ملف العسكريين المخطوفين: من الخطيئة الى العار! د. ليلى نقولا الرحباني
بالرغم من أن قضية العسكريين قد تدخل منحى جديداً مع اعتقال زوجات الإرهابيين، ومنهم زوجة المسؤول في “جبهة النصرة” أنس شركس، المعروف بـ”أبو علي الشيشاني” مع شقيقها راكان في منطقة حيلان زغرتا، وإحدى زوجات أبو بكر البغدادي ونجلها في منطقة المدفون في البترون، لكن ما يحصل كل يوم، وتعرُّض الجيش اللبناني لاعتداءات وكمائن تحصد أرواح عسكرييه الشهداء، يشير إلى أن مصير اللبنانيين ما زال في يد مجموعة من الإرهابيين الرعاع، الذين يستغلون احتجازهم لمجموعة من العسكريين الرهائن، والخروج بهم إلى جرود عرسال؛ في أكبر عارٍ تاريخي يلحق بالنظام السياسي اللبناني على الإطلاق.
بدخول القضية شهرها الخامس، تبرز قضايا عدّة للنقاش:
أولاً: في قول اللبنانيين إن العسكريين قد نذروا أنفسهم وحياتهم للوطن، وكان من المفترَض بهم أن يدافعوا عن أنفسهم وعن مواقعهم حتى النصر أو الشهادة.. في هذا القول بعض من الأحقية، لكن لم يعد ينفع هذا القول، فالعسكريون أحياء، ومن المفترَض بالدولة اللبنانية بذل أقصى ما تستطيع لتحريرهم ضمن الحفاظ على ما تبقّى من الكرامة الوطنية.
ثانياً: لم يكن ما قامت به القوى الأمنية من اعتداء على الأهالي بالقوة، تصرُّفاً يليق بأهالي عسكريين نذروا أنفسهم للدفاع عن الوطن، والحق يقال: إن التراخي الذي تعاملت به القوى الأمنية في السابق مع قطع طريق ضهر البيدر، وإغلاق الشرايين الحيوية، وتعطيل مصالح المواطنين، جعل من أهالي العسكريين أداة ابتزاز يمتلكها الخاطفون، ويبتزون بها الدولة والشعب واللبناني ككل. كان من الأجدى بالمؤسسات الأمنية أن تتصل بذوي العسكريين منذ اللحظة الأولى، وتطلب منهم الهدوء والالتزام بالتعليمات، وتتعهد لهم بأن مصير أبنائهم سيكون بين أيادٍ أمينة، أي بأيدي القوى الأمنية وليس القوى السياسية المعروفة بضعفها وعجزها ووصوليّتها.
ثالثاً: أخطأت الحكومة اللبنانية عندما فتحت البازار على مصراعيه في قضية العسكريين الرهائن، وقد يكون الخطأ الأكبر أو الخطيئة الكبرى التي حبلت بالإثم، هي القبول بتسوية خروج المسلحين من عرسال إلى الجرود، مصطحبين معهم الجنود الرهائن، والتي – لغاية الآن – لم يُعرف ما هو مردودها وما هو ثمنها. ثم تمادى الخطأ في العشوائية التي طبعت التعامل مع هذا الملف، خصوصاً عندما تبيّن أن قوى منضوية في الحكومة أرادت استغلال الأمر لإطلاق المحسوبين عليها من مسجوني روميه، فطالبت بأكثر مما يطالب به الإرهابيون أنفسهم. أما الوسطاء المكّلفون من قبَل الحكومة فحدّث ولا حرج، فمن “هيئة العلماء المسلمين” المشبوهة، إلى الحجيري المطلوب للعدالة، ثم الوسيط القطري الذي يريد أن يمدد وساطته إلى ما شاء الله، باعتبار أن الوساطة ما هي إلا تعمية على تمريره المال والمواد الغذائية والطبية للمسلحين في الجرود.
ويبقى في النتيجة أن قضية بهذا الحجم لا يمكن التلاعب بها كما يتمّ التلاعب بكل قضايا الوطن المصيرية، والحل يكون:
– أن يعود الأهالي إلى بيوتهم، وعدم التواصل مع الإرهابيين بتاتاً، وعدم السماح للإرهابيين باستخدامهم أدوات مجانية في حربهم على لبنان.. وليقتدِ كل أب بوالد أحد أسرى “حزب الله”، وليقُل: ابني استشهد فدا الوطن، ولا تتصلوا بي مجدداً.. عندها فقط يسلم أبناؤهم من القتل.
– أن تضع الحكومة اللبنانية سقفاً عالياً للتفاوض، أي تحديد السقف الأعلى الذي يمكن لها الوصول إليه في عملية المقايضة، والذي لا يمكن تخطيه، والمفترض بهذا السقف الأعلى ألا يتضمّن تحته مجرمة إرهابية كجمانة حميد، وغيرها من قياديي “داعش” و”النصرة” الذين سفكوا دماء الأبرياء من اللبنانيين، وألا يتمّ التفريط بدماء الشهداء من اللبنانيين المدنيين والعسكريين.
– أن يتنحّى السياسيون الهواة عن هذه القضية، ويُترك الأمر لأربابه من العسكريين، أي للواء عباس إبراهيم، الذي يُشهد له بقدرته وحنكته في ملفات كهذه، وهذه الحنكة والقدرة على التواصل مع الأطراف كافة هما اللتان أوصلتا سابقاً ملف الراهبات إلى نهاية سعيدة.
– أن يتم التعامل مع الإرهابيين بطريقة “العين بالعين”، و{عاقبوا بمثل ما عوقبتم به}، فقتل عسكري يقابله قتل قيادي أو أكثر من الذين تطالب بهم “داعش” أو “النصرة”.
بهذه الأمور، وبالحفاظ على أوراق القوة، يمكن للدولة أن تحفظ كرامتها وكرامة شهدائها وحياة عسكرييها، وبغير ذلك فإن كل ما يوحي به هذا الملف من بدايته إلى نهايته لا يذكّر إلا بالعار.