والاستجداء اللبناني، فيعودون بالرضا والقبول إلى ما كان عليه الأمر من قبل.
– الواضح أنّ القرارات السعودية المتتالية بحق لبنان تسير ضمن خطة تصاعدية، ومنها رفض استقبال رئيس الحكومة والوفد المرافق الذي طلب له موعداً من القيادة السعودية، والواضح أنّ الخطة تريد السير بالتوازي بالإذلال السياسي والمعنوي للفريق التابع للسعودية، والعقاب الجماعي للبنانيين، وصولاً إلى القول إنّ على لبنان أن يكون تابعاً وخاضعاً، وإلا فلن يدخل الجنة السعودية.
– يحدث هذا من جهة في زمن الشحّ والتقشف في السعودية، التي تواجه خطر إفلاس حقيقي، لا يصدّق الكثيرون أنّ تحذيرات صندوق النقد الدولي جدية بصدده، وأنّ وقف هوامش الترف السياسي من جداول الإنفاق الملكي تتصدّر النصائح الواجب الأخذ بها، وتوطين الأعمال للسعوديين بتخفيف الاعتماد على اليد العاملة الغالية، تتصدّر النصائح أيضاً، وأنّ لبنان تشمله الوصفتان، فالسعودية لم تنجح في توظيف ما تنفقه على جماعتها من اللبنانيين بجعله نقطة انطلاق مستقلة لحسابها عن تركيا للتدخل في سورية، رغم إغراء الجغرافيا والديمغرافيا، شمالاً وبقاعاً، ولم تنجح في تقديم أوراق اعتمادها للأميركيين و«الإسرائيليين»، في المعركة الأهمّ ضدّ ما يمثله حزب الله كقيمة مضافة في حروب المنطقة، بصفتها الجهة القادرة على تحجيم هذا الفريق، ولم تنجح في ضبط الاستقرار السياسي اللبناني بتمرير صفقة رئاسية تعهّدت بها لواشنطن كمتعهّد إقليمي يعتبر لبنان من مناطق نفوذه، رغم وصولها إلى القبول بحليف للرئيس السوري وحزب الله مرشحاً رئاسياً توافقياً هو النائب سليمان فرنجية.
– الفشل ثم الفشل ثم الفشل، هو ما تحصده السعودية مما تصفه باستثمارها المكلف في لبنان، ولذلك قرّرت أن تستغني عن خدمات اللبنانيين العاملين لديها، وتصرفهم من الخدمة وتضع دفتر شروط جديداً للتوظيف، هو لغير سكان القصور وأصحاب الألقاب، فهي تريد اليوم زعامات شوارع قادرين على جمع مسلحين، وإثارة اضطرابات، لتنتقل من سلطة لا تتبعها بالخطى إلى معارضة تزعج وتربك وتشتبك، وغطاؤها إثارة عاصفة هوجاء في وجه حزب الله عبر مجموعة تدابير قاسية ومؤلمة للبنانيين تريدها أن تصل حتى حدّ الإفلاس لتقول هذا ما جناه عليكم وجود حزب الله أيّها اللبنانيون، وليس موضوعنا هنا كيف سيواجه لبنان واللبنانيون وحزب الله هذا التحدّي، بل ما سيترتب عليه من تغيير منهجي في السياسة السعودية التي كانت صاحبة النصيب الأكبر في صناعة زعامات لبنانية منذ اتفاق الطائف على الأقلّ بأموالها وحصرية إدارتها بالرئيس رفيق الحريري ثم بالرئيس سعد الحريري، لتقول اليوم قلِّعوا شوككم بأظافركم، حتى شركاتكم لا تعنينا ولتذهب إلى الإفلاس، ولن تنجو «سوليدير» من العقاب ببيع الأسهم والعقارات التي يملكها الخليجيون فيها، ولا تمويل انتخابات بلدية ولا نيابية بعد اليوم، فدبّروا رؤوسكم أيها الذين كنتم تعتمدون علينا ولم ننل من ورائكم إلا الفشل.
– لبنان جديد مع سياسة سعودية جديدة، وحراك سياسي يغيّر هيكلياً في بنية طائفة لبنانية حاسمة في حياة لبنان، ولعبت وتلعب دوراً مفصلياً في رسم السياسات والتوازنات فيه، سيقطف التطرّف بعضاً من شرائحها مع هذا التغيّر، لكن ضمور القيادات التي تعتمد على المال السعودي لن يكون لحساب التطرف وحده، فقدر من التوازن بين أوزان القيادات سيعود إلى هذه الساحة، وستظهر الانتخابات البلدية ذلك، ولا يبدو الخروج السعودي للحرب على لبنان مأمولاً بنصر، فواشنطن التي تريد السعودية إثبات قدرتها على التضييق على حزب الله أمامها، تريد أيضاً ضمان الاستقرار ومنع التصعيد من بلوغ لحظة انفجار تضع البلد كله في يد حزب الله وحلفائه، ولا يمكن طلب الشيء ونقيضه من السعودية، بينما مصر صاحبة الدور التقليدي الذي ورثته السعودية في زمن ما بعد جمال عبد الناصر، تستعدّ بدعم روسي أميركي لدور إقليمي يبدأ من بوابة الحرب على «داعش» في ليبيا، ودور وازن مأمول في التسوية السورية، فهل يتحرك المصريون لضمان الاستقرار في لبنان بغطاء روسي أميركي، بينما يكون الأميركيون قد وجدوا للإيرانيين باباً لتوظيف فائض أموالهم على الدولة اللبنانية لحماية اقتصادية لدور حزب الله السياسي والعسكري والأمني، وتصير المعادلة الإقليمية للبنان مصرية إيرانية فينتقل الملف الرئاسي لبنانياً بين القاهرة وطهران مروراً بدمشق؟
(البناء)